اليابان تخرج من “نعاسها” السلمي

اليابان تخرج من “نعاسها” السلمي

منذ هزيمتها في عام 1945، شهدت اليابان فترة استثنائية من الازدهار والسلام في آسيا المضطربة بسبب الحروب (كوريا وفيتنام)، في مثال بارز تخلّت عن قالب الغرب، من خلال تبني تقنيات وممارسات دون أن تستعمر دولة أخرى أو أن تفقد هويّتها. ولا تزال اليابان من أكثر البلدان ازدهارًا وتقدّما من الناحية التكنولوجية حول العالم.

ولكنّ عصرها الذهبي يقترب من النهاية؛ ففي موجة الصراع البعيد عن جذورها الآسيوية، تنجذب نحو العولمة السياسية بعد أن تراجعت على مستوى العولمة الاقتصادية، وكشف إعدام الرهينتين اليابانيتين من قبل الدولة الإسلامية في يناير لمواطني الأرخبيل أنّهم تساووا الآن مع الدول الّتي تحارب التنظيم عسكريًّا.

لم يعتد الإرهاب كثيرًا على اليابان حتّى الآن؛ إذ إنّ عمليات الجيش الأحمر في السنوات الـ 1970 أو طائفة أوم في 1995 كانت قضايا داخلية. وبسبب سلميتها الدستورية الّتي تحظر اللجوء إلى الحرب، تجنّبت أيضًا التورّط بشكل مباشر في الصراعات الّتي يرعاها معلّمها الأمريكي، مكتفية بأن تكون قاعدة خلفية لكوريا وفيتنام. ثمّ تساهم ماليًا في حرب الخليج الأولى في عام 1990، وإثر غزو العراق في 2003، أرسلت كتيبة ضمن عملية حفظ السلام في مبادرة لم تحظ بشعبية؛ ولكنّها بقيت على الأقلّ متراجعة.

دفع مرتكبو الجرائم ثمن أفعالهم

يعود موقف النأي بالنفس إلى الماضي. وفي حين أنّ جزءًا من الرأي العام ينتقد الطريقة الّتي أجريت (أو تحديدًا لم تجر، وفقًا لبعض المعلّقين) بها المفاوضات لإنقاذ الرهائن، أوضح رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي أنّه يعتزم “جعل مرتكبي هذه الجرائم يدفعون ثمنها”، في دعوة للانتقام لم تستخدم قبل ذلك الحين في العبارات الدبلوماسية اليابانية. وتعتزم الحكومة باللعب على الأغلبية البرلمانية وموجة السخط والقلق إزاء أعمال القتل؛ اعتماد عشرة قوانين تسمح لليابان بالمشاركة في نظام دفاع جماعي والتدخّل في الخارج خلال الدورة البرلمانية الّتي تنتهي في يونيو المقبل.

قاعدة تشغيلية في إفريقيا

وبصفة سريّة، تضاعف طوكيو من تواجدها العسكري في جيبوتي (حيث توجد كتيبة مكوّنة من 200 رجل في إطار مكافحة القرصنة في القرن الإفريقي) من أجل تكوين “قاعدة” تشغيلية في إفريقيا وفي الشرق الأوسط. كما يمكن لليابان أيضًا المشاركة في عروض بناء غوّاصة أسترالية، لتؤكّد دخولها في سوق التسليح (بعد أن تمّ رفع القيود المفروضة على تصدير الأسلحة في أبريل 2014).

وقطع آبي مع العقيدة السلمية (المتآكلة من قبل بالتشريعات الاستثنائية) الّتي بني عليها ازدهار اليابان بعد الحرب؛ إذ إنّ اليمين (الّذي ينحدر منه آبي) لم يقبل بها، ويتردّد في أوساط الوزير الأوّل أنّ: “الوقت قد حان لتخرج اليابان من نعاسها السلمي”، ولكن الأغلبية لا تزال متمسّكة بخيار المسالمة.

ويرى رئيس معهد الاستراتيجيات الدولية ونائب وزير الشؤون الخارجية السابق “هيوتشي تاناكا”، أنّ: “المناخ الأمني الدولي قد تغير، وعلى اليابان أن تتكيف معه”. وفي افتتاحية سابقة، أتى في صحيفة أساهي (يسار وسط) أنّ: “لا ينبغي على اليابان الضلوع في أي عملية عسكرية على أيّة حال من الأحوال”، مشيرة إلى أنّ: “الفوضى الناتجة عن غزو العراق” تحذّر من “خطر الردّ على القوّة الوحشية بالقوة الوحشية”، وترى الصحيفة أنّ: “العقيدة السلمية لا تزال أفضل وسيلة دفاع لليابان”.

طموح اليمين

وبعيدًا عن الجدل حول كيفية ضمان أمن الأرخبيل؛ يطرح سؤال آخر حول الوسائل المتاحة لتنفيذ طموح اليمين في لعب دور  أكبر على الساحة الدولية من خلال ما يصفه بـ “المسالمة الاستباقية”. فاليابان في موقف لا تحسد عليه: صعود القوّة الصينية الّتي أفقدتها هيمنتها الإقليمية والركود الاقتصادي زعزعا ثقتها في نفسها، في حين أنّ التراجع نسبي؛ فلا يزال الأرخبيل ثالث أكبر قوّة اقتصادية في العالم، وعلى الرغم من نموّه الصفري أو المنخفض، لم يشهد عدم الاستقرار الاجتماعي على غرار الديمقراطيات المتقدّمة الأخر.

وللقيام بمشاريع عسكرية في الخارج، تحتاج اليابان إلى “خلفيات” صلبة في منطقتها، في حين أنّ الأمر ليس كذلك؛ باعتبار أنّ حالة الإنكار الّتي يظهرها الوزير الأوّل (بالتقليل من انتهاكات الجيش الإمبراطوري أو نفيها) تغضب جيرانه الصينيين والكوريين، وتستخدم بكين وسيول القومية السياسية لآبي لأغراض سياسية بلا شكّ؛ حيث إنّ: “على بكين تهميش اليابان” في طموحها إلى القوّة، حسب هيروشي تاناكا، وينظر في بكين وسيول إلى أي تقدّم لطوكيو في مجال الدفاع على أنّه تهديد محتمل يؤدّي إلى التوترات.

تعدّ اليابان حجر الزاوية في استراتيجية الولايات المتّحدة في إعادة التركيز على آسيا بعد انتكاساتها في العراق وأفغانستان، ولكن واشنطن حريصة أيضًا على بناء شراكة استراتيجية مع الصين، ومن غير المؤكد أن تحظى طوكيو بالتزام أمريكي شامل وكامل. أما بكين فقد حذّرت من جهتها اليابان: لا يمكنها أن تأمل في إقامة علاقات جيّدة مع الصين ومع الولايات المتّحدة في الآن نفسه.

وبالتالي يعدّ هامش المناورة لطوكيو ضيقًا؛ إذ إن مشاركتها في نظام دفاع جماعي قد يؤدي إلى قيامها بحروب خلف الولايات المتّحدة لا ترغب فيها، وبكين غير مستعدّة لرؤيتها تعزّز من قوّة جيشها.

التقرير