أثار شريط فيديو بثه تنظيم «الدولة الإسلامية» لعملية قطع رؤوس 21 مسيحي مصري على الشاطئ الليبي – والقصف الجوي الذي شنّته القاهرة ردا على ذلك – مخاوف أن المجموعة الإرهابية تحاول توسيع نطاق ”الخلافة“ التي أعلنتها لتشمل بلدا ثالثا. وقد يكون الأمر أصعب مما يعتقده المسلحون؛ فليبيا ليست العراق أو سوريا، ولن يكون من السهل على «الدولة الإسلامية» تكرار النجاحات السابقة هناك.
ذلك لأن المتشددين يواجهون منافسة من الجماعات الإسلامية الأخرى الموجودة في ليبيا منذ فترة، وأيضا لأن البلد تفتقر إلى نوع من الانقسام الطائفي الذي يوفر وقودا لتصاعد العنف. ومن الأمور التي ساعدت في نجاح «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا – بشكل جزئي – سيطرتها على بعض أغنى حقول النفط في المنطقة، ولكن من الصعب على المجموعة أن تحول احتياطيات النفط في ليبيا إلى مصدر ثابت للتمويل.
وقال «باتريك سكينر» – ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية – إن وجود «الدولة الإسلامية» في ليبيا «من المحتمل بشدة أن يفجر كابوسا أمنيا، ولكنها أيضا مثل كرة قدم يستخدمها العديد من الأطراف المتنافسة».
وقال «سكينر» – الذي يعمل الآن في مجموعة صوفان الاستخباراتية في نيويورك – إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو «إلى أي مدى سيُثمر الجهد المبذول من تلك المجموعة في تربة الصراع الليبي الزلقة؟»
ويبدو أن المجموعة الإرهابية المعروفة أيضا باسم «داعش» توسع عملياتها باطراد داخل ليبيا على الرغم من أن المكاسب هناك لا تقارن مع حملاتها في العراق أو سوريا. وبثت المجموعة يوم الأحد 15 فبراير/شباط شريط فيديو يظهر قتل 21 مسيحي مصري كانوا قد اختطفوا في ليبيا. وردًا على ذلك شنّت القاهرة يوم الاثنين غارة جوية ضد أهداف «الدولة الإسلامية» داخل البلدة الساحلية الليبية درنة. كما استهدفت المجموعة أيضا منشآت النفط وخطوط الأنابيب. علاوة على ذلك، أعلنت الجماعة في يناير/كانون الثاني مسؤوليتها عن هجوم ضد فندق كورنثيا في طرابلس؛ والذي أسفر عن مقتل عشرة أشخاص.
ويبدو أن انفجار عنف «الدولة الإسلامية» في ليبيا يعزز تحذيرات بعض المسؤولين الليبيين في الأسابيع الأخيرة. «تتحول ليبيا إلى محطة بنزين وأجهزة صراف آلي ومطار للدولة الإسلامية». هكذا أشار عارف «علي النايض» – سفير ليبيا لدى الإمارات العربية المتحدة من الحكومة التي مقرها طبرق في مقابلة مع «فورين بوليسي» الشهر الماضي. (ولدى ليبيا حكومتان: واحد مقرها في العاصمة طرابلس، وحكومة أخرى مُعترف بها دوليا ومقرها في الشرق. ويمثل نايض الحكومة الشرقية).
ويمكن للدولة الإسلامية انطلاقا من ليبيا أن تشنّ هجمات خارج البلاد في الوقت الذي يشكل فيه ذلك خطرا على دول الجوار مثل مصر وتونس والجزائر بحسب ما ذكر «فراس أبوعلي»، رئيس قسم التحليل الخاص بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة «آي.إتش.إس لاستشارات المخاطر» في لندن.
وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية لـ«فورين بوليسي» إن «الدولة الإسلامية» بدأت جهودها لتوسيع مسرح عملياتها خارج سوريا والعراق في العام الماضي عندما أرسلت مجموعة إرهابية من أفضل عناصرها في سوريا إلى ليبيا. وأضاف أن المجموعة المسلحة أيضا بدأت تشجيع أعضائها الليبيين على العودة إلى ديارهم أخذ دور في القتال الدائر هناك.
ونظرا للظروف التي تعيشها ليبيا منذ الإطاحة بـ«معمر القذافي» فإن ليبيا باتت بمثابة مُصدِّرٍ للجهاديين إلى بلدان أخرى؛ فبالنظر إلى الأفراد، فقد أمدت ليبيا – البالغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة – النزاعات في العراق وسوريا بأعداد من المقاتلين أكثر من أي دولة أخرى. وفي الوقت الراهن؛ تتحول الجبهة الداخلية الليبية إلى جبهة للقتال.
وقال «سكينر» إن عدد عناصر «الدولة الإسلامية» حوالي 550 مقاتل ليبي انضموا لصفوفها اعتبارا من أواخر الصيف الماضي، وهو الرقم الذي زاد بكل تأكيد. وقال إن اليوم هناك حوالي ما بين ألف وثلاثة آلاف مقاتل موالين لـ«لدولة الإسلامية» في ليبيا، وكثير منهم عادوا إلى ديارهم مع خبرة من كبيرة قتالية اكتسبوها الخطوط الأمامية.
وقالت «توماس جوسلين» – رئيس تحرير صحيفة «لونج وور» التي تركز على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب – إن «الدولة الإسلامية» «تجذب في المقام الأول المجندين الشباب الذين قاتلوا في العراق وسوريا ويعودون إلى ليبيا والذين تشبّعوا بأفكار الدولة الإسلامية ويعيشون تحت تاثيرها».
وأعلنت «الدولة الإسلامية» الآن استقلال بعض المحافظات في طرابلس وجنوب غرب منطقة فزان والمنطقة الشرقية من برقة، التي تضم مدينتي بنغازي ودرنة. وقال «جوسلين» إنه على الرغم من أن المجموعة تزداد قوة داخل ليبيا، إلا أن هناك مبالغة في قوتها في بعض الأحيان. وأشار إلى أنها لا تسيطر على درنة التي يكثر بها الجماعات المتنافسة مثل «لواء شهداء أبو سليم» الذي لا يزال يلعب دورا رئيسيا.
ويضيف جوسلين: «هذه المناطق أكثر طموحا، هم يريدون إعطاء الناس معنى أن الخلافة آخذة في التمدد». وقال إنه على الرغم من أن الجماعات التي على صلة بتنظيم القاعدة لا يسترعي اهتمامها أشرطة الفيديو المروعة، إلا إنها تستخدم قوة أكثر خفية لتوسيع نفوذ الجماعة على أرض الواقع.
«ذلك يؤدي إلى المبالغة في تقدير الدولة الإسلامية والتقليل من تنظيم القاعدة وجماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة» بحسب «جوسلين».
أحد التحديات التي تواجه توسع «الدولة الإسلامية» في ليبيا هي افتقار البلاد للفجوة بين المسلمين السنة والشيعة الموجودة بشدّة في العراق وسوريا. ومكّن هذا الانقسام «الدولة الإسلامية» من إطلاق العنان لحرب أهلية طائفية في العراق. ولكن تقريبا جميع المسلمين في ليبيا من السنة، ما يزيل هذا المصدر المُحتمل للصراع.
«لن تجد الدولة الإسلامية فرصة لإشعال حرب طائفية»، هكذا أشار سكينر مُستطردًا: «الطريق الوحيد أمامهم لتحقيق مكاسب كبيرة هو التعاون مع جماعات أخرى».
تحدي النفط
التحدي الأخير له علاقة بالنفط. وليبيا دولة غنية بمواردها، ولكن «الدولة الإسلامية» في ليبيا من المحتمل أن لا تكون هناك كما هي في غيرها. ففي العراق وسوريا تستخدم «الدولة الإسلامية» الثروة النفطية لتصبح أحد أفضل الجماعات الإرهابية تمويلا في التاريخ، وعلى الرغم من قدرة الجماعة على تحويل الذهب الأسود إلى ملايين من الدولارات، إلا إن العائدات تتدهور يوما تلو الآخر بسبب الضربات الجوية الغربية على منشآت النفط وانخفاض أسعار النفط. وتحاول «الدولة الإسلامية» وضع يدها على النفط في ليبيا، ولكن الظروف تشير إلى أن ذلك لن يكون بالأمر اليسير. وفي نهاية الأسبوع الماضي؛ هاجم إرهابيون قوات الأمن الموجودة في حقلين للنفط في محاولة للسيطرة عليهما. وتم استهداف حقل «مبروك» للمرة الثانية هذا الشهر، وهُوجم أيضا خط أنابيب النفط.
ولم تنجح المجموعة الإرهابية بعد في انتزاع السيطرة على حقول النفط كما فعلت في سوريا والعراق. ولكن معركتها من أجل النفط هي جزء من صراع أوسع بين الحكومتين المتبارزتين في ليبيا والمليشيات من أجل السيطرة على موارد البلاد. وقال مسؤولون ليبيون مطلع الأسبوع الجاري إن العنف المتزايد قد يؤدي إلى وقف إنتاج النفط في البلاد. وتراجع إنتاج النفط في البلاد بالفعل من نحو 1.6 مليون برميل يوميا قبل الربيع العربي إلى أقل من 300 ألف برميل يوميا في الوقت الحالي. وتعاني الحكومة من تصاعد الهجمات ضد خطوط الأنابيب ما يعيق كسب المال من وراء تصدير النفط، والذي يمكن أن يتم استخدامه لدعم دولة ممزقة.
تحويل الذهب الأسود إلى ذهب فعلي هو أيضا أصعب بكثير في ليبيا مما كان عليه في العراق أو سوريا. منشآت النفط في ليبيا عميقة في الداخل الليبي وبعيدة عن المراكز السكانية. وفي الوقت نفسه، فإنه بدلا من انتشار مصافي النفط الصغيرة الحجم التي مكنت «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا من تهريب منتجات مثل الديزل إلى الأسواق المحلية، فإن ليبيا لديها مصافي كبيرة يسيطر عليها المليشيات الأخرى في الوقت الحالي. كل ذلك يجعل من الصعب تحويل حقول النفط إلى ثروة نفطية.
«ويكمن التحدي في شمال إفريقيا بشكل عام، وليبيا على وجه الخصوص في أن الاستيلاء على حقل النفط من أجل السيطرة على الدخل الناتج عن الموارد ليس كافيا على الإطلاق»؛ بحسب «جيف بورتر» – رئيس شركة «استشارات مخاطر شمال أفريقيا» – والذي تابع: «أنت بحاجة للسيطرة على جل القطاع، من البئر إلى محطة تصدير».
وقال «ماثيو ريد» – خبير الطاقة في شركة الاستشارات «فورين ريبورتس» – إن «الدولة الإسلامية» في سوريا كان لديها شبكة تكرير خاصة، وهو ما تفتقده نظيرتها في ليبيا. «ليست هناك أي مصافي صغيرة ظهرت لتعمل، بينما المصافي الرئيسية موزعة بين الفصائل المختلفة بهدف تأمينها».
ومن شأن ذلك أن يحافظ على صادرات النفط باعتبارها السبيل الوحيد للاستفادة من النفط الخام في البلاد. ولكن كما رأينا في العام الماضي، عندما استولى الزعيم المتمرد «إبراهيم جضران» على ميناء تصدير النفط في شرق البلاد، فإن العثور على مشترين لهذا الخام بمثابة الأمر العسير. وقامت جماعة مُتمردة أخيرا بتعبئة ناقلة نفط في الربيع الماضي، ما اعتبرته الحكومة الليبية ونظيرتها الأمريكية سرقة، ومن ثمّ تم توقيف الناقلة بينما تبحر في البحر المتوسط من قبل عناصر من قوات البحرية الأمريكية. وهذا يضع حدا لجهود المليشيات المتعلقة بتصدير كميات كبيرة ومباشرة من الخام الليبي، والأمور لن تكون أسهل بالنسبة لتنظيم «الدولة الإسلامية».
«قد تمتلك كل نفط العالم، ولكن إذا لم تستطع نقله إلى السوق أو الاستفادة منه، فلا فائدة من ورائه» بحسب «بورتر».
الخليج الجديد