وعلى الرغم من نفي مسؤولين عراقيين تواصلت معهم “العربي الجديد” صحة تقارير إخبارية تحدثت الأسبوع الماضي عن وصول 4 آلاف جندي إلى قاعدة غربي العراق الشهر الماضي، إلا أن هذا لا ينفي استمرار عملية تبديل تلك القوات أو الإضافة عليها بشكل تدريجي. وبلغ عدد القوات أكثر من 10 آلاف عسكري يتوزعون على قواعد ومعسكرات عدة غرب البلاد وشماله ووسطه ترافقهم ترسانة عسكرية من الأسلحة الثقيلة والطائرات القتالية والمروحية.
وبحسب أرقام مسربة منتصف عام 2015، كان عدد القوات الأميركية يتراوح ما بين 5 آلاف إلى 5 آلاف وسبعمائة عنصر، ما يعني زيادة بنحو الضعف حتى مطلع عام 2016 الحالي. وغالباً ما تكون تلك القوات آتية من تركيا والكويت عبر القواعد الأميركية هناك. وتدخل الأجواء العراقية بشكل مباشر نحو القواعد الموجودة في غرب وشمال البلاد من دون المرور بمطار بغداد الدولي.
وينظر “التحالف الوطني” الحاكم الذي يتولى رئاسة حكومات العراق المتوالية منذ غزو البلاد عام 2003، إلى الوجود الأميركي بقلق كبير، لا سيما الجناح اليميني أو المعروف بجناح رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، الموالي لإيران. لكن كتلاً سياسية أخرى ترحب بالوجود الأميركي وتعتبره فرصة للحد من النفوذ الإيراني في البلاد مثل القوى السنية والكردية والمسيحية والتيار المدني المستقل.
ويقول مسؤولون عراقيون في الحكومة إن القوات الأميركية موجودة حالياً في ثمانية مواقع مختلفة أبرزها: الأنبار، كبرى محافظات العراق. وتنتشر القوات داخل قاعدتي عين الأسد، القريبة من الحدود مع الأردن، وقاعدة الحبانية، غربي الفلوجة، وفي معسكر متوسط الحجم قرب مطار بغداد الدولي، ومعسكر جنوب شرق تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين المحلية، إضافة إلى معسكرين في نينوى وآخر في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، وموقع صغير قرب الحدود العراقية السورية، غرب الموصل.
ويكشف مسؤول عراقي بارز، تحفظ عن ذكر اسمه، في حديث لـ”العربي الجديد”، عما وصفه “توسع تدريجي غير معلن للقوات الأميركية في العراق”. ويبيّن أن “تلك القوات زادت بنحو الضعف منذ نحو عام وبضعة أشهر عن الآن”، مؤكداً أن “رئيس الوزراء العراقي يعلم ذلك لكنه لا يعرف بالتحديد عددهم الحقيقي الآن إلا ما يقوله الأميركيون له، وهو مضطر للموافقة، لأن أي تخفيف أميركي للمعركة في الموصل أو أعالي الفرات يعني مزيداً من الخسائر البشرية للجيش العراقي الذي يتحرك بشكل جيد وبخسائر أقل بفضل الدعم الأميركي”، وفق المسؤول العراقي. ويلفت إلى أن بغداد لا تزال تخضع لرقابة جوية أميركية على أطرافها لرصد أي تهديدات محتملة من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وحول الرقم الأدق للوجود الإجمالي الأميركي في العراق، يؤكد أنهم “أكثر بقليل من 10 آلاف عسكري بمختلف تسمياتهم ومصنفاتهم العسكرية”
وأعلنت واشنطن في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مصرع جندي أميركي وجرح آخر بمعارك قرب الموصل، وفقاً لبيان أصدرته وزارة الدفاع الأميركية.
وترجح مصادر في بغداد أن واشنطن ستزيد من القوات الأميركية في العراق بعد تسلم الرئيس الجديد المنتخب، دونالد ترامب، ولا سيما أن أغلب فريقه الجديد يؤيد التدخل العسكري المباشر في العراق ولهم تصريحات عدائية تجاه إيران ودورها في العراق.
في المقابل، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، شاخوان عبد الله، إن القوات الأميركية تساند بشكل مباشر وغير مباشر القوات العراقية في استعادة الموصل من سيطرة تنظيم “داعش”، على الرغم من اعتراض كتل سياسية وبعض القيادات الأمنية على ذلك، تحت حجة أن القوات العراقية لديها الإمكانية والخبرة في طرد مسلحي التنظيم كما فعلت في محافظتي صلاح الدين والأنبار. ويشير إلى أن “الحكومة العراقية رحبت بالدعم والإسناد المقدم من القوات الأميركية عبر مشاركتها بشكل جزئي في معارك التحرير من جهة وعبر تقديم المشورة العسكرية والتدريب وتجهيز القوات العراقية من جهة أخرى”، لافتاً إلى أن “عددهم الدقيق غير معروف”.
وعلى الرغم من أن واشنطن اعترفت بوجود القوات في بغداد ضمن القوات المشتركة المنتشرة داخل المنطقة الخضراء المحصنة وسط العاصمة بغداد، وفي محافظتي صلاح الدين والموصل، إلا أن الإدارة الأميركية رفضت بشكل رسمي الاعتراف بمشاركتها في القتال ضد “تنظيم الدولة”، معلنةً أن دورها يقتصر فقط على تقديم المشورة. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد أعلن سحب قوات بلاده من العراق، وبالتالي فإنه من الصعب عليه أن يعترف بإعادته لها، وهو ما جعل الجانب الأميركي حذراً ومتخوّفاً من الإعلان عن وجود هذه القوات على الأرض.
في هذا السياق، يجدد “التيار الصدري” موقفه الثابت برفض أي شكل من أشكال الوجود الأميركي في العراق. ويقول النائب عن كتلة “الأحرار”، رياض غالي، لـ”العربي الجديد” إن “موقف التيار الصدري بشأن وضع القوات الأميركية ثابت ويرفض وجود أي جندي أميركي وتحت أية صفة لأنه يمس السيادة الوطنية” وفقاً لقوله. ويبيّن أنه “يعد من المؤثرات السلبية على الوضع الأمني”، محذراً في الوقت نفسه من مشاركة القوات الأميركية في عمليات تحرير الموصل لأن لدى قيادة مليشيات الحشد الشعبي تحفظات على هذه المشاركة التي ستؤدي إلى فقدان معركة تحرير الموصل طابعها العراقي. ويؤكد أن كتلته دعت جميع الكتل السياسية إلى تبني موقف موحد من رفض الوجود الأميركي، خصوصاً أن نهاية “داعش” باتت قريبة ولا حاجة لقوات أجنبية، بحسب تعبيره.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت في شهر سبتمبر/أيلول الماضي عن إرسال 600 جندي إلى العراق لتعزيز مهام التدريب وتقديم المشورة والإرشاد للقوات العراقية في حربها ضد تنظيم “داعش”.
ويبدو واضحاً أنه لا يوجد إجماع سياسي عراقي حول الوجود الأميركي. ويرى “التحالف الكردستاني” أن واشنطن لن تزيد مناطق وجودها العسكري الحالية بقواعد خاصة بها في محافظة الأنبار والعاصمة بغداد ومحافظة نينوى وإقليم كردستان، إلا أنها ستزيد من عدد الجنود في تلك القواعد، فضلاً عن نشر منظومات رقابة ورصد جوي وتشارك بمهام إعادة إغلاق الحدود البرية بين العراق وسورية، بحسب مصادر رسمية في هذا التحالف. وتقول النائبة عن “التحالف الكردستاني”، نجيبة نجيب، لـ”العربي الجديد” إن “الأطراف السياسية، الكردية والسنية، وكتلاً مسيحية وتركمانية، وأخرى تمثل التيار المدني في العراق، رحبت بهذا الوجود العسكري الأميركي واعتبرته أفضل الحلول لوقف الهيمنة الإيرانية على العراق وتوسعها الأخير من خلال استغلالها ورقة تنظيم داعش”. وتشير إلى أن “الأجندة الأميركية تصرح بوجوب إعادة السكان إلى المدن التي نزحوا منها خلال المعارك مع تنظيم داعش وإزالة آثار المعارك والمساعدة في بناء قوات محلية من الشرطة والاستخبارات في تلك المدن”، بحسب قولها.
في المحصلة، يمكن القول إن عدم الاعتراض الرسمي والجاد من قبل الحكومة العراقية والفريق الحاكم على التصرف الأميركي الحالي، يعكس قبولاً ضمنياً لحرية الحركة العسكرية للقوات الأميركية في العراق، تحت ذريعة أن ذلك يستجيب لمتطلبات المعركة ضد تنظيم “داعش”. لكن إلى أي مدى يمكن التغاضي عن استمرار الوجود الأميركي إلى أجل غير محدد؟