مقدمة
أدى الإسلام السياسي، خلال العقود الماضية، دورًا مهمًا في حوادث منطقة الشرق الأوسط، وازداد تصاعد هذا الدور منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003، ثم خلال “الربيع العربي”، وتمكنت النسخة الإخوانية من الإسلام السياسي من الوصول إلى سدة الحكم في مصر، عبر انتخابات رئاسية. واتّخذ الإسلام السياسي أشكالًا أخرى، كما في ليبيا وسورية، حيث ظهرت في الساحتين قوى إسلامية جهادية، من أبرزها “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، وجبهة النصرة، وغيرهما من الفصائل الإسلامية، من دون أن ننسى بالطبع أن الساحة العراقية شهدت بروز فصائل إسلامية شيعية، أدّت ولا تزال دورًا مهمًا في العراق وسورية معًا.
وإذا كانت الإدارة الأميركية قد شهدت استراتيجيتين مختلفتين في عهدي جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، تجاه قضايا الشرق الأوسط، إلا أن تبدّل الاستراتيجيتين في خطوطهما العريضة لم ينقص من أهمية الإسلام السياسي في الرؤية الاستراتيجية الأميركية، ولا يتعلق الأمر برؤية الولايات المتحدة بالقضاء على التنظيمات الإرهابية، وإنما أيضًا في تعاطيها مع قضايا المنطقة، وخصوصًا في فهمها لعلاقة دول المنطقة مع تنظيمات الإسلام السياسي، وتباين الرؤى والتصنيفات بين كل دولة وأخرى (تركيا، السعودية، إيران، إسرائيل، قطر).
لقد زاد الاهتمام الأميركي بالإسلام السياسي على نحو مطرد منذ حوادث أيلول/ سبتمبر 2001، وتضاعفت حدة النقاشات داخل الولايات المتحدة الأميركية في أوساط عديدة، من مثل مراكز الأبحاث، والجامعات، والإعلام، وهذا الاهتمام يبدو طبيعيًا بعد اتهام “القاعدة” بتنفيذ تفجيري برجي التجارة العالميين، لكن مجريات النقاش وسلسلة الاقتراحات المقدمة إلى صناع القرار تبقى هي المهمة على مستوى استراتيجي، إذ إن تلك الرؤى تسهم في بلورة سياسات الولايات المتحدة تجاه الإسلام بشكل عام، وتجاه قوى الإسلام السياسي بشكل خاص.
وفي ظل ما يشهده العالم من اضطراب في النظام الدولي، وعدم تبلور نظام شبكي (متعدد الأقطاب) لإدارة النظام الدولي، يبقى الدور الأميركي هو الأكثر فاعلية، وما زال يتحكم إلى حدٍ بعيدٍ في مسار الحوادث داخل الشرق الأوسط، ومن هنا فإن مقاربة الرؤية الأميركية، في تعقيداتها، للإسلام السياسي، تبقى أساسية في فهم عموم الاستراتيجية الأميركية لعموم منطقة الشرق الأوسط، وللدول العربية بشكل أكثر خصوصية، حيث أن الواقع الفعلي يشهد بزوغ تجاذب مذهبي في المنطقة، إضافة إلى تعدد الرؤى التي توجه حركات الإسلام السياسي نفسها، وترسم حدود علاقتها مع القضايا الراهنة والمستقبلية، خصوصًا في البلدان التي شهدت تداعيات كبيرة للدولة الوطنية على مستويي الشرعية والمؤسسات.
أولًا: صدمة أيلول/ سبتمبر 2001 ومفهوم الإرهاب الإسلامي
استدعى حدث تفجيري برجي التجارة في نيويورك عام 2001 إعادة النظر في بعض المفاهيم لدى الإدارة الأميركية، ومن تلك المفاهيم: الإرهاب، الإسلام السياسي، الأمن القومي، الحرب الاستباقية، وغيرها من المفاهيم، وذلك بغية إعادة تقييم الحدث في المقام الأول، ومن ثم إيجاد آليات وقائية في المستقبل، خصوصًا أن “الحدث” شكّل صدمة كبرى، ليس فحسب عند الأميركيين، وإنما صدمة دولية، تأسست في جزء كبير منها على قدرة المنفذين على اختراق الأمن القومي لأعظم قوة عسكرية في العالم.
وإذا كانت المراجعة الأميركية ستشمل لاحقًا عديدًا من المستويات، فذلك لاعتبارات كثيرة خلقها “الحدث” نفسه، وأهمها فعل الصدمة، وما دار حول هذا الفعل من جدل فكري، لجهة رؤية أن هذا “الحدث” يمتلك العناصر اللازمة للنظر إليه بوصفه حدثًا تاريخيًا[1]، ومن ثمّ فإن ردّة الفعل الأميركية لن تكون آنية فحسب، ولا يمكن لها أن تكون كذلك، إذ إن منفذي الهجمات ليسوا كيانًا قانونيًا، بل هم “إرهابيون”، ومع ذلك فقد وجدت الولايات المتحدة الذريعة اللازمة لغزو أفغانستان في كانون الأول/ ديسمبر 2001.
إن الصدمة التي شكّلتها حوادث أيلول/ سبتمبر لا تقع في مستوى واحد، وربما يكون المستوى الأخطر من وجهة النظر الأميركية هي فقدان ثقة الأميركيين بدفاعات بلادهم ضد هجمات محتملة، والخوف من تكرار هذه الهجمات مستقبلًا، وما يمكن أن تستدعيه مثل هذه المخاوف من تغيير في منظومة القوانين الداخلية، من أجل تعزيز الوقاية الأمنية، ما يعني فعليًا النيل، بشكلٍ أو بآخر، من منظومة الحريات المدنية.
كما أن صورة الولايات المتحدة نفسها تعرّضت لهزة قوية في العالم، فقد بدت الولايات المتحدة الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي قائدة للنظام الدولي، في ظل وجود صعوبات موضوعية عاشها النظام الدولي من أجل الانتقال من نظام ثنائي القطبية إلى نظام شبكي متعدد الأقطاب.
في هذه السياقات، أصبحت “القاعدة” ممثلة للإرهاب الإسلامي الدولي، وهو ما سيعني في التبعية الأيديولوجية للسياق تحويل الإسلام من دين إلى عقيدة إرهابية، تسعى إلى النيل من العالم المتحضر، متمثلًا بشكلٍ رئيس بالغرب، وفي طليعته الولايات المتحدة الأميركية.
لم تكن الثقافة السياسية الأميركية قبل حوادث أيلول/ سبتمبر خالية من تصورات صدامية يمكن أن تنشأ انطلاقًا من الاختلاف العقائدي/الحضاري بين الغرب وقوى تنتمي إلى ثقافات متباينة، ومنها الثقافة الإسلامية (على الرغم من عمومية المصطلح)، بل على العكس من ذلك، فقد حفلت الساحة الأكاديمية والسياسية الأميركية بسجالات وتنظيرات عديدة حول الحروب المستقبلية، بعد انتهاء عصر الحرب الباردة.
إن التنظير الغربي حول مسألة الإرهاب، والذي استدعي بقوة بعد حوادث أيلول/ سبتمبر، اتخذ منحىً استراتيجيًا في تقييم الحدث، وهو أمر طبيعي، فقد وصف الحدث من قبل الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس بأنه “أول حدث تاريخي عالمي”، فقد شاهده مئات الملايين حول العالم على شاشة التلفاز، وتبعًا لهذه الخصوصية العالمية كان من البديهي إعادة تشريح الدوافع الأيديولوجية الكامنة وراء التخطيط له، خصوصًا مع غياب الدافع السياسي القابل للاستثمار من قبل الجهة المنفذة.
لقد أحيا الحدث من جديد رؤية صامويل هنتنجتون حول صراع الحضارات بعد نهاية الحرب الباردة، وعَدّه العامل الثقافي عاملًا رئيسًا في الصراع بعد سقوط المنظومة الشيوعية “في أواخر الثمانينيات انهار العالم الشيوعي، وأصبح نظام الحرب الباردة في ذمة التاريخ. وفي عالم ما بعد الحرب الباردة لم تعد الفروق المائزة للشعوب أيديولوجية أو سياسية أو اقتصادية، وإنما هي فروق ثقافية. على ذلك تحاول الشعوب والأمم أن تجيب على السؤال المهم: من نحن؟”[2].
وهكذا فإن حوادث أيلول/ سبتمبر كانت نقطة فارقة في التاريخ الأميركي الحديث ورؤيته إلى الإسلام بوصفه ثقافة مضادة للثقافة الغربية عمومًا، وللثقافة الأميركية على وجه الخصوص، لكن لن يكون هذا الاختلاف هو العامل الحاسم في تبلور الرؤية الاستراتيجية الأميركية تجاه الإسلام، وإنما وجود إرهاب إسلامي يمتلك صفة العالمية.
في الفعل وردّات الفعل نشأت مساحة خصبة وضِع فيها الإسلام تحت مجهر كبير، وربما هي المرة الأولى في التاريخ التي تحصل فيها الولايات المتحدة على حالة من الدعم الهائل من جانب الحلفاء الغربيين وغير الغربيين، إذ إنه إضافة إلى الأثر العاطفي في التعاطف مع الضحايا، أثار الحدث نوعًا من التضامن تجاه القيم المشتركة التي تجمع أميركا مع الغرب، ونشوء إحساس مشترك بأن هذا “الإرهاب الإسلامي” لا ينال من أميركا وحدها، وإنما من منظومة القيم الغربية بأكملها.
وسنسجل هنا عددًا من النقاط التي نرى أنها نقاط فارقة، وستلعب دورًا مهمًا في الرؤية الأميركية للإرهاب الإسلامي:
1- إن مصدر الاختلاف الثقافي/العقائدي يجعل من الولايات المتحدة الأميركية هدفًا رئيسيًا للإرهاب الإسلامي.
2- إن الراية الدينية لهذا الإرهاب يمكن أن تضم تحت رايتها أفرادًا ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
3- يمتلك هذا النوع من الإرهاب إمكانيات هائلة للوصول إلى الأهداف التي يحددها.
4- لا يمكن الركون إلى المستوى الأمني الذي كان موجودًا قبل حوادث أيلول/ سبتمبر.
5- القضاء على هذا النوع من الإرهاب يحتاج إلى حلفاء يؤمنون بمنظومة القيم الغربية، أو تتقاطع مصالحهم معها.
إن التهديد الذي مثّله تنظيم “القاعدة” للولايات المتحدة هو مجرد مثال عما يمكن أن يمثله التهديد الإرهابي الإسلامي، وإذا كان الانشغال الرئيس بعد أيلول/ سبتمبر 2001 سينصب من الناحية العملية على مواجهة “القاعدة” إلا أن العقل الاستراتيجي الأميركي شُغِل فعليًا بالخلفيات التي يشكلها هذا الحدث التاريخي، ووضع تصورات وبرامج للمواجهة تتعدى تنظيم “القاعدة”، وتتجاوز مجرد ملاحقة من ينتمون إلى هذا التنظيم، وهو ما ستؤكده لاحقًا جملة الدراسات الاستراتيجية التي أنتجتها مراكز بحثية أميركية قريبة من دوائر صناعة القرار في واشنطن.
لقد بدأت الولايات المتحدة الأميركية القرن الحادي والعشرين بمواجهة مفتوحة مع الإسلام الإرهابي، وسيكون انطلاقًا من هذه المواجهة على الولايات المتحدة أن تحدث تغيّرات كثيرة في فهمها لمصادر تهديد أمنها القومي، وليس غزو أميركا للعراق وأفغانستان سوى أحد الأمثلة على تلك المواجهة، لكن هذا الجهد الأميركي المباشر في الانخراط المباشر في “الحرب على الإرهاب” ليس سوى نتيجة من نتائج ردة الفعل الأميركية على حوادث أيلول/ سبتمبر، وستؤكد الحوادث لاحقًا أن هذا الجهد الحربي لم يكن سوى أحد السيناريوهات التي وضعت أمام إدارة جورج دبليو بوش، لكنه ليس السيناريو الوحيد، بل لنقل إنه السيناريو الأكثر إفصاحًا عن تحول فكرة الإرهاب إلى فكرة مركزية في عقل صانع السياسات الأميركية، وهذا لا يعني بالطبع، ولا بأي شكلٍ من الأشكال، أن الولايات المتحدة الأميركية قد تعاطت مع هذا الإرهاب على أنه مصدرٌ لتهديد أمنها القومي فحسب، أو بوصفه هجومًا وتحديًا لمنظومة القيم الغربية، بل أيضًا بوصفه فرصة يمكن البناء عليها لتحقيق جملة من المصالح الاستراتيجية.
ثانيًا: الأمن القومي الأميركي ومواجهة الإرهاب الإسلامي
إن السؤال الرئيس الذي واجه المؤسسات الأمنية الأميركية بعد أيلول/ سبتمبر 2001 هو: متى يكون الهجوم المقبل على الولايات المتحدة الأميركية؟
أما الجهة التي يمكن أن تقوم بذلك الهجوم المقبل “الافتراضي” فهي منظمات إسلامية إرهابية، ومن ثمّ فإن الأمن القومي الأميركي وضع في أولوياته أن ثمة هجومًا مقبلًا غير محدد المكان والزمان، ومن المفترض أن تكون الولايات المتحدة قادرة على الحد من احتمالات ذلك الهجوم.[3]
إن موقع الولايات المتحدة الريادي في المنظومة الدولية يجعلها، على الدوام، هدفًا لخرق خارجي، لكن الجديد بعد أيلول/ سبتمبر هو أن مصدر هذا الخرق لم يعد دولًا بعينها، كما في أيام الحرب الباردة، بل منظمات إسلامية أممية، يمكن أن توجد وتعمل انطلاقًا من أماكن غير متوقعة، وربما من داخل أميركا نفسها، وهو الأمر الذي كان وراء الإجراءات العديدة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية، وفي مقدّمها إنشاء وزارة شؤون الأمن الداخلي، وتعدّ هذه الوزارة في منزلة وزارة دفاع ثانية.
ومن الناحية القانونية، عززت الولايات المتحدة من قوانينها في مواجهة الإرهاب، حيث أصدر المشرّع الأميركي، في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2001، أي بعد أقل من شهر من حوادث أيلول/ سبتمبر، قانونًا جديدًا تحت اسم “patriot” وهذا القانون ليس أول قانون أميركي يسن ضد الإرهاب، بل يعود أول قانون إلى عام 1948، لكن القانون الجديد أتى تحت شعار “توحيد وتقوية الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإرهاب”، وأتاح للمؤسسات الأمنية سلطات واسعة تخولها الاعتقال والرقابة على الأجهزة التنفيذية، ومنع المحاكم من الرقابة، والتنصت على الاتصالات، والرقابة على البريد الإلكتروني، وحق الاطلاع على السجلات الطبية والمالية والتجارية والتعليمية، وأجاز للسلطات الأمنية حق الخروج عن مبدأ الإجراءات القانونية الاعتيادية لاعتقال الأفراد لمدة غير محددة من دون توجيه أي اتهام لهم بارتكاب جرائم.
لقد أوضحت الإجراءات الجديدة في مجال الأمن أن الرؤية الأميركية تفترض وجود حرب طويلة ضد الإرهاب، وهو المصطلح الذي استخدمه الجنرال الأميركي جون أبي زيد في عام 2004، ووضعه وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عنوانًا لكلمة ألقاها أمام نادي الصحافة الأميركي في العام 2006، كما قال الرئيس الأميركي جورج بوش في خطابه عن حالة الاتحاد في 2006: “إن جيلنا يعيش حربًا طويلة ضد عدو محدّد عاقد العزم”.
إن مفهوم الحرب الطويلة في سياق إطلاقه وما نتج عنه من خطوات عملية هو مفهوم ملازم لمفهوم “الحرب على الإرهاب الإسلامي” الذي حلّ فعليًا مكان مفاهيم أخرى، سادت في فترات ماضية، مثل “الخطر الشيوعي”، و”إمبراطورية الشر”، فالصراع الأميركي الجديد مع الإرهاب الإسلامي من خلال غزو أفغانستان هو صراع مع تنظيمات، وسيستمر منذ ذلك الوقت هذا الصراع، وسيتطور من خلال أدوات وأشكال أخرى[4].
وفعليًا، راح الإنفاق المالي للولايات المتحدة الأميركية في مواجهة الإرهاب الإسلامي يأخذ منحىً تصاعديًا، وذلك من خلال ما يسمى “دول الخطوط الأمامية”، من مثل باكستان، وأفغانستان، واليمن، وتركيا، والأردن، ولبنان، وإندونيسيا، وغيرها من الدول، وذلك عبر ما يسمى “خطط التنمية”، وقد ارتفعت تكلفة دعم هذه الدول من 10 بلايين دولار أميركي في عام 2000 إلى 28 بليون في عام 2005، وفي تشرين الأول/أكتوبر، خصّص الرئيس أوباما مبلغ 7.5 بليون دولار لباكستان. (ص17).
يُعدّ النظام الأمني الأميركي من أعقد النظم الأمنية في العالم، هذا إن لم يكن هو الأعقد على الإطلاق، وراح هذا النظام يزداد تعقيدًا وغموضًا من خلال الحرب على الإرهاب، فقد شهدت السنوات التي تلت حوادث أيلول/ سبتمبر 2011 إنشاء العشرات من الهيئات الأمنية الجديدة، ففي عام 2002، تم إنشاء 37 هيئة أمنية إضافية من أجل “التقصي عن أسلحة الدمار الشامل، وجمع المعلومات السرية المتعلقة بالإرهاب”، وفي عام 2003 تم إنشاء 36 هيئة إضافية، و26 هيئة في 2004، و31 هيئة في عام 2005، وفي الأعوام 2007 و2008 و2009 أنشئت على التوالي 31، و32، و20، هيئة جديدة[5].
ليس هناك كثير من التفاصيل والمعلومات حول هذه الهيئات التي تعمل على ملف الإرهاب، وقد نشرت في الواشنطن بوست في 2010 سلسلة من المقالات حول هذه الهيئات، وقد رأت الصحيفة أن هذا النظام الأمني أصبح على درجة عالية من السرية، وما من أحد يعرف تكلفته المالية، أو عدد الناس الذين يوظفهم.
لكن هذه المؤشرات والمعطيات حول تعدد الهيئات التي انشغلت بملف الإرهاب تشير فعليًا إلى عدد كبير من المخاوف التي اعترت النظام الأمني الأميركي، والأهم من ذلك هو أن هذا التوسع في عدد الهيئات الأمنية يؤكد على أن مفهوم “الحرب على الإرهاب” أصبح مفهومًا حاكمًا في السياق الأمني الأميركي، ولم يعد ملفًا من الدرجة الثانية، وأن العمل عليه سيطال مستويات عديدة مرتبطة بفكرة الأمن.
لقد نشأت بيئة جديدة في النظر إلى العالم الإسلامي، ويمتلك مفهوم الإرهاب، في تلك البيئة، موقعًا مركزيًا في النظر إلى العالم الإسلامي، وإلى الإسلام كدين، وإلى الإرهاب الإسلامي بصفة أساسية. وسوف تشهد مراكز الأبحاث والجامعات في داخل أميركا وخارجها طفرة هائلة في التوجه لدراسة القضايا المتصلة بالإسلام، وبالإرهاب، وسيتم افتتاح برامج وصفوف جديدة في الجامعات والمعاهد الغربية لدراسة الإرهاب، كما ستزداد أعداد طلاب الدراسات العليا، والمرشحين لنيل درجة الدكتوراه الذين يتخصصون في هذا المجال، وقد شجّع التمويل الهائل من قبل الحكومة الأميركية والحكومات الغربية مثل هذا الميل، خصوصًا التمويل الذي يقدمه مجمع الأمن القومي الأميركي لعدد من المراكز البحثية.
إن الأرضية التي تقوم عليها التوجهات الأميركية في دعم الأبحاث حول الإرهاب تعكس جزءًا مهمًا من التوجهات الاستراتيجية للمواجهة الأميركية مع الإرهاب الإسلامي، حيث نشأ ميل متزايد لفهم الإسلام بشكلٍ عام، ولأسباب نشوء التطرف الإسلامي بشكلٍ خاص، ولجمع قدر كبير من المعلومات حول المنظمات الإسلامية حول العالم، ورصد نشاط دعوي وجهادي، وتحليل الخطاب الديني، بغية الوصول إلى تصورات نظرية وعملية في مكافحة التهديدات المحتملة للمصالح الأميركية والغربية حول العالم.
فعليًا، وضعت الولايات المتحدة الأميركية إمكاناتها على أكثر من جبهة في سياق حربها على الإرهاب، وأصبحت إدارة العمليات ضد الإرهابيين المنظمين في “القاعدة” وسواها من التنظيمات المتطرفة تمتد على مساحات واسعة، وطوّرت أساليبها في تدمير خلايا إرهابية، أو ملاحقة زعماء وأفراد تلك التنظيمات في عديدٍ من البلدان، واستخدمت الطائرات من دون طيار، وفي عام 2010 فقط أطلقت أميركا أكثر من 100 صاروخ من طائرات من دون طيار في باكستان لوحدها، وهو عدد يفوق ما أطلقته في أفغانستان، وهي البلد الذي يعد مسرحًا للمواجهة مع “القاعدة”[6].
وفي الرؤية الأمنية التي تقف وراء هذا النوع من العمليات هناك ميل إلى عدم إنزال قوات أميركية مباشرة في الدول التي تعمل فيها منظمات إرهابية، وهي الرؤية التي تبنتها إدارة الرئيس باراك أوباما، وعلى الرغم من القضاء على بن لادن، فقد استمرّت عملية إطلاق الصواريخ من طائرات من دون طيار في باكستان، مع وجود قناعة كبيرة لدى الإدارة الأميركية بنجاح كبير في هذا الاتجاه لمكافحة “القاعدة” و”طالبان”، في باكستان، أو “تنظيم القاعدة” في اليمن.
لقد واجهت إدارتا جورج دبليو بوش وباراك أوباما معضلة مكافحة التنظيمات الإسلامية في الدول الهشة، وفضلت الإدارتان اتخاذ خطوات لدعم السلطات القائمة، ومساعدتها من الجو، وتقديم خدمات استشارية أمنية، وكل ذلك، تفاديًا لخوض أعمال قتالية مباشرة، خصوصًا مع الصعوبات التي واجهت الأميركيين في أفغانستان والعراق.
وإذا كانت هذه الرؤية في بعض أوجهها مكلفة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية من الناحية المادية، وربما عديمة الجدوى أحيانًا، إلا أنها ستبقى مستمرة، بوصفها خطًا رئيسيًا في مواجهة قوى إسلامية إرهابية، وهو ما سيتضح أكثر بعد “الربيع العربي”، حيث أبقت الولايات المتحدة قضية الإرهاب أولوية في الميدانين العراقي والسوري، وأنشأت تحالفًا واسعًا للحرب على “داعش”، لكن مع التحفظ على عدم خوض أي انخراط مباشر لجنودها للقضاء على “داعش”، أو “جبهة النصرة”، أو سواهما من التنظيمات الإرهابية.
وإذا ما راجعنا عددًا من التصريحات الأميركية بخصوص “داعش” فإننا سنجد أنها افترضت خوض حرب طويلة ضد التنظيم، وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التي وجهت للإدارة الأميركية بهذا الخصوص، إلا أن مفهوم الحرب الطويلة نفسه كان قد تأسس فعليًا، وكما ذكرنا، بعد حوادث أيلول/ سبتمبر 2001، ويعكس فهمًا أميركيًا محددًا للإرهاب الإسلامي، يقوم على أن هذا الإرهاب لن ينتهي خلال سنوات، بل وربما خلال عقود، وتدعم هذه الرؤية أعداد كبيرة من الأبحاث، والهيئات الأمنية الأميركية.
ويمكن لنا أن نجمل عددًا من العناصر الحاكمة للرؤية الاستراتيجية الأميركية تجاه الحرب على الإرهاب الإسلامي:
- إن هذه الحرب هي حرب طويلة، وقد تمتد إلى عقود من الزمن.
- المساحة الجغرافية للحرب على الإرهاب الإسلامي تمتد على مساحات جغرافية هائلة.
- المواجهة المباشرة هي أسوأ الطرق لمواجهة الإرهاب الإسلامي.
- لا يمكن اعتماد آليات واحدة لمحاربة الإرهاب الإسلامي.
- لا بدّ من التعاون مع بعض الدول، حتى لو كانت هذه الدول فاشلة، أو لا تتمتع بشرعية دولية أو وطنية كافية.
ثالثًا: إعادة تقييم الإسلام السياسي
فرضت حوادث أيلول/ سبتمبر على صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية إعادة تقييم اتجاهات الإسلام السياسي، خصوصًا أن الولايات المتحدة الأميركية نفسها عَرفت نشاطات مهمة لمنظمات إسلامية في داخلها مرتبطة بهذا القدر أو ذاك بجماعات إسلامية، من أبرزها جماعة الإخوان المسلمين، الذين يساهموا في عام 1963 في إنشاء “رابطة الشباب المسلمين” في حرم جامعة أوريانا شامبين من جامعة إلينوي[7].
ومنذ ذلك التاريخ، نشأت مؤسسات إسلامية كثيرة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وهناك أكثر من 600 مؤسسة إسلامية مسجلة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الكليات والجامعات، وتوجد حالة من الهيمنة لاتجاهات إسلامية سياسية على تلك المؤسسات، والتي تعدُّ مكانًا خصبًا للعمل الإسلامي داخل الولايات المتحدة، من حيث نشر الأفكار، والدعوة، وجمع التبرعات، ومناقشة قضايا أميركية محلية، أو تخص العالمين العربي والإسلامي.
لقد بذلت الولايات المتحدة جلّ جهدها البحثي، خلال الحرب الباردة، في دراسة ومتابعة الاختراقات الناجمة عن الاتحاد السوفياتي، وارتباط منظمات مختلفة به، أو بالدول التي تدور في فلكه، وذلك في إطار المواجهة المتعددة مع الاتحاد السوفياتي، ومحاولة ضبط سلوكه في داخل الولايات المتحدة أو خارجها، ومحاولة ضبط الأنشطة التي يساندها ضد مصالح أميركية حول العالم.
كان الاتحاد السوفياتي عدوًا أمميًا، يمتلك عددًا كبيرًا من الأسلحة النووية المدمرة، ومنظومة أيديولوجية يخترق من خلالها المجتمعات، ويؤلب الشعوب على أميركا، بكل ما تمثله من سياسات ومصالح وثقافة. وربما لم يكن متوقعًا، خلال تلك الفترة، نشوء أيديولوجيا أممية أخرى مناهضة للولايات المتحدة الأميركية، لكن حوادث أيلول/ سبتمبر 2001 أظهرت وجود أيديولوجيا أممية إسلامية مناهضة للولايات المتحدة، بل وقادرة على القيام باختراقات كبيرة داخل الأراضي الأميركية، وتهديد السلم الأميركي، وإيقاع أعداد كبيرة من الضحايا، والسخرية من المنظومة الأمنية لأقوى دولة في العالم.
لقد أظهرت ردة الفعل الأولية لإدارة بوش تجاه أفغانستان أنها اختارت بشكلٍ كلي ونهائي مبدأ القوة الصلبة “hard power”، وأنها تنظر إلى الإسلام السياسي على أنه إسلام جهادي، انطلاقًا من رؤية تقوم على وضع مبدأ واحد للتعامل مع القوى الإسلامية، لكن لا يمكن تجاهل أن ردة الفعل هذه كانت لها أسباب سياسية تتجاوز مسألة القضاء على الإرهاب الإسلامي في أفغانستان، بل إن فرصة غزو أفغانستان هي بحد ذاتها كانت واحدة من الخطوات الأميركية للتأكيد على تفردها في قيادة النظام الدولي.
بالطبع، لقد عززت استراتيجية بوش في عامي 2003 و2006[8] هذا التوجه في تصنيف الحركات الإسلامية على أنها إرهابية من دون التمييز بين طبيعتها المحلية، أو بنيتها الاجتماعية والاقتصادية، وقد تضمنت استراتيجيتا بوش أربع نقاط رئيسية:
- هزيمة الإرهابيين وتفتيت منظماتهم.
- عدم توفير الدعم والملاذات الآمنة للإرهابين.
- تعزيز الجهد الدولي لمواجهة الإرهاب، وتقوية الدول الضعيفة والهشة في حربها ضده.
- حماية المصالح والمواطنين الأميركيين.
لقد فرضت الحرب الأميركية على الإرهاب منطقًا أحاديًا في التعامل مع الإسلام السياسي، لكن تلك الحرب أتاحت في الوقت ذاته الفرصة للعديد من المراكز البحثية، والمحللين الاستراتيجيين، للقيام بأبحاث لتفكيك ظاهرة الإسلام السياسي، ومحاولة التقاط التباينات الموجودة بين قواه، وتقديم تفسيرات فكرية لظاهرة التطرف الإسلامي، وذلك في سبيل رسم خارطة أكثر وضوحًا عن القوى الإسلامية، وقد ساعد على هذا التوجه الشعور بأن المعركة المباشرة مع القوى الإسلامية المتطرفة ليست حربًا سهلة، خصوصًا أن الفكر الجهادي هو فكر متنقل، ولا يمكن حصره في بقعة جغرافية محددة.
ومن بين المراكز البحثية المهمة قدمت مؤسسة راند[9] في تقريرٍ لها في عام 2004 مجموعة من الاقتراحات للإدارة الأميركية، وذلك بناءً على دراسة مطولة (500 صفحة، وكان واضحًا من التقرير أنه أخذ في الحسبان عددًا من المسائل التي تميز كل تيار إسلامي عن التيارات الأخرى، كما حاول التقرير أن يشرح الأسباب التي تقف خلف التطرف الإسلامي، وأن يوضح لصانع القرار جملة المشكلات التي تعتري علاقة الإسلاميين بمنظومات الحكم، ووجود قوى سياسية معتدلة ذات أجندات وطنية.
إن جزءًا من أسباب السعي الأميركي نحو سيناريوهات أخرى في التعامل مع الإسلام السياسي، ومحاولة عزل الإسلام المتطرف، والجهادي، تقع ضمن حقل معرفة صناع القرار الأميركيين بأن المجتمع الأميركي، ودافعي الضرائب، لا يمكن أن يتحملوا خوض القوات الأميركية لحروب مفتوحة زمنيًا، ومن غير المرجح لها أن تنتهي بالضربة القاضية، فثمة منابع عديدة غير المباشرة تغذي الإرهاب، ولا يمكن تجفيفها، ومنها الدول التي تستثمر في الإسلام السياسي، أو تلك الدول التي يمتلك فيها الدين، ورجال الشريعة، مكانة كبيرة، بل وحصانة من قبل السلطات الحاكمة.
وبناءً عليه، فإن المواجهة الطويلة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين الإرهاب الإسلامي تفرض عليها وضع سلة من الحلول التي تنتمي إلى عالم العلاقات السياسية، وحقل التنمية، بغية تأهيل الإسلام المعتدل كي يكون قادرًا على تقديم نموذج جاذب لمجتمعاته، وخصوصًا الأجيال الشابة، وقد اقترح في هذا المجال أن يتم توفير منصات للمعتدلين الإسلاميين، ليكونوا بديلًا عن الحركات المتطرفة.
وقد تضمنت ورقة راند 2004 أهم تلك النصائح، ويمكن تكثيفها وإيجازها بالآتي:
- دعم جماعات المجتمع المدني المسلمة، وتحفيزها للدعوة إلى الاعتدال والحداثة.
- إشراك الإسلاميين في العملية السياسية في بلدانهم.
- تعزيز علاقات الإسلاميين مع جيوش بلدانهم.
- تأمين فرص استفادة الإسلاميين من برامج وتقنيات المعلومات.
- إصلاح المدارس الإسلامية، بحكم أن الكثير من المدارس تقدّم تعليميًا راديكاليًا.
- خلق الفرص الاقتصادية في الدول الإسلامية، وخصوصًا لجيل الشباب.
من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية راحت تبتعد عن وضع الإسلام السياسي كله في خانة واحدة، هي خانة التطرف الإسلامي، كما أن علاقاتها الجيدة مع الإخوان المسلمين أتاحت للكثير من المراكز البحثية أن تناقش الإسلام السياسي من منظور مختلف، يصب في مصلحة تمكين الإسلام المعتدل من المشاركة في العملية السياسية، بعيدًا من التعقيدات التي تتضمنها مثل هذه العملية، وجملة التباينات بين بلد وآخر، خصوصًا في البلدان العربية.
وفي ولاية أوباما الأولى، بدأت تباشير تأثير رؤية مختلفة للإدارة الأميركية نحو الإسلام السياسي، والتي ستنتهي مع تعقيدات جديدة، فرضتها تطورات “الربيع العربي”، وظهور قوى إرهابية جديدة على مسرح الدول التي طالتها الثورات، والتي ستبدو أكثر وضوحًا مع ظهور “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، والذي ستتم مبايعته من قبل تنظيمات إسلامية في دول عربية وغير عربية.
رابعًا: الرؤية الأميركية للإسلام السياسي بعد “الربيع العربي”
لم يكن موقف الولايات المتحدة واحدًا تجاه ثورات الربيع العربي، ويكفي النظر إلى تدخلها في ليبيا لمصلحة إسقاط نظام القذافي وامتناعها عن التدخل الحاسم في الموضوع السوري لمعرفة حالة التباين الحاد في الموقفين، بينما شجعت وصول الإخوان المسلمين في مصر، وأبدت اهتمامًا قليلًا بما يخص اليمن، وفي خضم مواقفها المتباينة يلعب الموقف من الإسلاميين دورًا حاسمًا، مستندة في ذلك إلى خبراتها السابقة التي راكمتها بعد حوادث أيلول/ سبتمبر 2001.
وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تمانع وجود دور بارز للقوى المسلحة الشيعية في العراق قبل خروجها منه أو بعده، ولم ترَ إلى تلك المليشيات على أنها تمثل إرهابًا إسلاميًا، وهو الأمر الذي لا بدّ من النظر إليه بشكلٍ جدي في تحليل الموقف الأميركي، إذ إن التوافق الأميركي-الإيراني في العراق لعب دورًا مهمًا في التمهيد لانسحاب القوات الأميركية من العراق، على الرغم من معرفة الأميركان بأنه لا يمكن الاعتماد على الجيش العراقي في إحلال السلم الأهلي، وأن إيران ستميل إلى استخدام الميليشيات الطائفية كرديف وبديل للجيش العراقي في ضبط الأمن في العراق، ولبسط نفوذها فيه.
تدرك الولايات المتحدة أن الإخوان المسلمين سيستفيدون من “الربيع العربي”، بوصفهم القوة السياسية الأكثر تنظيمًا، خصوصًا مع غياب قوى مدنية وسياسية منظمة بشكل جيد، أو تمتلك امتدادات جماهيرية وازنة، ولكنها تعرف في المقابل أنهم لن يتمكنوا لوحدهم من قيادة المرحلة المقبلة، وقد أفسحت المجال لدول إقليمية أن تساعد الإخوان في مهماتهم الجديدة، وتحديدًا تركيا، بما تمثله من أنموذج ناجح لدى الشعوب الإسلامية، إضافة إلى وجود حزب العدالة والتنمية في سدة الحكم، وعلاقاته مع القيادات الإخوانية.
وقد استندت الرؤية الأميركية هنا على موقف مفاده أن نجاح الإخوان المسلمين في الحكم سيسحب البساط من القوى الأكثر تطرفًا، وسيضع الإخوان المسلمين في تجربة الحكم، حيث ستكون أمامهم مهمات لها علاقة بالواقع الاجتماعي-الاقتصادي، في بلدان تعاني من مشكلات مزمنة، ما يعني أنهم سيتعاونون مع الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وسيضطرون أن يكونوا أكثر انفتاحًا تجاه القوى الأخرى، وأقل تشنجًا من الناحية الأيديولوجية.
وبعيدًا عما واجهه الموقف الأميركي من تعقيدات إقليمية، فإن أميركا سعت إلى إدخال الإسلام السياسي في معترك السياسة اليومية، والابتعاد شيئًا فشيئًا عن الشعارات الكبرى المناهضة لأميركا والغرب، وجعل الإخوان المسلمين يقومون بعملية ضبط القوى الجهادية، ما يعني تحويل الصراع بين الإسلام الجهادي وأميركا إلى صراع إسلامي-إسلامي، وهو ما سيقلل الأعباء المباشرة عن كاهل الولايات المتحدة، ويخفف من نسبة التهديدات الأمنية المحتملة ضد أهداف أميركية، ومن ثمّ تحويل سكة المواجهة.
وراقبت الولايات المتحدة الأميركية نشوء القوة الأكثر زخمًا بعد “القاعدة”، وهي “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وقد تمّ تصنيف التنظيم من قبل مجلس الأمن تحت لائحة الإرهاب، في القرار رقم 2170، كما أنشأت تحالفًا عسكريًا لضرب أهداف للتنظيم، مع معرفتها الأكيدة بأن تلك الضربات الجوية لا تستطيع هزم التنظيم وإنهائه، ما يعني أن مهمة دحر التنظيم ستكون ملقاة على عاتق قوى محلية في العراق وسورية.
لقد أعلن “داعش” نيته إقامة خلافة إسلامية في العراق والشام، وعدم اعترافه بالحدود بين البلدين، وانتهج سلوكًا تكفيريًا ضد القوى المقاتلة الأخرى ما يعني أن مهمات هذا التنظيم هي إيجاد مساحة جغرافية متصلة بين العراق وسورية ليقيم عليها خلافته. وتمكن عبر أيديولوجيته المتطرفة وسلاحه الإعلامي من استقطاب مقاتلين محليين، إضافة إلى أعداد كبيرة من المقاتلين العرب والأجانب[10]، وما هو مهم بالنسبة إلى الأميركان أن معارك التنظيم الأساسية باتت محددة جغرافيًا، وأن قتاله بات معركة مشتركة بين قوى عديدة، ومنها قوى متناقضة في الأهداف والمصالح.
إن الشكل المتوحش الذي طرحه تنظيم “داعش” جعل من فكرة التطرف الإسلامي فكرة بلا هدف سياسي، وعبثية في الوقت نفسه، فإذا كانت أهداف “القاعدة” سابقًا مصممة للنيل من أميركا والقوى الغربية الداعمة للأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط، ما جعل جزءًا من الجمهور الإسلامي يتعاطف مع “القاعدة”، نظرًا لما كانت تمثله الولايات المتحدة لدى الكثيرين من أبناء المجتمعات المسلمة، بوصفها عدوة لتلك المجتمعات، فإن “داعش” وضع المجتمعات المسلمة، وليس فقط الإسلام السياسي، في حالة من الذهول أمام ما يمكن أن تعنيه حالة تطبيق “الشريعة”، ولم يعد النقاش يدور حول صواب أسلوب “القاعدة” في محاربة الغرب، بل عن صوابية “الشريعة” وممثليها في إنشاء الدول، وإدارة الشأن العام في البلدان المسلمة.
إن سلوك الإدارة الأميركية العملي في الملفين العراقي والسوري يؤشر إلى مفاصل الرؤية الأميركية الجديدة في التعامل مع الإرهاب الإسلامي، حيث أنها لا تهتم فعليًا بمآل الدولتين على المستوى السياسي المباشر، بل إن تحولهما إلى ساحتين للتطرف، ومرتعًا للقوى الجهادية، من شأنه أن يستنزف “الفكرة الجهادية”، وأن يجعل من “الجهاد” أمرًا قابلًا لإعادة النظر فيه من قبل المسلمين أنفسهم، وجعلهم يتذوقون من ويلاته كما تذوقت أميركا في أيلول/ سبتمبر 2001، وجعل الدول الإقليمية الداعمة له في موقع ضعيف، ودفعها إلى سن قوانين محلية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وملاحقة الممولين من الدول العربية والإسلامية.
وإذا كان صحيحًا أن عدم إيجاد حلول سياسية في العراق وسورية قد أوقد نار الصراع المذهبي السني-الشيعي، فإن هذا الصراع في نهاية المطاف هو صراع بين مسلمين، وهو يسهم في أمرين معًا:
- إن هذا الصراع من شأنه أن يجعل الصراع في هذا القرن بين قوى إسلامية، بدلًا من أن تكون أميركا والغرب هما هدفا الصراع.
- إن القوى المتطرفة سيتم استنزافها في صراعات مع محيطها المحلي والإقليمي، وهو ما سيدفع إلى نشوء قوى أكثر اعتدالًا.
وفي هذا السياق للحرب التي تفترضها الولايات المتحدة بين القوى المتطرفة وقوى محلية، يمكن دفع القوى الإسلامية إلى حقل السياسة الواقعية، أي القبول بقواعد السياسة، وما يترتب عليها من تغيّرات تطال الأفكار والبنى التنظيمية، وإعادة بناء الأهداف انطلاقًا من الأهداف المحلية، وليس عبر خلق أهداف عالمية، كما في أفكار وخطط تنظيم “القاعدة”.
لا يعني هذا بالطبع أن الإدارة الأميركية تعتقد أن اعتمادها على رؤية وسلوك جديدين سينهيان أي مخاطر محتملة ضد أهداف ومصالح أميركية وغربية، لكنها تسعى في إطار تحويل أهداف الجهاديين أنفسهم إلى الحد بشكل كبير من مخاطر عمليات إرهابية تطالها في الداخل، أو تطال مصالحها في الخارج، وجعل أي عمليات ممكنة مجرد عمليات فردية (عمليات الذئاب المنعزلة)، وهي في العادة لا توقع ضحايا كثر، ولا تهدد مصالح حيوية.
وسياسيًا، فإن موقف الإدارة الأميركية من الإرهاب الإسلامي ليس موقفًا أحاديًا، بل إنه يطال الدول التي تعاني أزمات بنيوية، مثل أزمة الشرعية، أو التي يقوم عقدها الاجتماعي على تحالفٍ بين السلطات الحاكمة ورجال الدين، حيث أن الأوضاع الجديدة التي نشأت بعد “الربيع العربي”، وظهور “داعش”، وغيرها من التنظيمات الإسلامية الجهادية، جعل الولايات المتحدة قادرة على إحداث ضغط أكبر على تلك الدول، من أجل إحداث تحولات في داخلها، بحكم أنها مسؤولة أيضًا عن نشوء التطرف الإسلامي، من حيث البيئة والقوانين، والنفوذ الكبير الذي تمتلكه المؤسسات الدينية.
خامسًا: الرؤية الأميركية المستقبلية
بذلت الإدارة الأميركية خلال عقد ونصف تقريبًا جهدًا كبيرًا في محاربة الإرهاب الإسلامي، وجعلته في مقدمة أولوياتها الاستراتيجية على مستوى الأمن القومي، واحتاجت من أجل ذلك أن تخوض حروبًا ما وراء البحار، من أجل القضاء على تنظيم “القاعدة”، وتمكنت من قتل زعيمه أسامة بن لادن في باكستان، وهو ما اعتبرته نصرًا مهمًا على التنظيم، وأمرًا ضروريًا لإنهاء التنظيم، والتأكيد على صدقيتها، وقدرتها، في الآن نفسه.
لكن، ما واجه أميركا فعليًا ليس فقط أن تنظيمًا إرهابيًا يحاول النيل منها، ومن هيبتها، بل فكرًا يمتلك صفة أممية، يمكن أن يتحول إلى أنموذج لكثير من التنظيمات التي قد تسعى إلى القيام بعمليات مماثلة، تحت راية الإسلام، تنطلق من بلدان تعاني من أزمات سياسية، واقتصادية، ومشكلات طائفية، في ظل وجود حكومات لا تحظى بالشرعية السياسية الكافية، أو أنها تمتلك بيئات تعدها الولايات المتحدة مولّدة للتطرف، وتساعد على تفريخ الإرهابيين.
وخلال القرن الماضي، وفي ظل ظروف الحرب الباردة، ساهمت الولايات المتحدة في بقاء أنظمة عديدة، بغض النظر عن طبيعتها، في سياق المواجهة ضد “الخطر الشيوعي”، وبكونها دولًا وظيفية، تساهم في الحد من نمو منظمات يسارية، أو قومية، مناهضة للمصالح الأميركية، في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يضر بالمصالح الأميركية في مجال الطاقة بشكلٍ رئيس.
لكن الحرب الباردة انتهت، و”الخطر الشيوعي” لم يعد موجودًا، والدول الاشتراكية السابقة انضم عديد منها إلى الاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي، وبعضها الآخر يحاول أن يلبي متطلبات ذلك الدخول إلى أوروبا الموحدة، على الرغم من كل مشكلاتها. كما أن الصراع على الطاقة عرف تحولات كثيرة، أهمها اكتشاف النفط الصخري، ووجود فوائض في المعروض من النفط، ما جعل الولايات المتحدة تعيد حساباتها تجاه الشرق الأوسط، والعلاقة مع حكوماته، وقد سعت إدارة أوباما، خصوصًا في ولايته الثانية، إلى الانكفاء التدريجي عن المنطقة، لمصلحة استراتيجية أهم، وهي احتواء الصين الصاعدة، وهو ما يعني بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية إعادة حساباتها تجاه الكثير من القضايا.
من هذا المنطلق، وبناءً عليه، فإن الولايات المتحدة الأميركية ترى أن المشكل الرئيس للإسلام السياسي لا يجب أن يكون معها، وإنما مع المجتمعات التي ينشأ فيها، وأن معالجة هذا الأمر لا يجب أن تتم عبر مزيد من الدعم للدول التي تعاني مشكلات مع الإسلام السياسي، بل برفع الغطاء السياسي عنها، وجعلها تواجه مشكلاتها بقواها الذاتية، وعدم منحها الفرصة للهروب من معالجة أزماتها الداخلية، وبالمعنى الدقيق للكلمة وضع تلك الدول أمام مجرى التحولات الداخلية، مهما كان الأمر مكلفًا، لكن على ألا تكون الولايات المتحدة هي من تدفع الثمن الأكبر للفاتورة.
إن الاستدارة الكبرى التي قامت بها أميركا تجاه المنطقة، وتجاه الإرهاب الإسلامي، أدارها باراك أوباما، ويمكن القول إن سمتها الرئيسة هي سحب ذريعة المواجهة من جانب الإسلاميين في حربهم ضد الولايات المتحدة، وهذا المبدأ ذاته كان أحد الدوافع المهمة وراء الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، وإنهاء فكرة “الشيطان الأكبر”، ورفع الغطاء السياسي عن القيادات في طهران، والمتمثل بمحاربة أميركا والغرب، وهو ما تتوقع واشنطن أن يكون مؤثرًا في بنية النظام الإيراني، وبداية لحدوث تحولات ناجمة عن التناقضات في الساحة الداخلية.
وتتوقع الولايات المتحدة الأميركية أن تدوم الحروب التي تشترك فيها قوى جهادية في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما تضمنته تصريحات مسؤولين أميركيين على مستوى كبير، وفي مقدّمهم باراك أوباما، لكن الرؤية المستقبلية للولايات المتحدة الأميركية تعدُّ هذا الأمر جزءًا من التحولات التي يجب أن تشهدها المنطقة، خصوصًا أن الدول الوطنية التي نشأت بعد الاستقلال لم تتمكن من احتواء الإسلاميين، وخاضت معهم معارك مسلحة، وزجّت بهم في السجون، ومنعتهم من التعبير عن أنفسهم، أو السماح لهم بالمشاركة السياسية.
كما ترى الولايات المتحدة أن بعض الدول في الشرق الأوسط تحاول حبس التاريخ، ومنع أي تحول مجتمعي، وتستثمر في الدين، وأن هذا التوجه لا بدّ من أن يجد نهايته، لكن ليس عبر السماح لجهاديي هذه الدول بالتوجه إلى قتال أميركا والغرب، بل بجعل هذه الدول تدخل في معمعة التحوّل الداخلي، والالتفات إلى الأزمات الاقتصادية، ومسألة التفاوت الطبقي، والعلاقة مع المرأة، ومجمل القضايا المتعلقة بالحريات، والمشاركة في الحكم.
لا تنطلق الرؤية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجاه الإسلام السياسي، من منظور السعي الأميركي لدمقرطة دول المنطقة، أو حرصًا على مستقبل الشعوب، إذ إنه من غير المؤكد أن تفضي التحولات الراهنة والمستقبلية، في المدى المنظور، إلى نتائج إيجابية لمصلحة شعوب المنطقة، بل إن هذا التوجه الأميركي يكشف عن رؤية مختلفة للمصالح الأميركية نفسها، وتراجع أهمية التحالفات القديمة، والاقتناع أن فتح المجال أمام صراعات المنطقة سيريح الولايات المتحدة إلى أمد بعيد من الجهاد الأممي الإسلامي.
إن الرؤية التي حكمت الاستراتيجية الأميركية خلال عهد أوباما، والتي ستستمر، عبر ما حققته من نتائج، إلى أمد بعيد، تقوم على ثلاث نقاط:
- ضرورة مشاركة القوى الإسلامية المعتدلة في الحكم داخل الشرق الأوسط.
- لا يمكن محاربة التطرف الإسلامي إلا من داخل المجتمعات المسلمة نفسها.
- نزع القداسة عن فكرة “الجهاد” لدى المجتمعات المسلمة.
بالطبع، لا يمكن في اللحظة الراهنة تقييم مجمل ما حققته هذه الاستراتيجية من نتائج، أو ما يمكن أن تنطوي عليه من مخاطر غير محسوبة على مستقبل الأمن القومي الأميركي، لكنها خلاصة تجربة عرفت الكثير من السجال والنقاش داخل أروقة صنع القرار في أميركا، وشهدت موجة من النقد الحاد، خصوصًا فيما يتعلق بنقد إدارة أوباما بأنه أضرّ بسمعة وهيبة الولايات المتحدة في ترك الساحتين العراقية والسورية من دون تدخل مباشر، ما سمح للقوى الإرهابية بارتكاب فظائع كبيرة، كما سمح للنظامين العراقي والسوري بارتكاب جرائم باسم مكافحة الإرهاب.
لكن، ما هو مؤكد أن هذه الرؤية قد حرمت القوى الجهادية من تكبيد الجنود الأميركيين خسائر في الأرواح، كما حدث سابقًا في أفغانستان، كما أن الفظاعات التي ارتكبت باسم الجهاد غيّرت الكثير في الرأي العام الإسلامي تجاه فكرة “الجهاد”، فالضحايا الذين ينال منهم لم يعودوا أشخاصًا غربيين وأميركيين يعيشون على بعد آلاف الأميال، وإنما أبناء مجتمعاتهم، واحيانًا من دينهم ومذهبهم.
الخلاصة
تعطي الرؤية الاستراتيجية للأمن القومي الأميركي الإسلام السياسي مكانة أساسية، من حيث أنه يمتلك أيديولوجيا أممية، تتجاوز الطابع المحلي للمشكلات في المجتمعات المسلمة، أو التي تسودها أغلبية مسلمة، وتجد أن الانتقال من الإسلام المعتدل إلى الإسلام الجهادي في تلك المجتمعات ممكن، بحسب شدّة المشكلات السياسية، خصوصًا عندما يحرم الإسلام السياسي من المشاركة في العملية السياسية.
وقد عرفت تلك الرؤية الاستراتيجية للأمن القومي الأميركي تحولًا أساسيًا في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما، حيث أعادت إدارته تقييم العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، وما تكبده الجيش الأميركي من خسائر، نتيجة انخراطه المباشر ضد “إرهابيين”، ووجدت إدارة أوباما أن سلوك إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في قتال “القاعدة”، والمنظمات الجهادية في ما وراء البحار، لا يعطي النتائج المرجوة منه، ومن شأن استمرار هذا النهج أن يؤدي إلى تفاقم النقمة لدى الإسلام الجهادي، ومحاولتهم إلحاق خسائر جسيمة بالمصالح الأميركية، وهو ما حاولت إدارة أوباما تجنبه، عبر استبعاد أي احتمال للانخراط في القتال المباشر ضد التنظيمات الإرهابية، وهو ما حدّد سلوكها في مواجهة “داعش”، مكتفية بالضربات الجوية، تاركة مهمة المواجهة المباشرة لقوى أخرى، تنبثق من المجتمعات المحلية نفسها، ولها مصلحة سياسية ومجتمعية في قتال الجهاديين.
لقد تطلب هذا التحوّل الأميركي عملًا في مسارات متوازية، فقد كثفت الولايات المتحدة من دعمها للمراكز البحثية العاملة في مجال الإسلام السياسي، في محاولة منها لرسم خارطة أوضح لتاريخ هذا الفكر، والقضايا التي ينشغل بها، وآليات عمل تنظيماته، والفروق الفكرية والتنظيمية فيما بينها، إضافة إلى استمرار الولايات المتحدة في تحصين الأمن القومي الداخلي، ومتابعة نشوء الشبكات الإرهابية، وتجفيف المنابع المالية، وملاحقة الممولين، ورصد صلاتهم بحكومات وأجهزة استخبارات بعض الدول.
وفي المنحى الاستراتيجي السياسي، شهدت ولاية أوباما بداية انفكاك عن الأنظمة التقليدية في الشرق الأوسط، حيث ترى أميركا أن رفع غطاء الشرعية الأميركية عن هذه النظم، من شأنه أن يضعها في سياق تاريخي جديد، بحيث تواجه مشكلاتها الداخلية الحقيقية، وخصوصًا قضايا شرعية الحكم، والعقد الاجتماعي، والتعددية السياسية، وغيرها من القضايا.
تبتغي السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط وضع النظم التقليدية أمام وضع جديد، بحيث يكون الشرق الأوسط هو ساحة الصراع بين القوى الإسلامية، ما يجعل مكانة أميركا في هذا الصراع تتراجع بشكل كبير، ولا يعود الهدف الأول إلى هجمات التنظيمات المتطرفة، كما أن انخراط لاعبين إقليميين جدد سيخلق أعداء آخرين للمتطرفين، لكن هذا الأمر في جميع الأحوال سيريح أميركا على المدى البعيد.
ومن غير المتوقع أن تغيّر أي إدارة جديدة في أميركا الخط العام للرؤية الاستراتيجية الأميركية للإسلام السياسي، وذلك بالنظر إلى النجاحات التي حققتها هذه الرؤية من الناحية العملية، فقد انحصرت مجمل النتائج الكارثية لصعود القوى المتطرفة الجهادية بعد “الربيع العربي” في منطقة الشرق الأوسط، بحيث دفعت المنطقة الكثير من استقرارها، والكثير من الضحايا، وهما أمران لا يشكلان هاجسًا في الحسابات البراغماتية الأميركية، طالما أنها بقيت في منأى عن هجمات الإرهابيين.
[1] -جيوفانا بورادوري، الفلسفة في زمن الإرهاب، ترجمة خلدون النبواني، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص 148 [2] – صامويل هنتنجتون، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، دار سطور للنشر والترجمة، الطبعة الثانية، 1999، ص 39. [3]– Mary L. Dudziak The Future as a Concept in National Security Law, 42 Pepp. L. Rev. 591 (2014) Available at: http://digitalcommons.pepperdine.edu/plr/vol42/iss3/6 [4] – فواز جرجس، القاعدة-الصمود والأفول، ترجمة محمد شيّا، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012، ص16. [5]– Washington post,20/7/2010:” Top-secret America: the secret next door” (part3). [6] – Adam entous,”special report: how the White house learned to love the Drone” Reuters, 18 May 2010. [7] – انظر: منظمة”إيسنا” ذراع الإخوان القوي داخل الإدارة الأميركية، متوفر على موقع بوابة الحركات الإسلامية، على الرابط: http://www.islamist-movements.com/2446 [8] – انظر: عمرو عبد العاطي، قراءة في تقرير أميركا والإسلام السياسي: تحول من العسكرة إلى الاندماج والتحالف، شبكة الجزيرة، كانون الثاني/ يناير 2011.
9- تأسست “راند” في عام 1948، وتقدم أبحاثها بشكل مباشر للقوات المسلحة الأميركية، وهي واحدة من المؤسسات المعتمدة في صناعة القرار الأميركي، في ما يتصل بالقضايا الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي.
10- بلغ عدد المقاتلين الأجانب في صفوف “داعش”، حوالي 31 ألف مقاتل، وذلك بحسب دراسة أعدتها مجموعة “صوفان”، ونشرتها في كانون الأول/ ديسمبر 2015. وتعد مجموعة “صوفان”، واحدة من المؤسسات البحثية المتخصصة في مجالات الأمن، ودراسة الإرهاب.