زادت تركيا من ضغوطها على واشنطن في الأسابيع الأخيرة، بينما كان الرئيس المنتخب دونالد ترامب يستعد لأداء القسم الدستوري لتولي المنصب، من خلال شجب إدارة الرئيس المنصرف أوباما علناً، وإرسال الإشارات للإدارة الجديدة حول شروط أنقرة لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
تتوقع أنقرة بوضوح أن تضع إدارة ترامب العلاقات التي تتدهور بسرعة بين البلدين على مسار أكثر نعومة. وقد تشجعت أنقرة بملاحظات أدلى بها كل من ريكس تيلرسن وجيمس ماتين – وهما خيارا ترامب لمنصبي وزير الخارجية ووزير الدفاع على التوالي- خلال جلسات استماع في الكونغرس؛ حيث أكد الرجلان الحاجة إلى علاقات أفضل مع تركيا.
تبدو المشكلة أن توقعات تركيا تقوم فقط على وفاء واشنطن بمطالبها، تاركة القليل من المساحة، إن وجدت، لمفاوضات أو تسوية معقولة. وتقول أنقرة من الناحية الفعلية أن ثمة القليل من الأمل في تحسين العلاقات بين البلدين إذا لم يتم الوفاء بمطلبيها.
أول هذين المطلبين هو ترحيل فتح الله غولن، رجل الدين المسلم الذي يعيش في منفى اختياري في بنسلفانيا، والذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) ضد الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية.
والمطلب الثاني هو أن تقطع الولايات المتحدة روابطها مع حزب الاتحاد الديمقراطي للأكراد السوريين وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب. وتقول أنقرة إنهما مجموعتان إرهابيتان مرتبطتان بحزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة إرهاب دموية في تركيا.
وكانت إدارة أوباما قد رفضت الاستجابة لهذا المطلب، وقالت إن حزب الاتحاد الديمقراطي يختلف عن حزب العمال الكردستاني -الذي تدرجه الولايات المتحدة أيضاً على قائمة الإرهاب كتنظيم إرهابي- على الرغم من أن هاتين المجموعتين لا تنفيان أنهما مرتبطتان.
وتحاجج واشنطن بأن وحدات حماية الشعب -التي تقدم معظم المقاتلين في صفوف قوات سورية الديمقراطية المدعومة أميركياً- قد أثبتت أنها حليف فعال في القتال ضد “داعش”.
أما بالنسبة لموضوع غولن، فتقول واشنطن إنه لا يعود للإدارة تقرير ما إذا كان يمكن ترحيل غولن؛ بل إن المحاكم هي التي تقرر استناداً إلى طبيعة وإقناع الأدلة المقدمة.
تظهر التصريحات الرسمية في تركيا أن هذين الموضوعين أصبحا اختباري ورقة عباد الشمس التي ستثبت ما إذا كانت الولايات المتحدة حليفاً جديراً بالثقة أم لا.
وكان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قد أعلن مؤخراً أن المسؤولين الأتراك يتوقعون من الإدارة الأميركية الجديدة أن تضع حداً “للسلوك المخجل” لإدارة أوباما، والمتمثل في دعم حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية. حتى أنه ادعى أن واشنطن دعمت هاتين المجموعتين “لزيادة الفوضى والإرهاب” في تركيا. وقال يلدريم: “وهذا هو السبب في أن الوقت أصبح ناضجاً ليكشف أصدقاء (تركيا) وأعداؤها عن أنفسهم”.
من الجدير بالملاحظة أن هذه التعليقات عكست أصداء ملاحظات سابقة لأردوغان الذي كان قد ذهب أبعد من ذلك، مدعياً أن باستطاعة تركيا إثبات أن الولايات المتحدة قد دعمت أيضاً “داعش”.
وكان الناطق السابق بلسان وزارة الخارجية في الإدارة الأميركية المنصرفة، مارك تونر، قد وصف ادعاءات أنقرة بأنها “مثيرة للسخرية” و”مضحكة”، قائلاً إنها “تجاوزت الحدود” و”ضارة بعلاقتنا”.
صعدت أنقرة لهجة العداء مؤخراً عندما قال وزيرا الخارجية والدفاع التركيان مولود شاويش أوغلو وفكري إشيق، على التوالي، وعلى انفراد، إن تركيا قد تجد نفسها مضطرة للخضوع للرأي العام والقيام بإغلاق قاعدة انجرليك الجوية الاستراتيجية أمام الولايات المتحدة إذا استمر دعم واشنطن لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية.
وفي مقال نشر في صحيفة “الواشنطن بوست” في الأسبوع الماضي، كتب شاويش أوغلو أن خيبة أمل الشعب التركي من الولايات المتحدة “ملموسة”. وأنحى باللائمة على الروابط الأميركية مع الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردي -والتي وصفها بأنها “تعاون مفلس أخلاقياً”، وأشار إلى مماطلة تمارسها واشنطن في موضوع غولن “بمحاضرات عن العملية المناسبة والسبب المحتمل والمعايير الثبوتية”. وقال اوغلو “إن الأتراك هم أكثر شكاً من السابق بجدوى وقيمة تحالفنا”.
قبيل أداء ترامب القسم الدستوري، أخذت روابط أنقرة مع إدارة أوباما انعطافة للأسوأ عندما أعلنت واشنطن أنه يجب أن يكون هناك صوت لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في أي مباحثات تجري لوضع حد للأزمة السورية. وقال تونر للصحفيين خلال الإيجاز الصحفي اليومي يوم العاشر من كانون الثاني (يناير) الحالي: “عند نقطة ما، يجب أن يكونوا جزءاً من هذه العملية”.
وهذا هو نوع الملاحظة التي تصب الوقود على نار العداء لدى المحللين الأتراك الموالين للحكومة تجاه إدارة اوباما. فقد كتب يوفوك يولوتاس، من مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في عموده في صحيفة أكسام اليومية: “بعد ثمانية أعوام في الرئاسة، يغادر أوباما أخيراً”. واستخدم يولوتاس مصطلحات مهينة لمهاجمة أوباما شخصياً واتهامه بإيواء غولن، وبالعمل كحام لحزب العمال الكردستاني. ومضى إلى القول: “لقد كان أوباما رجلاً أبيض تقليدياً. كان قائداً بطموحات شخصية وأفكار محددة – غندوراً متأنق الملبس والمظهر”، ولم يلق بالاً “بشكل كاف للعالم الخارجي في لحظات حاسمة”.
مع ذلك، وبتنحية تعبيرات الغضب هذه جانباً، يبقى السؤال الكبير بالنسبة لتركيا هو ما إذا كان ترامب -الذي يريد بالفعل روابط أفضل مع تركيا- سيستطيع الوفاء بمطلبي تركيا الحازمين. فمن غير الواضح، مثلاً، كيف باستطاعته التغلب على العوائق القانونية وإعادة غولن محزوماً إلى تركيا كما تريد أنقرة.
وفي الأثناء، يقترح البعض أنه عبر تضييق العيش على غولن في الولايات المتحدة، قد تكون الإدارة الأميركية الجديدة قادرة على التنفيس بعض الشيء من غضب أنقرة. ومع ذلك، من المرجح أن يكون هذا الأمر عاملاً مخفِّفاً وحسب على المدى البعيد في ضوء حرب أردوغان وحزب العدالة والتنمية مع غولن.
سوف تواجه إدارة ترامب أيضاً مأزقاً فيما يتعلق بوحدات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. وذكرت شبكة “سي أن أن” الأميركية هذا الأسبوع أن وزارة الدفاع الأميركية أعدت قائمة خيارات لإدارة ترامب فيما يخص القتال ضد “داعش”. وذكر أن هذه الخيارات تمنح للأكراد السوريين دوراً، خاصة في تحرير الرقة. وثمة تلميح إلى أن الإدارة الجديدة سوف تتخلى عن الأكراد في هذا المنعطف الحساس ببساطة لإرضاء تركيا.
وخلال جلسة الاستماع إلى أقواله، شدد تيلرسن على الحاجة إلى “الانخراط مجدداً مع أردوغان”، الأمر الذي سر أنقرة، لكنه حث أيضاً على إعادة الالتزام بـ”الأكراد السوريين في ملاحظة لم يتم إبرازها في تركيا.
قد يكون أنصار أردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي سعداء لرؤية أوباما وهو يغادر البيت الأبيض، وهم يبدون تفاؤلاً بترامب، لكن ثمة أولئك بينهم ممن يبدون ضبطاً للنفس في التوقعات. فهناك أحمد كيكيش، أحد داعمي أردوغان الإعلاميين الأكثر تحمساً، والذي يلقي باللوم في “عقيدة أوباما” على “داعش” وصعود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
وكتب كيليش في عموده في صحيفة الديلي ستار: “لقد حاولت الولايات المتحدة تعزيز وجودها في الشرق الأوسط في ظل أوباما، ليس من خلال الاتفاق مع حلفائها في الناتو وشركائها التجاريين، وإنما من خلال العمل مع التنظيمات الإرهابية”.
وانتقل إلى التساؤل: “هل سوف تستمر هذه الخطة في عهد ترامب؟ أعتقد أنها ستستمر مع بعض التعديلات البسيطة. ولكن سيكون هناك اختلاف. سوف تأخذ الولايات المتحدة حلفاءها بعين الاعتبار وسوف تحاول عدم إزعاجهم على الأقل”. وأضاف أن موقف واشنطن حول غولن سيكون ذا دلالة مع ذلك.
من غير الواضح ما إذا كانت إدارة ترامب ستكون واعية لفعل التوازن والتحريفات السياسية التي يترتب عليها تأديتها فيما يتعلق بتركيا. وللتعبير عن ذلك بطريقة أخرى، قد لا يستغرق الأمر طويل وقت حتى تتبدد آمال تركيا بحقبة جديدة في الروابط التركية-الأميركية في ظل ترامب.
وهناك السؤال الكبير المتعلق بخطوة تركيا التالية إذا فشلت واشنطن في الوفاء بالمطلبين التركيين. ومع ذلك، وللآن، فإن داعمي أردوغان وحزب العدالة والتنمية مركزون أكثر على الاحتفاء بمغادرة أوباما من التركيز على قدوم ترامب وما سيجلبه هذا القدوم على تركيا في واقع الأمر.
سميح آيديز
صحيفة الغد