تعد السياحة من الركائز الأساسية للتنمية المستدامة، و تسعى الدول لتحقيق تنمية نظيفة خالية من التلوث البيئي، وهذا ما حققته السياحة الدينية، حيث تعتمد الكثير من الدول التي توجد فيها أماكن ذات قيمة دينية على السياحة، كمورد مهم من موارد التنمية الاقتصادية، ومن هذه الدول السعودية، التي ينشط فيها الحج والعمرة الزيارات والشعائر في العراق، التي لو تم استغلالها بشكل صحيح، وتهيأت لها الظروف المناسبة، ستدر دخلًا يسهم في رفد خزينة هذه الدول، ودفع عجلة التنمية، وتسهم في الحد من البطالة، وتشغيل قطاع النقل، وقطاع الفنادق والمطاعم، وحتى قطاع الصناعات الحرفية ، وربما نستطيع أن نشبه تأثير الزيارات والشعائر في العراق، بمواسم الحج و العمرة في السعودية .
يرى خبراء اقتصاديون إن لموسم الحج أهمية بالغة في رفد الخزانة العامة للدول ؛ اذ يُحدث انتعاشًا في جميع القطاعات الاقتصادية في السعودية، وخصوصًا في مكة المكرمة والمدينة المنورة، لذا يعد موسم الحج بالنسبة للتجار عامة، وتجار مكة خاصة موسمًا مهمًا يحقق لهم أعلى دخل بعد موسم رمضان حيث بلغت إيرادات السعودية من الحج والعمرة في العام 2012 أكثر من 62 مليار ريال أي ما يعادل 16.5 مليار دولار، و ذكرت مجلة الإيكونوميست البريطانية هذا لمبلغ يساوي نحو 3٪ من إجمالي الناتج المحلي للسعودية؛ مما يؤكد أن موسم الحج يحقق تجارة رابحة ضخمة، وموردا اقتصاديا مهما .
وتشير دراسة نشرتها جامعة “أم القرى” الرياض، المملكة العربية السعودية (CNN) إلى أن الحج يترك آثارا كبيرة على صعيد الإنفاق الكلي، وذلك من خلال الإيرادات التي تحصل عليها القطاعات العاملة في الحج من مؤسسات وشركات ونقل ومواصلات ومحلات تجارية، حيث إن إنفاق الحجاج هنا يمثل دخلا لهذه القطاعات، ما يساهم في زيادة الطلب الكلي.
ونقلت الصحيفة عن “نادية باعشن” الخبيرة الاقتصادية وعميدة كلية إدارة الأعمال شمال جدة، ” أنه لو تم استغلال المورد الاقتصاد للحج أفضل استغلال ووجد تنظيما أكثر مما هو عليه الآن فإن الدخل الاقتصادي للحج والعمرة سيوازي دخل البترول. كونه يسهم في القيام بمشاريع البنى التحتية المهمة للبلاد من مطارات وموانئ للحرم المكي وقطارات وجسور لخدمة الحجاج والتخفيف من حالات الازدحام من جهة وزيادة أعداد الحجاج والمعتمرين من جهة أخرى .
وقد أدركت الحكومة السعودية حقيقة أهمية إيرادات الحج والعمرة فوضعت مواسم الحج والعمرة ضمن أجندتها في رؤية السعودية 2030 والتي يشرف عليها ولي ولي الأمير محمد بن سلمان، والتي تقتضي تخلي الميزانية عن إدمان النفط الذي تعتمد عليه بشكل كبير، والذي خلف أثارا سيئة وأزمات اقتصادية متلاحقة للسعودية بعد انخفاض أسعار الطاقة العالمية .
اما فيما يتعلق بالعراق يعد بلد سياحي تتوفر فيه كل مقومات السياحة لكن السياحة الدينية تمثل اليوم المرتكز الرئيس للسياحة فيه من حيث رواجها لدى المسلمين وخاصةً من إتباع المذهب الشيعي في العالم، وتمثل مدينة كربلاء المقدسة المقصد الأول للجذب السياحي الديني لهم ، حيث يزورون الملايين سنويا العتبات المقدسة فيها مما ينعكس على الجانب الاقتصادي المتمثل بزيادة الدخل، وتوسيع فرص العمل في الاستثمار السياحي،
وتؤثر السياحة الدينية في تنمية مشاريع البنى التحتية، و على المستوى العام للأسعار، ويقاس الطلب السياحي بأعداد الزوار وعلى وجه الدقة بعدد ليالي المبيت . ويقدر عدد الزوار الأجانب بحدود 1500- 2000 زائر يوميا معظمهم من إيران غير إن هذا الرقم قد يرتفع عند تحقق الأمن والاستقرار في العراق ليصل إلى 7000-10000 زائر يوميا ، إما الطلب السياحي المحلي فهو موجود على مدار السنة يصل ذروته إلى( 3 – 4 ) ملايين زائر أيام عاشوراء وزيارة الأربعين للإمام الحسين بن علي رضي الله عنه ولقد ارتفع الطلب السياحي في مدينة كربلاء للأسباب التالية :وجود الحرية الكاملة لممارسة ا لشعائر، وانخفاض سعر صرف الدينار العراقي مما يجذب الزوار من الدول المجاورة والبعيدة، توفر الدافع الروحي العميق لزيارة العتبات المقدسة حتى دون توفر وسائل التسويق السياحي،
ويمكن إن تكون هذه العوامل وغيرها معادلة تستخدم في بناء نموذج إحصائي للتنبؤ بحجم الطلب على السياحة في مدينة كربلاء .
ولكن التعرف على حجم الدخل السياحي امر صعب جدا” ذلك ان ارقام الجهاز المركزي للإحصاء عن قطاع السياحة غير متوفرة لان هذا القطاع غير مستقل وكونه ضمن قطاع تجارة الجملة والمفرد مما يجعل آمر الفصل بينهما في غاية الصعوبة .
وبما ان السياحة الدينية مصدر مهم لدعم ميزان المدفوعات و ينفق عليها بالعملات الأجنبية لاستيراد مستلزمات الإنتاج المستخدمة من قبل المنشئات السياحية فأن حصيلة الفارق بين العائد والإنفاق هي التي تقرر دور السياحة في ميزان المدفوعات. ففي حالة تفوق العائد، يكون هناك فائض في العملات وينشأ الدور الايجابي، وفي حالة تفوق الإنفاق يكون هناك عجز وينشأ الدور السلبي.
ومن الممكن أن يكون للسياحة شأن كبير في الدخل الوطني العراقي لما تمتلكه من مقومات جاذبه، بالإضافة الى الضرائب والرسوم التي تفرض على المشاريع السياحية وتعد مصدرا لميزانية الدولة، وتوفير فرص عمل جيدة ضمن حدود القطاع السياحي
وكذلك تسهم السياحة في توزيع عادل للدخل والمشاريع التنموية في كل المناطق النائية والمدن الصغيرة والكبيرة، وبالخصوص مشاريع الطرق والنقل والخدمات كالأسواق والفنادق والمطاعم والمرافق السياحية وغيرها.
وعلى الرغم من كل ذلك فان هناك حقائق مغيبة عن السياحة الدينية بالعراق ، بعد إصدار مرشد إيران علي خامنئي فتوى بتحويل حج الإيرانيين إلى كربلاء عوضا عن مكة المكرمة اعلنت الحكومة الإيرانية أن مواطنيها لن يؤدوا مناسك الحج هذا العام بسبب ما وصفتها بـ”القيود” التي تفرضها السعودية عليهم ..لكن وزارة الحج والعمرة السعودية حملت منظمة الحج والزيارة الإيرانية مسؤولية عدم قدرة الإيرانيين على أداء الحج لهذا العام. هذا يعطي حسب المؤشرات الطبيعية انتعاش اقتصادي للعراق !
ولكن عدم إعطاء أرقام دقيقة لإعداد الزائرين الحقيقيين فهناك اختلاف كبير بين الأرقام التي ترصدها الداخلية العراقية وما يعلنه الجانب الإيراني،
ورغم وجود منافذ (مهران) و(شزابه) و(الشلامجة)، بالاضافة الى منفذ زرباطية، والتي تقع في المحافظات الجنوبية الحدودية مع إيران، فقد وردت العديد من حالات الدخول غير الشرعية ومحملة معها بضائع ممنوعة ومواد مسروقة وتأتي المخدرات في المرتبة الأولى للتهريب من إيران إلى العراق.
ويؤكد وزير الداخلية العراقي السابق ان المئات بل الآلاف من الإيرانيين تسللوا إلى الأراضي العراقية عبر المحافظات الجنوبية، وآخرين دخلوا بصفة رسمية للزيارة لكنهم فضلوا البقاء رغم انتهاء صلاحية تأشيرة دخولهم .
و قد أدت الهجرة والإقامة غير الشرعية إلى انتشار المخدرات والتعاطي بها وكسر سوق الأيدي العاملة، خصوصاً ان الإيرانيين يعملون بأجور اقل بكثير من العراقيين .
ومن جانبهم اتهم أصحاب الفنادق في كربلاء، هيئة الحج والزيارة الإيرانية وشريكاتها بالسيطرة على المدينة وفرضها لشروط صعبة فيما يتعلق بإيواء وسكن الزوار الإيرانيين، وجود تراخيص منحتها الداخلية العراقية بموجب اتفاق مع شركات أمنية خاصة لتأمين حماية الزوار الإيرانيين.
وتفيد مصادر إن النظام الإيراني يسعى إلى تشغيل شركات إيرانية في المدن المقدسة للسيطرة الاقتصادية عليها ماعده اقتصاديون ذلك ضربة قوية للاقتصاد العراقي .
ولاحظ المراقبون إن الحكومة الإيرانية تحاول جاهدة للسيطرة على السياحة الدينية في العراق لأنها تدر عليها أموالاً طائلة تنافس أموال النفط.
وهناك شركة سياسية شريكة اسمها (شمسا)، الإيرانية تسيطر على كل ما يتعلق بالزوار الإيرانيين الذين يصلون إلى كربلاء والذي يصل عددهم إلى نحو 2500 زائر يوميا”.
يوضح صاحب الفندق عراقي الجنسية أن “الشركة الإيرانية السياحية تحصل على أغلب الأرباح من عائدات السياحة وخاصة الفنادق” ويتساءل بحسرة “فهل يعقل أن يوفر صاحب الفندق المبيت وثلاث وجبات غذائية في اليوم ويتحمل مصاريف الكهرباء والماء وغسيل الملابس مقابل (24) دولارا يوميا تعطيها له شركة شمسا عن كل زائر”. مبيناً أن “هيئة الحج والزيارة الإيرانية لا تدفع لنا مستحقاتنا إلا كل ثلاثة أشهر”….
من الواضح أن قطاع السياحة الدينية في العراق يتعرض إلى استغلال من قبل الشركات التي تقوم بدور الوساطة بين الزائر و أصحاب الفنادق ، حيث تدفع لهم مبالغ قليلة، مقارنة بالمبالغ المتوقعة التي تقبضها هذه الشركات من الزائرين، وبالتالي فهي تحقق أرباحًا وتحسن من مواقفها المالية بشكل مستمر ، بينما يكون أصحاب الفنادق مهددين بالخسارة، علاوة عن أن البدء بتوريد هذه المبالغ يتم بعد فترات تقارب الثلاثة شهور ، من إنتهاء الزيارة، وعلى دفعات، مما قد يتسبب بعسر في الموقف المالي لأصحاب هذه الفنادق.
عطفَا على ما سبق يلاحظ المتتبع أن الزيارات والشعائر في العراق تتشابه من حيث ظروف السياحة الدينية، و مقوماتها مع الحج والعمرة، ونقصد هنا ظروف هذا النشاط الاقتصادي و مقوماته، من حيث حجز الفنادق ، و استخدام المطاعم ،وقطاع النقل، وكذلك التسوق …الخ ،
إلا أن الاستفادة العائدة على المستثمرين في الحج والعمرة، تبدو أكبر، وذلك بسبب أتساع وتنوع شريحة المستهلكين الذين يقومون بالحج والعمرة، عن تلك التي تقوم بممارسة الزيارات والشعائر، هذا بالدرجة الأولى، إلا أن هنالك عوامل أخرى لا يمكن التغافل عنها مثل حالة الدفع المباشر للمستثمر في الحج والعمرة، مما يجعله في وضع مالي أكثر ضمانا، من ذلك الذي يكون استثماره في هذا القطاع بالعراق ،
كما أن التنافس بين الوسطاء في الحج والعمرة أوسع منه بين الذين يعملون في مجال الزيارات والشعائر في العراق، الذين يمكن وصف الحالة في بعض الأحيان إلى أنها أقرب للاحتكار، علاوة على أن دور التشريعات والقوانين وتطبيقها ومرونتها لها دور مؤثر، ففي الحج والعمرة يكون للمستثمر قدرة على إدارة استثماره وفقًا لآلية العرض و الطلب، بينما في العراق المستثمر أكثر تقييدًا في إدارته لاستثماره نظرا للظرف السياسي والاجتماعي من جانب كذلك لضيق وقلة التنوع في طبيعة الوسطاء الذين يتعامل معهم، هذا بالإضافة إلى التأثيرات غير المباشرة كقوانين الإقامة، وشروط دخول البلاد والالتزام بفترات مكوث محددة ، فضلًا عن قيود العمل على السياح ، ومدى الالتزام بذلك من عدمه.
لذا فإن السياحة الدينية ربما لو توافرت لها الظروف المناسبة لتشجيعها و دعمها و حمايتها في العراق، كما تتوافر لها في السعودية ، لكان لها مساهمات أكثر إيجابية في رفد خزينة الدولة العراقية،
مما يؤدي إلى تعزيز ارتفاع مؤشرات التنمية في العراق، وتخفيف العبء عن كاهل قطاع النفط ، الذي يعتمد عليه الآن بشكل رئيس، كما لو توفر المناخ الملائم لهذا النشاط السياحي الديني، لكان له علاقة تتناسب تناسبًا طرديًا مع نمو وإنشاء المشاريع الصغيرة و المتوسطة، الأمر الذي يكون له تأثير إيجابي مباشر في خفض مستويات و معدلات البطالة و الحد منها ، مما يسهم في تحسين المستوى المعيشي للأفراد.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية