يَظهر أن فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، الزعيمان القويان لروسيا وتركيا أكثر قرباً من أي وقت مضى. ولسنوات عديدة كان أردوغان يعارض موقف بوتين حول سوريا، وطالب برحيل الديكتاتور السوري بشار الأسد. إلا أن أردوغان لم يعد يطالب بذلك. بل على العكس من هذا، فمع اختتام المحادثات الأخيرة بشأن سوريا في الأستانة في 24 كانون الثاني/يناير أصبح بوتين وأردوغان أكثر تقارباً من خلال اتفاقهما، مع إيران، على القيام على نحو مشترك بمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» و «جبهة فتح الشام» التي تدور في فلك تنظيم «القاعدة». وتشير تقارير الصحافة الروسية والغربية إلى أن تركيا وروسيا قد بدأتا بالفعل تشنان ضربات مشتركة في سوريا.
ومع ذلك، فإن العلاقات بين روسيا وتركيا غير متكافئة. فبوتين في موقف أكثر قوة على نحو متزايد، ومن غير الواضح إذا كان أردوغان يدرك ذلك.
لقد ألغى أردوغان جميع الصحافة الحرة تقريباً. ومن الصعب التغلب على روسيا في الحملة على حرية التعبير، ولكن وفقاً لـ “مراسلون بلا حدود” صٌنفت تركيا منذ عدة سنوات بمرتبة أدنى من روسيا في الصحافة الحرة. وهناك العديد من الصفات المشتركة بين بوتين وأردوغان، إلا أن المجتمع التركي منقسم بصورة أكثر حدة من نظيره الروسي، كما أن جهود الدعاية التي يقوم بها الكرملين هي أكثر تنظيماً ومنهجية. وفي الواقع، لا يضاهي الدعاية الروسية أي شئ. ومنذ الانقلاب التركي الفاشل في آب/أغسطس، أطلق أردوغان العنان لحملة لم يسبق لها مثيل ضد المجتمع المدني والجيش. وفي هذا السياق من الأسهل بالنسبة لأردوغان أن يكون بعيد الصلة عن الواقع من بوتين.
وفي الوقت نفسه، يحتفظ بوتين بالقدرة على التأثير على أردوغان وخاصة من خلال علاقته مع الأكراد. وعموماً، كانت القومية الكردية تشكل لفترة طويلة أهمية مركزية لأردوغان، في البداية كمسألة للمصالحة، والآن كموضوع للمواجهة، وعلى وجه التحديد مع «حزب العمال الكردستاني». وتعود علاقات موسكو العميقة مع الأكراد إلى قرنين من الزمن. فدائماً ما استخدمهم القادة الروس والسوفييت ضد الزعماء الأتراك من أجل بسط النفوذ على هؤلاء الزعماء. وفي هذا الصدد، أُقيم «حزب العمال الكردستاني» أساساً برعاية الكرملين خلال حقبة الحرب الباردة. وبسبب المخاوف إلى حد ما من القومية الكردية في سوريا، أصبح أردوغان يؤمن بأن ليس لديه أي خيار سوى قبول موقف بوتين من الأسد، وخاصة في سياق غياب الولايات المتحدة في سوريا لفترة دامت سنوات.
لدى بوتين مشاكل خطيرة – فعلية ووهمية على السواء، ولكن لأردوغان تأثير محدود عليه. وبالمقارنة، يظهر أن الاقتصاد التركي هو في وضع أسوأ حتى من الاقتصاد الروسي. وبإمكان بوتين أيضاً أن يسمح بتدفق السياح الروس إلى تركيا أو وقفه. وقد أصبحت تركيا أكثر اعتماداً على السياح الروس الذين يتمتعون بخيارات أكبر مقارنة مع نظرائهم الأتراك.
إن تركيا هي أكثر تعرضاً للهجمات الإرهابية، وأردوغان أكثر عزلة كما انتشر بأقصى طاقاته على جبهات متعددة. وببساطة، فإن بوتين أقل حساسية وأكثر تحوّطاً من أردوغان. وكما قال محلل تركي في كانون الثاني/يناير أن “الحكومة التركية قد فصلت نفسها تماماً عن الواقع”. وهذا ليس بالضرورة هو الحال مع بوتين.
وينظر بوتين إلى الدبلوماسية من حيث تساوي المكاسب والخسارة، وفي النهاية، لا يدين بالولاء لأي شخص. وكان قد ضحّى بزعماء آخرين من قبل ويمكنه أن يتغيّر بسهولة، سواء كان ذلك يتعلّق بتجميد بيع صواريخ “S-300” لإيران في عام 2010 عندما كان الأمر يناسب مصالح الكرملين، أو رفع الحظر عنها في عام 2015 على الرغم من المخاوف الأمنية الإسرائيلية. ويميل بوتين إلى النظر إلى الشؤون الدولية كنظام لإخضاع آخرين تحت قوة السلطة وإرغامهم على الإذعان، وتقديم عروض لا يمكن لأحد أن يرفضها، أو ببساطة إثارة الاضطرابات أو الارتباك عن طريق الحيلة.
وفي الوقت نفسه، في الشرق الأوسط يحافظ بوتين على صداقة وطيدة مع الكتلة الشيعية المعادية للغرب، ومن المرجح أن يبقى أقرب إليها في المستقبل القريب. ومن ناحية أخرى، فإن تركيا، التي هي قوة سنية، لا تزال حليفة منظمة “حلف شمال الأطلسي”. وعندمااعتذر اردوغان لبوتين في حزيران/يونيو 20166 عن قيام تركيا باسقاط طائرة روسية كانت قد دخلت الأراضي التركية لفترة وجيزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 20155، اعترف ضمنياً أن تركيا بحاجة إلى روسيا أكثر من حاجة روسيا إلى تركيا. وقد يعتقد أردوغان أن بوتين حليفه، ولكن بدلاً من ذلك، تغرق تركيا بعمق تحت نفوذ موسكو أكثر مما قد يدرك أردوغان ذلك.
آنا بورشفسكايا
معهد واشنطن