بدأت القوات العراقية، فجر الإثنين 17 أكتوبر، عملية استعادة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وسط توقعات بأن يقاوم التنظيم الجهادي الهجوم ويقاتل بضراوة للدفاع عن عاصمة “خلافته”، متسلحا بدفاعاته التي كونها على مدار عامين سيطر فيهما على المدينة.
لن يكون خروج تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل سهلا مثلما دخلها قبل عامين، دون مقاومة مضادة، الأمر الذي شكّل صدمة كشفت الانهيار التام في عقيدة الجيش الوطني العراقي الذي تكون بعد الاحتلال الأميركي، وانتشار الفساد في صفوفه التي تم اختراقها من قبل عناصر تدافع عن الراية المذهبية لا الوطنية.
ومنذ إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ليلة الأحد-الاثنين، انطلاق معركة الموصل لاجتثاث عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، من ثاني كبرى المدن العراقية، ومن عموم البلاد، نجحت قوات التحالف وقوات الجيش العراقي، والقوات الأخرى المشاركة في المواجهة، البيشمركة والحشد الشعبي، في تحقيق تقدم على أطراف المدينة.
وقد أعلن الجيش العراقي، الجمعة، أن قوات الشرطة الاتحادية والحشد العشائري (سني) استعادا ثلاث قوى ضمن محور القيارة، كما تحدّثت خلية الإعلام الحربي التابعة للجيش، الخميس، عن استعادة السيطرة على17 قرية و56 بئرا نفطيا، جنوب المدينة الواقعة شمالي البلاد.
وبعد أيام قليلة من انطلاق المعركة، قال رئيس الوزراء العراقي إن العمليات العسكرية ضد داعش تجري بشكل أسرع مما هو متوقع، فيما أعلنت قيادة البيشمركة (قوات الإقليم الكردي المسلحة) شن عملية واسعة النطاق شمال وشمال شرق الموصل؛ وأعلنت عن استعادة 12 قرية في 3 محاور شمالي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وأصبحت على مسافة 12 كم شمالي المدينة.
وقالت قيادة عمليات تحرير نينوى إنه تمت استعادة قرية الخالدية وعين مرمية وطوقت قرية الصلاحية في المحور الجنوبي في الجانب الشرقي لنهر دجلة. وتمكنت قوات الرد السريع التابعة للشرطة الاتحادية من الوصول إلى تقاطع ناحية الشورى من القاطع الجنوبي للموصل وفرضت سيطرتها عليه؛ كما أعلن الجيش العراقي، الجمعة، استعادة بلدة برطلة المسيحية شرق الموصل.
داعش يواجه خطر انقلاب كامل في صورته فقبل عامين كان يروج لنفسه على أنه كيان لا يمكن إيقافه
يقول دافيد جارتنشتاين روس، الزميل الرفيع بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، إن داعش يواجه مع انطلاق المعركة خطر «انقلاب كامل في صورته»، فقبل عامين، كان التنظيم يروج لنفسه، وينظر إليه من قبل البعض على أنه كيان لا يمكن إيقافه، له قدرة هائلة على تحميس وحشد الأتباع، خاصة الشباب، أما الآن، وعلى الرغم من احتفاظه بنقاط قوة لا يمكن إنكارها، فإنه “وقعت في فخ تعهّده بما لا يمكنها الوفاء به، في ما يتعلّق بدولة الخلافة الممتدة”. لكن، ومع تقدم المعركة لصالح القوات المحاربة لداعش، لا يزال التنظيم المتشدّد أبعد ما يكون عن الهزيمة؛ سواء في ما يتعلق بالدخول في عمق الموصل واجتثاثه من هناك، أو في ما يتعلق بمحاربته في بقية البلاد. وقد أكّد هذا الواقع هجوم شنّته، الجمعة، عناصر من التنظيم على مدينة كركوك في شمال العراق، في محاولة للسيطرة على أجزاء منها.
وتبنى تنظيم الدولة الإسلامية عبر وكالة “أعماق” التابعة له الهجمات التي تعرضت لها مدينة كركوك في شمال العراق والعملية الانتحارية في الدبس، غرب كركوك. وقال التنظيم إن “قواته تهاجم مدينة كركوك من عدة محاور”، وأنها “أحكمت السيطرة على نحو نصف المدينة”.
وتحولت المدينة، التي لم يسبق لتنظيم الدولة الإسلامية أن دخل إليها، إلى ميدان قتال بين الجهاديين وقوات الأمن. ويثق الأمنيون بإمكان دحر الهجوم نظرا لعدم تمكن الجهاديين من الوصول بعجلات مفخخة أو مدرعة إلى المدينة، لكنهم لا يخفون قلقهم. ويقول الأمنيون إن منفذي الهجوم هم من الذين يطلق عليهم اسم “الانغماسيين”، أي الذين ينفذون هجمات مسلحة ويرتدون أحزمة ناسفة لتفجير أنفسهم كخاتمة للهجوم.
وقال خبراء إن الهجوم يهدف إلى تخفيف الضغط على المقاتلين في الموصل. وينذر بفتح جبهات أخرى الهدف منها تشتيت تركيز قوات التحالف والجيش والبيشمركة على معركة الموصل.
نقاط قوة تنظيم داعش
متسلحا بما بين 3500 وخمسة آلاف جهادي من المقاتلين، من بينهم، عدد كبير من المقاتلين الأجانب، وبيقين أن ليس هناك الكثير من الخيارات وأن عليه القتال إلى النهاية، يدخل تنظيم الدولة الإسلامية هذه المعركة، فيما لا يستبشر المحللون السياسيون والباحثون المهتمون بالشأن العراقي بتغيير قريب يمكن أن يضفي البعض من التفاؤل، فكلّ التحدّيات مازالت قائمة رغم التقدم الذي تحققه القوات المحاربة لداعش وما يتوفر لديها من أسلحة ودعم لوجستي.
ويعتبرون أن أخطر الأسلحة التي يمتلكها التنظيم المتطرف هو هذه المجموعة من المقاتلين المستعدين للموت من أجل قضيتهم. وقد أرسل داعش بالفعل العديد من الانتحاريين بسيارات مفخخة لمواجهة القوات الكردية المتقدمة.
وتتوقع القوات العراقية أن تجد في طريقها القناصة وألغاما ومفخخات ليس لها حصر، وهجمات تسلل يقوم بها الجهاديون المختبئون في شبكة من الأنفاق. وقد يستخدم الجهاديون “النيران غير المباشرة” مثل قذائف الهاون، إلا أن مثل هذه الأسلحة تترك تأثيرا حراريا يمكّن قوات التحالف من ضرب مصادرها على الفور.
وقال ديفيد بارنو، الجنرال المتقاعد الذي قاد في السابق الجهود الحربية الأميركية في أفغانستان، “نتوقع أن يكون أي مكان مفخخا وملغما، وسيصبح المهاجمون الانتحاريون والهجمات المضادة بعربات انتحارية جزءا من خططهم للدفاع عن الموصل”. وفي محاولة لتغطية تحركاتهم حول الموصل، يشعل الجهاديون حفرا مليئة بالنفط والإطارات لصنع سحب دخانية كثيفة.
ويستغل التنظيم تواجد مئات الآلاف من المدنيين المحاصرين في الموصل والذين يشكلون معا درعا بشريا هائلا، يجعلون من الصعب على التحالف شن هجمات بطائرات دون طيار أو مقاتلات. وقد يستغل مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية مقتل مدنيين لأغراض الدعاية وإثارة المشاعر المعادية للحكومة بين السكان الذين أغلبيتهم من السنة، خاصة بعد الجدل الذي أثير حول مشاركة الحشد الشعبي، وعلى خلفية ما ارتكبته الميليشيات الشيعية من حملات تطهير عرقي وطائفي في مدن عراقية تمت استعادتها من داعش.
وبالإضافة إلى ما سبق، يتمثل أحد المخاوف الرئيسية من مجريات معركة الموصل، في أن يقدم التنظيم المصنف على قائمة التنظيمات الإرهابية، على استخدام أسلحة كيميائية قام بتطويرها، وهي ولئن قلل المسؤولون الغربيون من خطورتها، وقالوا إن تأثيرها سيكون تهديدا نفسيا أكثر من أي شيء آخر، فإن تضافرها مع مختلف العوامل والأسلحة الأخرى التي يملكها التنظيم يجعل الموصل وما بقي فيها من سكان في خطر كبير.
ما مدى قوة القوات المضادة
في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، يشارك ثلاثون ألفا من القوات العراقية وقوات البيشمركة في المعركة ويستعد عشرات الآلاف من المقاتلين الآخرين للانضمام إليهم في معركة الموصل، هذا بالإضافة إلى قوات الحشد الشعبي، وتقدم القوات الإيرانية المشورة والمساعدة والتمويل لبعض الفصائل الشيعية التي تقاتل ضد الجهاديين في العراق.
وتنتشر قوات تركية في قاعدة قرب الموصل انطلقت منها لتوجيه ضربات مدفعية ضد الجهاديين. كما تتمركز قوات برية تركية في إقليم كردستان الشمالي، على الرغم من رفض الحكومة العراقية ذلك ومطالبتها بمغادرتها. ويثير التدخل التركي توترا بين بغداد وأنقرة التي تصر على المشاركة في العملية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الأمر الذي ترفضه الحكومة العراقية.
ورغم أن القوات العراقية انهارت أمام تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في 2014، إلا أن التحالف قام منذ ذلك الحين بتدريب كل جندي سيقاتل في الموصل. وازدادت ثقة القوات العراقية بعد سلسلة من الانتصارات التي حققها في البلاد. واشتملت عمليات تدريبهم على دروس استفادوا منها من انتصاراتهم السابقة على التنظيم في العراق بما في ذلك في الفلوجة والرمادي.
كما أثبتت قوات العمليات العراقية الخاصة قوتها في معارك سابقة، إلا أن أكبر ميزة تتمتع بها القوات العراقية هي الدعم الجوي من التحالف. وتحصل القوات على الأرض على صور فيديو مباشرة تبثها الطائرات دون طيار وتظهر ما يحدث في المدينة. كما تستطيع العمل مع قوات التحالف وتطلب منها شن ضربات جوية خلال لحظات. وتتوقع وزارة الدفاع الأميركية أن يحمل بعض المواطنين السلاح ضد التنظيم المتطرف مع تقدم القوات العراقية، إضافة إلى ذلك فإن محاربي المعلوماتية في البنتاغون يعملون للتجسس على الجهاديين وعرقلة شبكات الكمبيوتر لديهم.
نجاح الحملة
بناء على هذه المعطيات، تبدو من الممكن تكتيكيا، وفق الجنرال جون كين، نائب سابق لرئيس أركان الجيش الأميـركي، استعادة السيطرة على الموصل، لكن كم من الوقت سوف تستغرق المعركة وبأي ثمن؟، يعود ذلك إلى عدد من الأمور منها أن اختراق الـعـبوات الناسفة وأنظمة الأنفاق الـواسعة في الموصل، يـحتاج بعض الوقت مقارنة بما حصل في الفلوجة والرمادي.
ويعتقد خبراء أن ما يخيف تنظيم الدولة الإسلامية أكثر هو فكرة تثبيت القوات البرية العراقية له في مكان ما بحيث لا يمكنه المناورة، ومن ثم تدميره باستخدام القوة الجوية؛ وهو ما يجعله يلجأ لتكتيك حرب العصابات وتشتيت المواجهة على أكثر من مكان.
المتغير الآخر، وفق تصريحات الجنرال جون كين، جاء ضمن حوار مطول على موقع ذي سيفر بريف، “إننا لا نعرف على وجه اليقين مدى الدعم الذي سوف يلقونه من طرف سكان الموصل. نحن نعلم أنه عندما دخلوا إلى الموصل أول مرة، استقبلهم سكان المدينة بشكل إيجابي، لأنهم من السنـة، وقد ضاق السكان، في ذلك الوقت، ذرعا بـمستوى الخدمات والموارد المقدمة من الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة. الكثير منهم رحب بتنظيم الدولة الإسلامية، معتقدا أنه جماعة سنية سوف تحررهم من هذه المعاناة وتحسّن نوعية حياتهم، لكن على العكس من ذلك، فرض التنظيم القوانين الشرعية، التي غيرت الحياة اليومية لسكان الموصل بشكل كبير، وحولت حياتهم إلى جحيم”.
ويضيف الجنرال كين “رغم أننا نعلم أن موقفهم تغير ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلى أننا لا نعرف على وجه اليقين عدد السكان، ومدى الدعم الذي يمكن أن يكون بعضهم على استعداد لتقديمه لفائدة تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يجعل المهمة داخل المدينة أكثر تحديا، خاصة إذا كان أمامنا سكان مدنيون ويدعمون العدو. بالطبع، سوف يستمر البعض من هذا الدعم بسبب التخويف والتهديد بالقتل، لكنه لن يكون أكثر قوة إذا قدمنا دعما موازيا يكون أفضل”.
وشهدت فترات حكم تنظيم الدولة الإسلامية أسوء جرائم حرب في العصر الحديث، ومهمة مصالحة كل مكونات هذه المدينة التي تضم أعراقا وديانات مختلفة ستكون موضوعا شاقا.
وقال مركز صوفان الاستشاري “نظرا للحجم الهائل من الجرائم الوحشية التي شهدتها الموصل خلال استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية عليها، فإن عمليات الانتقام ستكون من المرجح مشكلة خلال الأيام والأشهر المقبلة”، و”ستتطلب جهودا كبيرة قبل أن تلتئم جروح هذه المدينة والمجتمع”.