ترامب مصمم على نسف الاتفاق النووي الإيراني

ترامب مصمم على نسف الاتفاق النووي الإيراني

الآن، أصبح واضحاً ما كان العديد من المراقبين يشكون بتوتر في حدوثه منذ أشهر: الرئيس دونالد ترامب عاقد العزم على نزع أحشاء صفقة إيران النووية، متجاهلاً الأدلة الكثيرة على أنها تدرأ بنجاح تطوير أسلحة نووية إيرانية.
وفق تقرير لوكالة الأسوشيتدبرس صدر الأسبوع الماضي، يقضي التكتيك الجديد للإدارة باستخدام بند “التفتيش المفاجئ” الذي تنص عليه الصفقة، والذي يسمح للمفتشين بالمطالبة بالوصول لأي مواقع غير معلن عنها في إيران بشكل معقول، والتي يُشك في أنها منخرطة في نشاط خفي لتخصيب اليورانيوم، لغاية جعل إيران تبدو غير ملتزمة بالاتفاق. وتكمن المشكلة في أنه لا يوجد أي دليل واضح على أن إيران تقوم بأي عمل تخصيب أو تطوير غير مشروع. ولذلك، يمكن توقع أن ترفض إيران لأسباب معقولة وصول المفتشين. وعند هذه النقطة تستطيع إدارة ترامب محاولة تصوير إيران زيفاً على أنها تنتهك الصفقة.
وكما غرد ديريل كيمبال، مدير رابطة السيطرة على الأسلحة، على وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر”، فإن “أحكام وبنود الوصول الخاصة بالصفقة النووية الإيرانية مصممة لتعقب وردع أي غش، وليس للسماح باستخدامها كذريعة زائفة لخلخلة الاتفاق”. وببساطة، فإن الإدارة “تسعى لجمع المسوغات لإغراق اتفاق إيران النووي”.
وكما يقول مارك فيتزباتريك، المدير التنفيذي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إذا كان هناك دليل حقيقي على ممارسة نشاط غير مشروع في إيران، فإنه “ثمة ضمان لتقديم طلب للقيام بالتفتيش. لكن غير المضمون هو الطلب المصمم لإيقاع إيران في مصيدة رفض التفتيش”.
كل هذا يتم في سياق ظهور تقارير مزعجة عن مواجهة حدثت في البيت الأبيض في وقت سابق من شهر تموز (يوليو). ويُطلب من الإدارة الإدلاء بشهادتها حول تقيُّد إيران بالصفقة النووية كل تسعين يوماً، وهو ما فعله ترامب مرتين حتى الآن. لكن، في المرة الأخيرة أقنعه بعض الأعضاء الأكثر صقرية في إدارته بأن طهران تتهك قيود الاتفاقية، وهو الأمر الذي يتعارض مع الأدلة التي قدمتها وكالة الطاقة النووية الدولية، والتي أفادت بأن إيران تتقيد بالاتفاقية وبنودها وأحكامها.
كان ترامب متجهاً نحو عدم الإدلاء بشهادته إلى أن أقنعه فريق معارض من مسؤولي البيت الأبيض، بمن فيهم وزير الخارجية ريكس تلرسون ووزير الدفاع جيم ماتيس ومستشار الأمن القومي الأميركي اتش آر مكماستر، بالعدول عن رأيه في اللحظة الأخيرة، وتغيير موقفه والإدلاء بشهادته حول التزام إيران. ولكن، وكما أكد في الأسبوع الماضي، فإن ترامب “مستعد لأن يخرج على رأي مستشاريه بالإدعاء بأن إيران لم تف بشروط الاتفاقية”.
وقال ترامب: “شخصياً، أنا أكن احتراماً كبيراً لجماعتي. ولكن، لو كان الأمر يعود إليّ لكنت قد أعلنت قبل 180 يوماً أنهم غير ملتزمين.. سوف نتحدث عن الموضوع في غضون 90 يوماً وسوف أندهش إذا كانوا ملتزمين”.
ذلك، بالطبع، يعكس وُجهة الكيفية التي ينبغي أن تُصنع من خلالها هذه القرارات؛ أن تنظر أولاً إلى الأدلة، ثم تقرر بشأن الالتزام.
كان ما فهمه تلرسون وماتيس ومكماستر هو أن من شأن رفض قول الحقيقة والشهادة بتقيد إيران أن يعزل الولايات المتحدة دولياً، وأن يجرد واشنطن من أي تأثير على إيران بين الحلفاء الأوروبيين والصين وروسيا. وبالإضافة إلى ذلك، إذا أبطلت الولايات المتحدة الصفقة عن قصد، فسوف تكون إيران حرة من كل القيود المتعلقة بتخصيب اليورانيوم والتخزين وعمليات التفتيش على مدار الساعة كل يوم… إلخ.
لكن الأمر الذي ربما يكون أكثر أهمية، هو أن المرء يتساءل عن ما هي نهاية اللعبة هنا. وإذا نسف ترامب الصفقة النووية، فما هي الخيارات لمواجهة إيران التي سوف تبحثها إدارة تعج بالصقور؟ من المؤكد أنهم قد يأملون في إعادة فرض عقوبات اقتصادية معيقة، أو تبني خط أشد ضد النفوذ الإيراني في العراق وسورية. لكن النهاية المنطقية لهذا الجهد المصمم لنقض التقدم الدبلوماسي ورفع حدة التوترات تكمن في العمل العسكري.
والآن، قد يفكر المرء بأن نوعا من “ريب فان وينكل” الراقد نائماً في أحضان التلال منذ 15 عاماً يستطيع الدفاع جدياً عن حرب أميركية أخرى في الشرق الأوسط. وكان الرئيس الأميركي الأسبق، جورج دبليو بوش، قد شن الحرب على العراق بموجب ادعاءات خاطئة متستندة إلى معلومات استخبارية زائفة عن وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، والتي وُضعت بحيث تناسب قرار سياسة بالذهاب إلى الحرب كان متخذاً أساساً. وكان نفر من المنظرين في البيت الأبيض يتمتعون بثقة مطلقة في فعالية القوة العسكرية الأميركية لتغيير الأنظمة وإعادة خلق الشرق الأوسط حسب تصور أميركا، قد استخدموا ذريعة أسلحة الدمار الشامل لشن الحرب. وقد ذلك كان فشلاً ذريعاً كلف تريليونات الدولارات ومئات الآلاف من الأرواح ويستمر في أن يكون مصدراً لزعزعة الاستقرار في المنطقة اليوم.
لكن المنافحين عن العمل العسكري ضد إيران وتغيير النظام فيها ما يزالون هناك الآن. وهم في مناصب رفيعة. وكان جون بولتون، السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، موجوداً: “المرشح المبكر ليكون وزير خارجية ترامب”، وهو يستمر في القيام بزيارات منتظمة للبيت الأبيض. ويعتقد بعض الداخليين أنه الطعم ليكون بديلاً يختاره ترامب ليحل محل مكماستر الذي يختلف معه ترامب بوتيرة متزايدة. ولطالما دافع بولتون عن العمل العسكري لحل القضية النووية الإيرانية مرة وإلى الأبد.
حتى نكون واضحين، فإن أي ضربة محدودة توجه ضد المنشآت النووية الإيرانية لن تكون محدودة لوقت طويل. أولاً، الضربة المحدودة لا تستطيع تدمير البرنامج النووي الإيراني بكامله، وهو الموزع في كل أنحاء البلد، وفيه عدة مرافق مدفونة تحت الأرض. وحتى من أجل تنفيذ ضربات محدودة، يجب على الولايات المتحدة استهداف الدفاعات الجوية الإيرانية، مما سيثير على الأرجح حملة أوسع بكثير. وبالإضافة إلى ذلك، ليس من المرجح أن ترد إيران بالاستسلام والخنوع، وإنما بضرب القواعد الأميركية في المنطقة، وشن هجمات متوازية ضد الأصول والحلفاء الأميركيين، والسعي صراحة وعلناً إلى امتلاك قدرة الأسلحة النووية بشكل جديد -وهي ردود سوف تولد دعوات من أجل عمل عسكري أكبر في دورة خطيرة من التصعيد.
من حسن الطالع أن لدى إدارة ترامب حالياً معركة صعبة لتدمير الصفقة النووية وإعادة الولايات المتحدة وإيران إلى الطريق المفضية إلى الحرب. أولاً، ثمة مسؤولين حكوميين كبار عدة يعارضون هذا الطريق على ما يبدو. ثانياً، سيواجه البيت الأبيض تثبيطاً كبيراً من الحلفاء الأوروبيين وروسيا والصين وسائر المجموعة الدولية. وثالثاً، إذا كان دفع إدارة أوباما الفاشل في العام 2013 لتوسيع رقعة الحرب في سورية يشكل مؤشراً، فإن الشعب الأميركي لن يتحمل صراعاً رئيسياً مكلفاً آخر.
إن الصفقة النووية الإيرانية تعمل. وإذا تم تمزيقها وذهبت أميركا إلى التخبط مرة أخرى في فشل مأساوي آخر في الشرق الأوسط، فإن ذلك سيكون خطأ واشنطن. فدعونا نأمل بأن يفكر ترامب بشكل أفضل في الموضوع.

جون غلاسير

صحيفة الغد