يقول فرانك كين، كبير مراسلي القسم الاقتصادي في صحيفة “ذا ناشيونال” التي تصدر باللغة الانكليزية في أبوظبي، “شهدنا موجة متواصلة من الأخبار السلبية سنة 2016، ما يجعلنا نعتقد بأنها كانت سنة سيئة تماما”؛ فيما يعتبر علي جوفين، رئيس شركة فاليو بارتنرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن “أحداث العام 2016 مهّدت الطريق نحو عام من عدم اليقين”.
وعلى ضوء ما سجّله العام 2016 من أحداث دامية واضطرابات زادت من حدّتها أزمة أسعار النفط، وصراعات لهيبها يطال عنان سماء 2017، اختارت وكالة بلومبيرغ هذه السنة أيضا أن تعنون توقعاتها السياسية والاقتصادية بـ”دليل المتشائم”، وهو نفس العنوان الذي حملته قراءات 2016. ويعني هذا الاختيار أن التحديات مستمرة.
الصراعات الدولية
ركّزت مجلة “ذي آتلانتيك” الأميركية في قراءاتها لمسار الأحداث من 2016 إلى 2017 على الصراعات الدولية المتوقعة، مشيرة إلى أن الضبابية التي تلف مثلا التساؤل حول، ماذا ستعني رئاسة دونالد ترامب بالنسبة إلى السلوك الروسي في أوروبا الشرقية؟، تشير إلى مسألة أكبر وهي أن “الشيء الأكثر غموضا بالنسبة إلى المصالح الأميركية في العالم في سنة 2017 قد لا يكمن في روسيا أو كوريا الشمالية أو الشرق الأوسط، بل في الولايات المتحدة نفسها”.
وقال ترامب باستمرار إنه سيبتعد بشكل كبير (من ناحية الأسلوب والجوهر) عن عقود من الاتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية. وعلق يوري فريدمان على هذا التصريح بقوله “نحن لا ندري بعد هل سيؤدي ذلك إلى تعزيز أو تقليص الأمن والاستقرار الأميركيين. وما يمكن قوله بثقة أكبر هو أن ترامب سيأتي بالمزيد من عدم القدرة على التنبؤ للشؤون الدولية، وربما في الأثناء يعيد طريقة تنظيم العالم”.
المخاطر المرجّحة بشكل معتدل وذات التأثير الكبير لهذه السنة، تشمل ليس فقط الصراع بين روسيا والناتو، لكن كذلك الهجوم الكبير المنتظر على شبكة الإنترنت الذي يستهدف البنية التحتية الأساسية الأميركية، وهو ما يمثل قلقا بارزا في واشنطن حاليا على إثر تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية. ويتوقع أيضا تتواصل العمليات الإرهابية سواء داخل الولايات المتحدة أو الدول الحليفة. فقد وصف ترامب الإرهاب على أنه تهديد أخطر بكثير مما وصفه باراك أوباما. وتتضمن المخاطر من المستوى الأول أحداثا مرجحة جدا لكن لها تأثير معتدل فقط على الولايات المتحدة مثل تواصل كسب طالبان للقوة وانهيار الحكومة في أفغانستان، واحتدام العنف بين الجيش التركي والمجموعات المسلحة الكردية داخل تركيا وإيران والعراق وسوريا، واشتداد الحرب الأهلية السورية نتيجة تزايد التدخل الأجنبي في الصراع.
ويلاحظ بول ستارس، مدير مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، أن الأثر المتصور للحرب السورية على مصالح الولايات المتحدة قد انخفض هذا العام. وأضاف بأنه لا يدري إن كان ذلك راجعا إلى أن الناس يشعرون بأن الأسوأ انتهى، أو أن مخاوفهم السابقة لم تتحقق، أو أننا في “المرحلة الأخيرة من لعبة الصراع”.
وفي تقييمه لتأثير سياسات ترامب، ذكر ستارس تعهّد الرئيس المنتخب في تجمع احتفاء بفوزه بالانتخابات، بأن يقوي الجيش الأميركي ليس “كعمل عدواني” ضد بلدان أخرى، لكن “كعمل وقائي”. ويرى ستارس أن “ترامب محق في القول إن جيشا قويا يساعد في ردع خصوم محتملين، لكن ذلك شرط ضروري وليس شرطا كافيا للسلام. فإذا كان يعتقد أن القوة العسكرية هي الوصفة الأساسية للسلام، أو الشيء الذي سيخلق الفارق حقا، فهو مخطئ. إن تأمين السلام يعتمد على جهود كثيرة أخرى إذا كان الأميركيون يرغبون حقا في تجنب الصراعات”. وأضاف أن الولايات المتحدة التي تملك الجيش الأقوى في العالم “لم تمنع العراق من غزو الكويت” في سنة 1990، و”لم تردع القاعدة عن مهاجمة” الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. وتابع ستارس “كل إدارة جديدة تختبرها أزمة، والاختبار الأول عادة لا يمر بشكل جيد”.
عام سيقرر مصير أوروبا
أعطى فوز ترامب في الانتخابات الأميركية دفعا جديدا للأحزاب اليمينية التي كانت منتشية بنجاح حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويتوقع أن يتعمق رد الفعل العنيف في أوروبا على طريق الإرهاب الجهادي والهجرة الجماعية من سوريا وأماكن أخرى في العام 2017. وأن تكتسب الحركات الوطنية الشعبوية المزيد من القوة.
وسيشهد العام 2017 العديد من الأحداث الهامة التي ستحدد مصير الوحدة الأوروبية، خصوصا وأن التهديدات التي يتعرض لها الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو باتت أكثر حدة لأنها وصلت إلى عقر دار الأعضاء الرئيسيين في الاتحاد (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا).
فإذا نجح الهيكل الأوروبي في البقاء صامدا في حال غادرت اليونان أو بعد مغادرة بريطانيا، فإنه لن يتمكن من الصمود لو صعد اليمين المؤيد للخروج بالنسبة إلى فرنسا أو إيطاليا وخطى خطوة مماثلة. ويشكك العديد من الفرنسيين والإيطاليين في الاتحاد الأوروبي والأطراف السياسية الرئيسية التي تدعمه. ويعتبر البلدان أرضا خصبة للقوى السياسية التي تحث على محاربة العولمة وعكس عملية التكامل الأوروبي.
تشهد ألمانيا أيضا انتخابات عامة في العام 2017، ولكن يمكن أن يكون التصويت أقل تأثيرا على مصير أوروبا. ويتوجه الألمان إلى صناديق الاقتراع في سبتمبر أو أكتوبر، وعندها سوف تكون حُسمت الكثير من الأمور وتوضّحت معالم أزمة منطقة اليورو مع حسم الانتخابات في كل من فرنسا وإيطاليا؛ والتي ستحسم بدورها الكثير من ملامح الخلاف الأوروبي الروسي، فإذا نجح فيون في الوصول إلى عتبة الانتخابات الرئاسية وفاز، فسيكون هناك تغيير على مستوى العلاقات الفرنسية الروسية، فمعروف عن فيون قربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
تحرك روسي
ستلعب أوروبا المقسمة دورا في تقدم روسيا، من خلال منح موسكو مجالا لتعزيز نفوذها في المنطقة الحدودية لها. ويمكن أن تخفف إدارة ترامب العقوبات المفروضة على موسكو، وتتعاون معها أكثر في سوريا.
لكن يتوقع أن يكون التعاون الروسي الأميركي محدودا، بما أن روسيا تسعى إلى زيادة نفوذها وخاصة في مجال التجارة الإلكترونية وتحديدا في منطقة الشرق الأوسط. وفي المقابل لن تكون الولايات المتحدة سعيدة بذلك، وسوف تسعى إلى احتواء الدب الروسي.
وحذّر ستراتفور من أن “روسيا سوف تواصل لعب دور المفسد وصانع سلام في الشرق الأوسط للمساومة مع الغرب. وستحافظ موسكو على تقاربها مع طهران على خلفية تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، كما ستوسع تواصلها مع الصين التي ستسعى بدورها إلى إقامة علاقات أوثق مع موسكو عبر مشاريع الطاقة والتعاون العسكري والتكنولوجيا الإلكترونية. وسترسخ حضوها كلاعب مهم في منطقة آسيا والمحيط الهادي رغم أن اقتصادها الذي يشهد نموا مطردا على مدى ثلاثة عقود، سوف يبدأ في التراجع.
لا هدوء في الشرق الأوسط
بالغ تقرير وكالة بلومبيرغ في التشاؤم عندما حذر من توجه تنظيم الدولة الإسلامية إلى آسيا الوسطى ونشر عملياته في تجارة المخدرات خارج أفغانستان؛ فيما قال مركز ستراتفور الأميركي إن تنظيم داعش سيشهد تراجعا في قوته، لكنه سيبقى قوة لا يستهان بها، خصوصا وأنه كلما تراجعت قوته ازدادت دمويته.
وحذر من أن “الحملات العسكرية في العراق وسوريا سوف تحط من قدرات التنظيم كقوة عسكرية تقليدية ولكنها لن تفعل شيئا يذكر للحط من قدراته كحركة إرهابية أو قوة متمردة”، مضيفا أن التنظيم يستغل الانقسامات العرقية والطائفية. وسوف يفتح ضعف تنظيم الدولة الإسلامية المجال أمام ازدهار تنظيم القاعدة.
لكن في نفس الوقت، قال ستراتفور إن اهتمام العالم يجب أن يتوجه إلى تنظيم القاعدة الذي تمكن من إعادة بناء قدراته بهدوء، ومن المتوقع أن يكون أكثر نشاطا خلال العام المقبل.
ولن تعرف منطقة الشرق الأوسط الهدوء في ظل التنافس المتصاعد بين إيران وتركيا، لا سيما في شمال سوريا والعراق. وستركز تركيا على زيادة نفوذها واحتواء النزعة الانفصالية الكردية، فيما ستعمل إيران جاهدة للدفاع عن نفوذها.
ولعل أبرز ما سجله العام 2016 هو اشتداد ضراوة حروب “تكسير العظام” الإقليمية التي يرى العديد من المحللين المتابعين للشأن العربي أن قسما لا يستهان به منها قد يُحلّ إذا ما قررت إيران التوقف عن مساعي توسيع دائرة نفوذها باعتبارها قوة إقليمية.
وعلى غرار الأعوام الخمسة السابقة، ظلت القضية السورية الأكثر مأساوية ودموية في العام 2016.
وبينما تشعر المعارضة بخذلان المجتمع الدولي وفشله في حمل روسيا وإيران وحزب الله على وقف دعمهم للرئيس السوري بشار الأسد، فقد اعتبر الأسد أن ما حدث هو نصر يستحق التهنئة وأن “الوضع السوري والإقليمي سيختلف بعد تحرير حلب عما كان عليه قبل تحريرها”، وسيبقى التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة الروسية أمرا بعيد المنال.
ورغم تردي الأوضاع والمحاولات المتكررة من أكثر من جهة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة اليمنية، فإنه لا يبدو، حتى الآن، أن هناك أفقا قريبا لحل نهائي سلمي أو حتى عسكري لإنهائها.
وقد تردت الأوضاع الإنسانية في اليمن إلى حد جعل الأمم المتحدة تصف البلاد بأنها “على شفا المجاعة”. فإلى جانب الصراعات الإقليمية، تجلت عدة خلافات داخل البيت العربي أبرزها ما يتردد عن خلافات بين مصر والسعودية.
لكن، رغم التشاؤم تظل الآمال معلقة بأن يكون العام 2017 أفضل من سابقيه، وهي الآمال التي ربما لها ما يدعمها هذا العام بعد التوصل إلى اتفاق لتجميد مستويات إنتاج النفط، والحديث عن جهود جديدة تقودها روسيا وتركيا لحلحلة الأزمة السورية وما قد يكون لذلك من تبعات على ملفات إقليمية أخرى، ودعوة المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد إلى اجتماع قريب في الأردن يهدف إلى التهدئة والتنسيق.
صحيفة العرب اللندنية