يظن بعضهم أن تصريحات المتحدث باسم الحشد الشعبي في العراق، أحمد الأسدي، إن حشده سيدخل إلى سورية لمطاردة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، بعد خروجهم من العراق، هي للاستهلاك المحلي، لكن الأمر لا يبدو كذلك بعد نحو عامين من تأسيس هذا الحشد الطائفي الذي تم تأسيسه بناءً على فتوى المرجع الشيعي، علي السيستاني، عقب دخول تنظيم الدولة الإسلامية إلى الموصل في يونيو/ حزيران عام 2014.
تؤكد متابعة سير عمل هذا الحشد منذ تأسيسه أن هذا التشكيل العسكري الذي أسس من مليشيات شيعية، تابعة لأحزاب وكيانات شيعية، بات أقوى من الجيش العراقي، بل إن ما قدم لهذا الحشد، حتى من الحكومة العراقية، فاق ما قُدم للجيش العراقي، ناهيك عن مساعٍ حثيثةٍ، تقوم بها أطراف برلمانية شيعية من أجل استصدار قانون، يمنع مساءلة عناصر الحشد الشعبي عن أي انتهاكات قد يقوم بها الحشد خلال العمليات المسلحة.
ليس هذا فحسب، بل تحوّل الحشد الشعبي، وعبر منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين، إلى الجناح الضارب لإيران، حتى أن مجلة نيوزويك الأميركية اعتبرت أن لدى المرشد الإيراني، علي خامنئي، نحو 80 ألف مقاتل في العراق يمثلون الحشد الشعبي في دلالةٍ على ولاء هذه المليشيات لإيران ولولي الفقيه.
جاءت تصريحات قادة الحشد إنهم سيتوجهون إلى حلب بعد الموصل، بعد أيام من تصريح مثير لرئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، إن عملية “قادمون يا نينوى” تعني قادمون يا حلب وقادمون يا صنعاء، مبشراً بحربٍ إقليمية، كما أنها تصريحات تدل على حقيقة ما تريده إيران من حشدها في العراق. وأيضا على أن هناك تواطؤاً أميركياً واضحاً وفاضحاً مع هذه المليشيات، وكيف لا، وهي التي وفرت لهذا الحشد كل الدعم الجوي في معاركه ضد تنظيم
الدولة، على الرغم من أنها تعلم جيداً أن هذا الحشد متهم بانتهاكات وجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن مشاركة قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، المطلوب أميركيا والمتهم بالإرهاب، في قيادة هذه المليشيات.
ربما يعتقد بعضهم أن الولايات المتحدة قد لا تسمح لهذا الحشد الطائفي بالتقدم إلى حلب. ولكن، لا يبدو أن أميركا معنية بذلك، فقد قالت سابقا إنها لن تسمح للحشد بالمشاركة في معركة الفلوجة، ولن تقدم الدعم الجوي لها، إلا أن ذلك لم يحصل، على الرغم من كل الانتهاكات التي ارتكبها هذا الحشد، فكان أن دخلت المليشيات الفلوجة، وفعلت ما فعلت هناك.
تسمع الولايات المتحدة ليل نهار تصريحات قادة مليشيات الحشد الشعبي، وتهديداته تجاه الـخمسة آلاف مقاتل أميركي الموجودين في العراق، من دون أن تحرك ساكناً، فهذا قيس الخزعلي، زعيم ” عصائب أهل الحق”، يصرح جهاراً نهاراً إن القوات الأميركية ستتحول إلى أهداف للحشد الشعبي، إذا ما فكرت في البقاء في العراق، عقب تحرير الموصل.
وكما فشلت الولايات المتحدة، أو هكذا حاولت أن تبين، في منع دخول الحشد إلى الفلوجة، فإنها فشلت في منع دخوله واشتراكه بمعركة الموصل، حيث فتحت تلك المليشيات السبت جبهة المحور الغربي، محور تلعفر، الأمر الذي سيؤدي، بالضرورة، إلى انتهاكاتٍ إجراميةٍ كبيرةٍ، تقوم بها تلك المليشيات، بالاستناد إلى تاريخها المشين في التعامل مع أهالي المناطق السنية.
وإذا كان اتفاق أربيل الذي سبق معركة الموصل قد وزع الأدوار، وقسّم المهام بين الفرقاء الذين تجمعوا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، قد نصّ على عدم دخول الحشد الشعبي مدينة الموصل، فإن كل الدلائل تفيد بأن هذا الحشد لن يرضى بهذه القسمة، وسيتجاوز الدور المرسوم له، وسيدخل المدينة، وعندها لن يسكت الأكراد ولا الأتراك.
تعرف إيران جيداً أن أميركا في موقف لا يسمح لها الآن بأي تدخل كبير، سواء في العراق أو سورية، مع دخول البيت الأبيض مرحلة الموت السريري، بانتظار ساكنه الجديد. لذا، فإنها ترى أن الفرصة مناسبة لحرق المراحل، والتفاوض لاحقاً من موقف قوة.
كما أن تركيا التي ارتفع صوتها كثيراً تدرك ذلك أيضاً. وبالتالي، فإنها لا تريد أن تترك الحبل على الغارب بالنسبة لإيران. ولكن كيف؟ ذلك ما لا تجد عليه تركيا جواباً بسبب تعقيدات المرحلة في العراق.
لن تمنع أميركا الحشد من التوجه إلى حلب، إذا طلبت منه إيران ذلك، وربما تطلب، لأنها ببساطة تسعى من أجل إقامة طريقها البري الذي يمر عبر تلعفر وسنجار ثم حلب، وصولا إلى السواحل السورية.
الحشد الشعبي العراقي اليوم هو فيلق القدس الإيراني بثياب ولغة عراقيتين، هذه الحقيقة التي يجب أن نتعامل معها. وبالتالي، لن تقف مهمة هذا الحشد الإجرامي عند الموصل، وإنما ستمتد إلى سورية، وربما سنسمع “قادمون يا رياض” و”قادمون يا منامة” و”قادمون يا كويت”، فهل سيعي ما تبقى من عرب حقيقة المرحلة وطبيعة الصراع؟
إياد الدليمي
صحيفة العربي الجديد