في 15 كانون الثاني/يناير، من المتوقع أن يجتمع ممثلون من حوالي سبعين دولة ومنظمة دولية في باريس للمؤتمر الثاني من مؤتمرين دوليين تم تنظيمهما تحت مظلة “مبادرة السلام في الشرق الأوسط” التي اقترحتها فرنسا. ومن غير المرجح أن يرقى الاجتماع إلى مستوى آمال الفلسطينيين المبالغ فيها أو مخاوف إسرائيل المضخّمة، ولكنه مع ذلك يمكن أن يحقق نتائج مفيدة بشكل متواضع.
تهدئة المبادرة
انطلقت المبادرة الفرنسية في كانون الثاني/يناير 2016 من قبل وزير الخارجية آنذاك لوران فابيوس من أجل “الحفاظ … على حل الدولتين”. وبينما افتقر الاقتراح في البداية إلى تفاصيل موضوعية، إلا أنه توقّع عقد مؤتمرين دوليين. وأشار فابيوس أيضاً إلى أنه إذا فشلت هذه الجهود، ستعترف باريس بدولة فلسطينية. وعلى الرغم من تراجع فرنسا اللاحق عن هذا الموقف، وإطلاقها عدد كبير من التصريحات التي خفضت هذه التوقعات، إلا أن اللهجة الأولية التي استعملها فابيوس حددت ردود فعل الطرفين.
لقد دعم الفلسطينيون المبادرة بحماس، حيث عززت مساعيهم نحو تدويل النزاع. كما أصبحت سمة أساسية من جهودهم الدبلوماسية وتصريحاتهم العامة، حيث وصفها كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية أمثال صائب عريقات في آذار/مارس الماضي بأنها “الشيء الوحيد في المدينة (على الطاولة)”. إلا أن إسرائيل رفضتها بشدة خوفاً من أن يؤثر مثل هذا التدويل على المفاوضات المباشرة. وفي مؤتمر صحفي مشترك عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس في أيار/مايو، صرح نتنياهو أن “السلام لا يتحقق في المؤتمرات الدولية على غرار تلك التي [تنظمها] الأمم المتحدة، ولا من خلال الإملاءات الدولية”. وعوضاً عن ذلك، عرض عقْد اجتماع مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من أجل إجراء محادثات مباشرة. ومن جانبها، بدأت فرنسا بالتخفيف من الأهداف السامية الأولية التي أعرب عنها فابيوس، وتحديد أهداف أكثر تواضعاً لمبادرتها تتمثل بإعادة تركيز الاهتمام على حل الدولتين، وخلق حوافز لكلا الجانبين من أجل العودة إلى مائدة المفاوضات.
وقد كانت هذه الأهداف أساس أعمال المؤتمر الدولي الأول الذي عقد في باريس في 3 حزيران/يونيو 2016. وقد حضر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ذلك الاجتماع، إلى جانب وزراء خارجية من أوروبا ودول عربية رئيسية (مثل المملكة العربية السعودية ومصر والأردن)، ومن بلدان أخرى، ولكن الفلسطينيين والإسرائيليين لم يشاركوا فيه. ومن خلال الحفاظ على لغة هادئة، عمل البيان الذي صدر في أعقاب المؤتمر على “إعادة التأكيد على أن حل الدولتين عن طريق التفاوض هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم”، وأشار إلى القرارات الدولية ذات الصلة، بتأكيده على “مبادرة السلام العربية” من عام 2002. وعكس أيضاً لغة كانت “اللجنة الرباعية الدولية” (أي الأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا) قد أيدتها من قبل، وأعرب عن مخاوفه من أن “الإجراءات التي تتخذ على على أرض الواقع، ولا سيما استمرار أعمال العنف والنشاط الاستيطاني المستمر، تعرّض احتمالات التوصل إلى حل الدولتين إلى الخطر”.
وقد تعلّق الجانب العملي الوحيد للبيان بـ “توفير حوافز مُجدية للطرفين من أجل تحقيق السلام”. وأقام المؤتمر أيضاً ثلاث مجموعات عمل: واحدة حول المجتمع المدني، برئاسة السويد. وأخرى حول الحوكمة الفلسطينية وبناء القدرات، برئاسة ألمانيا؛ وثالثة حول [توفير] حوافز اقتصادية لتشجيع العودة الى عملية السلام، برئاسة النرويج والاتحاد الأوروبي.
اجتماع الخامس عشر من كانون الثاني/يناير
يُعقد المؤتمر الثاني في باريس يوم الأحد 15 كانون الثاني/يناير، وبينما لا يشارك الطرفان رسمياً في هذا الاجتماع، إلا أن الرئيس عباس سيكون في المدينة في ذلك اليوم. وقد سعى المسؤولون الفرنسيون مجدداً إلى تخفيف التوقعات، وأشاروا إلى أنهم لن يعرضوا أفكاراً جديدة بل “سيحاولوا الحفاظ على بقاء الموضوع مدرجاً على جدول الأعمال وعدم تركه جانباً لأن هناك أزمات أخرى في العالم”. وبالمثل، في 12 كانون الثاني/يناير قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأنه “واقعي حول ما يمكن أن يحققه هذا المؤتمر. ولن يتم التوصل إلى السلام إلّا من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين ولا أحد سواهما”.
ومن المرجح أن يشمل البيان الختامي للمؤتمر كلمات مشابهة لتلك التي وردت في ختام المؤتمر الأول في في 3 حزيران/يونيو من خلال تكرار القرارات الدولية، وحثْ الجانبين على التأكيد بالقول والفعل على التزامهما بحل الدولتين. وكان القرار 2334 الذي تمت الموافقة عليه مؤخراً في مجلس الأمن الدولي، والذي دعا الدول “إلى التمييز، في معاملاتهم ذات الصلة، بين أرض دولة إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967” إحدى التطورات الملحوظة التي برزت منذ الصيف الماضي. وليس هناك شك في أن مدى تضمين هذا الجانب من القرار وغيره من الجوانب في البيان الختامي سوف تكون محل نقاش حاد. وبينما سيحضر وزير الخارجية الأمريكي كيري هذا الاجتماع، إلا أن المبادئ التي أوجزها في خطابه في 288 كانون الأول/ديسمبر لن تُدرج في البيان [الختامي].
وفي نهاية هذا الأسبوع، من المرجح أن يدور الكثير من النقاش العام حول القضايا المتعلقة بقرار مجلس الأمن رقم 2334 وجوانب مشابهة من الدبلوماسية ذات المستوى الرفيع. وقد أعرب الجانبان بالفعل عن موقفهما من القرار، وبالتالي فمن غير المحتمل أن يؤثر المؤتمر على موقفهما أو سلوكهما.
وفي المقابل، سوف تحصل الأفكار العملية والحوافز التي وضعتها مجموعات العمل الثلاث على اهتمام أقل من الجمهور العام، ولكنها قد توفر فرصاً للتقدم الفعلي. وفي الآونة الأخيرة، سمح التعاون الأمني الفلسطيني – الإسرائيلي تحقيق مكاسب متواضعة ولكن ملموسة على الأرض، مثل زيادة انتقال الفلسطينيين في الضفة الغربية وتسهيل تحويل الأموال المحجوزة من قبل إسرائيل للتخفيف من أزمة الميزانية التي تواجهها السلطة الفلسطينية. إن تحفيز المزيد من هذه التدابير وصياغة تدابير أخرى جديدة على نفس النسق سيكون لها تأثير إيجابي على حياة الفلسطينيين والإسرائيليين ومواقفهم. كما أن تسليط الضوء على أهمية مشاركة المجتمع المدني ووضع سياسات لدعم مثل هذه الأنشطة يساعد أيضاً على مواجهة الاتجاهات السلبية الأخيرة، مثل الحركة المناهضة للتطبيع القائمة بين الفلسطينيين ونزع الشرعية عن المنظمات غير الحكومية ذات التوجهات السلمية في إسرائيل. وأخيراً، إن لفت الانتباه إلى قضايا الحوكمة والقدرة الفلسطينية يمكن أن يساعد في تجدد الاهتمام الدولي في الإصلاح وبناء المؤسسات، وبالتالي في تحسين وجهة النظر السلبية للفلسطينيين تجاه هياكل الحكم الخاصة بهم وخلق أسس متينة للدولة عندما يتم التوصل إلى اتفاق سلام.
الخاتمة
من المحتمل أن يؤدي اجتماع باريس إلى خيبة أمل بالنسبة لأشد المتحمسين والمنتقدين له على السواء. فكما يقول المسؤولون الفرنسيون باستمرار، لا يُقصد من مبادرتهم أن تكون تحوّلية، إلا أنها تهدف إلى الحفاظ على حل الدولتين، وخلق الحوافز التي تقرّب الطرفين من المفاوضات المباشرة.
وسوف تعترض إسرائيل على نتائج المؤتمر من حيث المبدأ، لأنها تعارض فكرة التدويل. كما سترفض أي انتقاد معيّن لسياساتها، وخاصة حول المستوطنات. إلا أنه لن يتم تمرير [القرار] الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لإسرائيل وهو – أن المؤتمر سيسعى لفرض حل [على الجانبين].
ومن المحتمل أن يحتفل الفلسطينيون من [واقع عقد] الاجتماع ويصفوه كانتصار، على الرغم من أن النتائج الفعلية سوف تقل إلى حد كبير عن التوقعات العالية التي بنوها. وسيعود المسؤولون في السلطة الفلسطينية إلى وطنهم وإلى جمهور متشائم للغاية دون أن يحققوا إنجازاً يُذكر لما وُصف بأنه ركيزة أساسية للدبلوماسية الفلسطينية خلال العام الماضي.
بيد، بمجرد أن تهدأ الأمور وبعد أن يكون الجميع قد أوضحوا مواقفهم الدبلوماسية، يحسن الطرفان والمجتمع الدولي صنعاً إذا ألقوا نظرة جيدة على التوصيات الأكثر تواضعاً ولكن الواقعية التي قد يتم تجاهلها من قبل عناوين الصحف ووسائل الإعلام، ولكن لديها القدرة على خلق تأثيرات إيجابية على أرض الواقع. وبينما لا تُجرى مفاوضات في الوقت الحالي، بإمكان إدارة ترامب المقبلة أن تشارك على الفور في بعض التدابير العملية التي يقترحها مؤتمر باريس. وقد لا تؤدي هذه الخطوات إلى إحلال السلام، لكن بإمكانها أن تساعد على تحقيق قدر من الاستقرار وخلق ظروف أكثر ملاءمة لاستئناف عملية صنع السلام في النهاية.
غيث العمري
معهد واشنطن