مثل الكثيرين من أسلافه، يتطلع الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى صنع السلام في الشرق الأوسط. وكان قد قال مؤخراً: “سأود أن أكون الشخص الذي يصنع السلام مع إسرائيل والفلسطينيين”. وأضاف: “لدي أسباب للاعتقاد بأنني أستطيع أن أفعل ذلك”. ومن المؤكد أن جلب السلام إلى “الأراضي المقدسة” ظل يتمتع دائماً بجاذبية كبيرة لدى الرؤساء الأميركيين.
على الرغم من وضعه الصحي المتردي، اختار الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت لقاء الملك السعودي عبد العزيز بن سعود في مصر بعد مؤتمر يالطا، لأنه اعتقد أنه يمكن أن يقنعه بإعطاء “جزء من فلسطين” لليهود “بدون الإضرار بأي شكل من الأشكال بمصالح العرب”. وتحت الاسم الرمزي، “مشروع جاما”، قام دوايت أيزنهاور بتكليف روبرت أندرسون بالعمل سراً مع ديفيد بن غوريون وجمال عبد الناصر لتحقيق السلام -ومني بخيبة أمل شديدة عندما فشل المشروع. وعلى الرغم من معاناته من التهاب الوريد، سافر ريتشارد نيكسون إلى مصر وإسرائيل وسورية في الأيام الأخيرة من رئاسته، معتقداً أنه يمكنه بناء زخم حقيقي للسلام. وبالنسبة لجيمي كارتر، كان صنع السلام بين العرب وإسرائيل موضوع انشغال رئاسته -وسوف يقول في وقت لاحق: “قضية الشرق الأوسط استحوذت على عقلي”. وكانت الخطة الوحيدة التي حملت اسم الرئيس الأربعين للولايات المتحدة، هي “خطة ريغان للسلام في الشرق الأوسط” التي قدمها رونالد ريغان في 1 أيلول (سبتمبر) 1982.
بوصفي مبعوثاً للرئيس بيل كلينتون في الشرق الأوسط، رأيت بنفسي ومباشرة كيف أن السلام العربي-الإسرائيلي كان بمثابة مهمته الأساسية، وهو ما قاده إلى استضافة ياسر عرفات وإيهود باراك في كامب ديفيد في صيف العام 2000، وتقديم معايير كلينتون لتسوية النزاع بعد خمسة أشهر من ذلك. وربما يكون جورج دبليو بوش قد أتى إلى هذا الموضوع وقت متأخر، لكنه استضاف مؤتمر السلام في أنابوليس -وبعده جعل باراك أوباما من صنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أولوية في بداية رئاسته، ثم أعرب عن أسفه في وقت لاحق لفشل وزير خارجيته جون ف. كيري، في التوصل إلى اتفاق سلام بعد جهد مكثف استمر تسعة أشهر وانتهى في ربيع العام 2014.
تاريخياً، كان الرؤساء الأميركيون منجذبين إلى صنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لجملة من الأسباب الموضوعية والذاتية. موضوعياً، اعتقد معظمهم -مخطئين- أن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني كان المصدر لكل الصراع الإقليمي ودافعوا عن حله. وذاتياً، كان هناك شيء أعمق يحدث -افتتان بفكرة أن يكون الرئيس المعني هو الشخص الذي يقوم بإحلال السلام في المنطقة التي هي مهد الحضارة والأديان الثلاثة الكبرى. وقد لفتَ الصراع في “الأراضي المقدسة” دائماً انتباه العالم واجتذب اهتمام الرؤساء الأميركيين. وربما تكون صعوبته في حد ذاتها قد شكلت أيضاً مصدراً للجذب. ومرة أخرى، دعونا نتأمل وصف ترامب لهذا الصراع بأنه “الصفقة النهائية”.
ولكن، هل تستطيع إدارة ترامب أن تنجح حيث فشل الآخرون؟ لقد فاجأ ترامب العالم بانتخابه؛ وإذا كان يريد مفاجأة العالم بعملية سلام إسرائيلية-فلسطينية، فإنه يجب أن يبقي على المبادئ التوجيهية الآتية في عين الاعتبار:
* يجب أن يكون مستعداً للتمسك بالدبلوماسية، حتى لو كان ذلك يعني تحقيق تقدم تدريجي فقط. ففي غياب الدبلوماسية، يقوم العنف بملء الفراغ في كثير من الأحيان، ويعمق فقدان الإيمان بأن الصراع سينتهي في أي وقت قريب. أما طرائق “كل شيء أو لا شيء”، فلن تنتج شيئاً بشكل حتمي.
* الدقيق فيما هو ممكن على حدة، والقصد إلى تحقيق شيء ملموس. والأهم من ذلك، لا يجب إطلاق مبادرات معلنة كبيرة قبل معرفة أنها يمكن أن تنجح. وبالنظر إلى المستوى الحالي من فقدان الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، قد يكون الهدف الأهم هو استعادة الطرفين للشعور بالإمكانية.
* بذلك، ينبغي أن يتم تصميم الجهود الأولية لجعل كل جانب يتصدى لمسألة التخلص من الشكوك في الآخر وإظهار أن التغيير ممكن. وعلى سبيل المثال، يمكن أن يخاطب الإسرائيليون الشكوك الفلسطينية بإعلان أنها لن تكون هناك سيادة إسرائيلية على المناطق الواقعة إلى الشرق من الجدار الأمني، وأن إسرائيل لن تستمر في البناء خارج الكتل الاستيطانية. ويمكن أن تفعل السلطة الفلسطينية ما يعادل ذلك من خلال الاعتراف بأن هناك حركتين وطنيتين، على نحو يتطلب وجود دولتين لشعبين، وإنهاء جهودها لنزع الشرعية عن إسرائيل في كل المحافل الدولية.
* يجب أن لا يكون تركيز صنع السلام على الجهود من أعلى إلى أسفل فحسب، وإنما أيضاً على الجهود من أسفل إلى أعلى. وسيكون تحسين الاقتصاد والبنية التحتية وبناء المؤسسات الفلسطينية في مصلحة الجانبين، ويمكن أن يغير من حالة الاغتراب والنفور العميق لدى الجمهور الفلسطيني. وقد تم فعل القليل جداً في موضوع بناء الدولة الفلسطينية، وهو جانب التحرك من الأسفل إلى الأعلى في دبلوماسية السلام.
* يجب إعادة النظر في مسألة استخدام مقاربة ثنائية بحزم للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. فالفلسطينيون أضعف كثيراً وأكثر انقساماً من أن يكونوا قادرين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وحدهم؛ كما أن الحكومة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي على قناعة بأنهم لن يحصلوا على شيء له قيمة في مقابل تقديم تنازلات للفلسطينيين، ولن يقدموا أياً منها. ولذلك، يجب أن يختبر ترامب، على حدة، ما إذا كان توفير غطاء من الدول العربية ممكناً في المفاوضات. ومن المفارقات أن الجانبين بحاجة إلى العرب -مع حاجة الفلسطينيين إلى غطاء حتى لمجرد التحدث، ناهيك عن التنازل عن أي شيء، ومع اعتقاد الإسرائيليين بأن العرب فقط هم الذين يمكنهم تعويضهم عن التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين.
* ينبغي إدراك أن أخذ المخاطرة من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب ربما يتأثر بما يبدو عليه مدى مصداقية الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات القادمة من إيران من جهة، والإسلاميين السُّنيين من جهة أخرى. ولن يقدم أي طرف على المخاطرة بجعل نفسه مكشوفاً إذا لم يشعر بالأمان والثقة في الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، من المرجح أن يحتاج التوفيق بين الأمن الإسرائيلي والسيادة الفلسطينية إلى استخدام نهج جديد. وربما يكون اضطلاع دولة عربية بمسؤوليات الأمن الفلسطينية، وتفعيل أداء قائم على المعايير لتحديد الجدول الزمني للانسحاب الإسرائيلي، ووضع ترتيبات تسمح بالوجود الإسرائيلي والفلسطيني كل في دولة الآخر بما لا يتعارض مع سيادة كل من الطرفين، ربما تكون هذه مفاتيحاً لإحراز النجاح.
دينيس روس
صحيفة الغد