اكتسبت معركة الموصل ضد “داعش” بُعدًا جديدًا وحاسمًا. صمود ومقاومة “داعش” لعدم الانسحاب من المدينة يظهر أهمية الموصل والتي تُعد عاصمة الخلافة المزيفة لداعش في العراق. ورحلت المنظمة من قبل من عدة مدن في المنطقة دون الدخول في معارك. لم تكن “داعش” لتبقى في المعركة إذا توقعت خسارتها. وعلى الرغم من الانتصارات المبدئية فإن المعارك في الموصل ستستمر لفترة أطول من المتوقع.
كان من المتوقع، أن تبقى “داعش” للدفاع عن وجودها في المدينة بدلا من الهجوم . في البداية خلقت “داعش” حالة من الرعب والهلع بين المدنيين من خلال إعدامات استبدادية، ويبدو أنها نقلت سكان المدينة لمراكز مهمة في الموصل تمهيدا لاستخدامهم كدروع بشرية في الحرب الوشيكة.
وأظهر “داعش” نفسه من خلال هجمات في مناطق غير متوقعة فعلى سبيل المثال أغلق الطريق السريع بين بغداد وعمان، ومع بداية عمليات الموصل قامت بتفعيل الخلايا النائمة للمنظمة بشكل غير متوقع في كركوك.
ويبدو أن الجميع على يقين من أن التخلص من وجود “داعش” في الموصل في النهاية، ولكن لا أحد يعلم متى سيحدث ذلك؟. وقال خبراء عسكريون أكراد، إن هذا سيحدث في غضون 6 أشهر، ويتوقعون حدوث مذبحة للمدنيين في أسوأ الظروف. وقال مسؤولون أمريكيون بسبب حماسهم من الانتخابات الامريكية، إن هذا سيحدث في شهرين فقط وهو ما لا يبدو واقعيا على الإطلاقا.
ولكن هذا لا يعني أن هذه نهاية “داعش”، حيث انسحب بعض المسؤولين العسكريين عن “داعش” إلى سوريا، ووفقا لتقارير من المخابرات العراقية فإن 2300 عسكري من “داعش” تحركوا إلى مدينة الرقة في الأسابيع الثلاثة الماضية، وهو ما سيقوم “داعش”، ويطيل من أمد المعركة، وستستخدم “داعش” المدنيين كدروع بشرية دون الحاجة لوجود الكثير من العسكريين وذلك للحفاظ على مقاومتهم .
ويحاول “داعش” الاختباء، وتجنيد بعض السنيين كما كانت تفعل حيث إنه من المحتمل أن ينضم بعض السنيين لداعش إذا حاولت الميليشيات الشيعيه الانتقام من السنيين في أثناء دخولهم الموصل.
وستحدد أفعال ميليشيات الشيعة بعد تحرير الموصل ما الذي سيحدث، حيث من الممكن أن تكون الموصل مفتاح حل الأزمة بين السنة والشيعة في العراق أو بداية حرب أهلية جديدة.
واكتسبت حرب الموصل بُعدا خطيرا بسبب مقاومة “داعش” العنيفة. وتشير التطورات حتى الآن إلى أن أقرب سيناريو هو وجود حرب أهلية. محاولة بعض الدول التدخل عسكريا في معركة الموصل أو دعمها كجزء من القوات المضادة لداعش تفسر جرأة وجود هذه الدول في المنطقة. حيث إن الموقف في الموصل من الممكن أن يتعدى الحرب الأهلية ويشعل فتيل حرب عالمية أخرى.
وعن أنقرة، فإن مشكلتها الأساسية هي حزب العمل الكردستاني و”داعش”، وهو ما يجعلها تتدخل في صراعات المنطقة، وتدخل سوريا والعراق بدلا من محاربة الإرهاب المتزايد على أرضها، وأصبحت هذه الجرأة أمر معقد حيث أصبح على تركيا التدخل دون معرفة أهمية أي منهما سواء حزب العمل الكردستاني أو “داعش”.
ويعتبر لدى الغرب وبعض دول الشرق قائمة بأولويات المنظمات الإرهابية ولكنهم يتصرفون الآن، وكأنهم أزالوا حزب العمل الكردستاني من قائمة الإرهاب، وانتقلت تركيا لأرض المعركة دون إعطاء أولوية لقتال أي من المنظمتين.
ويعد الموقف الإيراني المنقسم في العراق ورغبة إيران في نشر قوات الميليشيات الشيعية على أرض المعركة بمثابة الفتيل الذي سيشعل الحرب الأهلية في الدولة. يمكن تعريف دعم إيران المباشر للحشد الشعبي بمحاولة جعل الإخوة ينقلبون على بعضهم البعض، حيث إن إيران تعتبر القوة المسببة للصراعات الطائفية والتوترات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، والخلافات الداخلية بين مجموعات سنية والمعارك بين الشيعة والسنة الأتراك، حيث كانت علاقة إيران بحزب العمل الكردستاني مثيرة للقلق دوما.
وهناك بعض العوامل المشاركة في حرب الموصل التي لا يجب تجاهلها، ومنها الحرب التي استمرت لسنوات بين العرب والقبائل التركية وبين السنة والشيعة الأتراك في مدينة تلعفر، والتي ستكون في مصلحة “داعش” عند وجود هذه الأطراف في جنوب وغرب الموصل، ويعلم البعض جيدا أن المعارك في الموصل ستستمر حتى بعد التخلص من “داعش”.
وكانت مناطق الشورة وحمام العليل في جنوب الموصل حيث يعيش بعض القبائل حصون للجماعات المسلحة ضد الولايات المتحدة خلال غزو العراق. وكانت هذه المناطق أكثر المناطق المعروفة بتواجد تنظيم القاعدة بها خلال قيادة الزرقاوي، وهناك انتشار لقبائل على الحدود السورية والتي شهدت صراعات مع قوات كردية مسلحة في العقد الماضي.
وكنتيجة لذلك فإن العديد من السكان هاجروا من المنطقة، واستمرت المعارك منذ استحواذ الأكراد العراقيين على مناطق عراقية مع سقوط بغداد في 2003، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن بعض هذه القبائل تتحالف مع القوات الكردية في مدينة الربيعة على الحدود السورية العراقية.
وتمتد هناك صحراء من منطقة الربيعة والتي استخدامت كدرع في البداية لتنظيم القاعدة ثم بعد ذلك لداعش، ووصف دايفيد بترايوس الخبير العسكري الأمريكي المنطقة بمفتاح للعمليات العسكرية حيث إنها تمتد إلى المناطق التي يوجد بها التنظيم مثل دير الزور والرقة.
ويعتبر الخط الذي يربط بين الموصل والرقة عبر الجزيرة هو منطقة حيوية لداعش بعيدة عن مناطق تواجد الأكراد في الشمال والمنطقة التي توجد بها الشيعة في العراق.
ومن العوامل الأخرى التي تسبب توترات بالمنطقة هو السنة الأتراك في تلعفر والذين يستفيدون من وجود “داعش” في الموصل. ويقبع السنة الأتراك في بداية الطريق الذي يمتد من الموصل إلى سوريا وفي شمال الجزيرة. وسبق لهم أن واجهوا الشيعة الأتراك في مواجهات دموية أسفرت عن مقتل المئات في 2003، ويميل بعض السنة الأتراك إلى القاعدة و”داعش” بسبب الفجوة في السلطة في المنطقة، ما جعلهم قادة رئيسين في هذه المنطمات مثل أبو مسلم التركماني، وأبو علاء العفري، وهناك قادة عسكريين آخرين من السنة الأتراك، في حين انضم الشيعة الأتراك إلى القوات الحكومية كجزء من الحشد الشيعي، وتم رصدهم منذ عدة أيام في كركوك.
وإذا بقيت تركيا خارج محادثات الموصل فإن ذلك سيدفع الأتراك والذين تم تهميشهم من قبل التوازنات الداخلية في 2003 إلى التطرف، ولذا فإنهم قد يمرون بمذبحة كبيرة بعد فترة، لذلك فإنه على تركيا أن تكون طرف مهم في تقويم هذه المجموعات. المعارك بين القبائل العربي والكردية وبين السنة والشيعة الترك يمكن أن تعطي الدافع لداعش والقدرة على إطالة أمد المعركة إلى الوقت الذي يتقاتل فيه هذه الأطراف في جنوب وغرب الموصل.
ممر إيراني يمكنه وضع إيران وتركيا في مواجهة
حقيقة تحرك الميليشيات الشيعية تجاه مدينة تلعفر الخاصة بالترك هو من أجل هدف استراتيحي يتجاوز الإدارة العراقية الحالية، ويمتد إلى إيران والتي تولي أهمية كبرى لتأمين ممر آمن إلى سوريا من خلال العراق وذلك من خلال دعم الجماعات الطائفية.
ويتعدى الهدف الإيراني تأمين هذا الممر، حيث إنها تأخذ في الاعتبار المعارك المحتملة بشأن تصدير الغاز لأوروبا، ويعد هدفها هو امتلاك طريق يؤدي إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق سواحل سوريا.
وتعتبر مدينة تلعفر ذات أهمية لإيران، لموقعها الجغرافي والذي يجعل المدينة مركز لتمرير البضائع والأشخاص من إيران إلى سوريا، وهو يعتبر أكثر مكان مؤمن بسبب التركيبة السكانية بها حيث إن غالبية ساكنيها من الشيعه الترك. وقال سياسيون في المنطقة، إن أهداف الميليشيات لامتلاك المنطقة لا شأن له بمنع “داعش” من الهروب لسوريا.
بعد منع ميليشيات الحشد الشيعي من الوصول إلى حدود الموصل، فإن إيران لم يبق لديها خيار سوى تجنب غلق الطريق الذي يؤدي لسوريا، وما يبدو محتملا هو إضافة تلعفر إلى مجهودات استعادة الموصل، ويعد هدف إيران الأساسي هو عزل تلعفر عن العمليات العسكرية بالموصل وإعطاءها للميليشيات.
على عكس تركيا فإن إيران لا تحتاج إلى التدخل العسكري المباشر لتحظى بالسيطرة على العديد من المناطق في العراق حيث تستغل ميليشيات الشيعة لتحقيق هذا الهدف.
وقال جواد الطليباوي، المتحدث باسم عصب أهل الحق والتي تعد واحدة من المجموعات التي تقود ميليشيات الحشد الشعبي، إن الحشد الشعبي أعطى لهم مهمة تحرير تلعفر، وهدف الحشد الشعبي هو منع عناصر من داعش من الهروب إلى سوريا وكذلك عزل سوريا عن الموصل.
وتشير الدلائل إلى استعداد مجموعات الحشد الشعبي للانتشار في المنطقة وهي المنطقة التي تبعد عدة كيلو مترات عن القوات التركية في بعشيقة. وتشير هذه المعلومات إلى أن هذه المجموعات ستنتشر في نطاق إطلاق نار القوات التركية والعكس صحيح.
وهناك احتمالية لبدء معارك بين تركيا وإيران في المنطقة. هذه الاحتمالية لا يجب تجاهلها بينما هناك تعاون بين إدارة الحشد الشعبي وحزب العمل الكردستاني، والتى ينتشر مقاتلوها في شرق سنجار.
التقرير