ممَّ تتكون الترسانة النووية الفرنسية؟

ممَّ تتكون الترسانة النووية الفرنسية؟

ذكر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لأوّل مرّة بالتفصيل تركيبة الترسانة النووية الفرنسية، مؤكّدًا خلال خطابه عن منظومة الردع يوم الخميس 19 فبراير من القاعدة الجوية ايستر رقم الـ 300 رأس نووية، وأشار إلى أنّ “فرنسا تمتلك ثلاث دفعات من الصواريخ الّتي تحملها الغواصات، وأربع وخمسين ناقلة ASMPA أي جو – أرض متوسّطة المدى محسّنة”، مشدّدًا على ضرورة “الشفافية“.

وتتناقض هذه الرغبة في الشفافية “حول العقيدة والترسانات أو الجهود الملموسة لنزع السلاح” مع السرية الّتي تحيط عادة بالأسلحة النووية لأسباب تتعلقّ بالأمن الوطني، ولكن على الرغم من رغبة الرئيس في الشفافية، لا تزال هناك مناطق رمادية. فماذا نعرف عن مخزون فرنسا من الأسلحة النووية؟

300 هو عدد الرؤوس النووية الّتي تمتلكها البلاد، وفقًا لفرنسوا هولاند، وهو رقم قريب من الرقم الّذي قدّمه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في 2008 (“أقل من 300 رأس“)، وقد قلّلت فرنسا الموقّعة على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية حجم أسلحتها النووية إلى النصف منذ نهاية الحرب الباردة، وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الشيوخ في عام 2010.

قوّة بحرية وقوّة جويّة

منذ أنّ تخلّت فرنسا عن الصواريخ أرض – أرض في عام 1990، انحصرت الترسانة النووية في عنصرين: القوّة البحرية بقيادة القوّات البحرية (الغوّاصات النووية القاذفة للصواريخ المتواجدة في جزيرة لونغ قرب بريست بالإضافة إلى بعض الطائرات) والقوّات الجوية بقيادة سلاح الجوّ.

48، هو مجموع الدفعات الثلاث المكوّنة من 16 صاروخًا تحملها الغواصات النووية القاذفة للصواريخ التابعة للبحرية الفرنسية (وتحمل الغوّاصات أسماء “المنتصر” و”الجريء” و”اليقظ” و”الرهيب“)، ويجب أن تعمل ثلاث غواصات في وقت واحد، في حين تخضع الرابعة للصيانة.

ولا يجب الخلط بين هذه الغوّاصات والغوّاصات النووية الستّ الهجومية الّتي تعمل بالطاقة النووية، ولكنّها لا تحمل صواريخ نووية.

M51، هو نوع الصواريخ العابرة للقارّات الّتي تجهز الغوّاصات النووية القاذفة للصواريخ جميعها تقريبًا منذ عام 2010. ويبلغ ارتفاعها الـ 12 مترًا ووزنها الأقصى 56 طنًا وقادرة على حمل 6 رؤوس نووية، وتهدف إلى استبدال الـ M45 لضعف مداها (8000 كم لصواريخ الـ M51 مقابل 6000 كم لـ M45). كما شهد اختبار الجيل الأخير من هذا الصاروخ فشلًا نادرًا يوم 5 مايو 2013، وهو الأوّل من نوعه من 1996: بعيد إطلاقه في إقليم فينيستير غرب فرنسا -دون رأس نووية- حدثت عملية تشغيل “خاطئة” وتدمّر بعيد 30 ثانية.

54 صاروخ جوّ – أرض متوسطّ المدى محسّن، مجهزة بها الطائرات المقاتلة (مثل رافال وميراج) الّتي يمكن أن تقلع من قاعدتي ايستر وسان ديزياي أو حاملة الطائرات شارل ديغول بفضل قوّة العمل البحرية النووية.

0.17% من الناتج المحليّ الإجمالي هي حصّة الإنتاج الوطني المخصصّ للردع النووي. وحسب مشروع المالية لعام 2015، ترتفع القيمة إلى 3.6 مليار يورو في 2015 أيّ 11 % من ميزانية الدفاع (ربع قروض معدّات الدفاع). وأشار تقرير صادر عن مجلس الشيوخ في 2012 إلى أنّ “التكلفة الثابتة غير الملموسة” للأسلحة النووية تترك آليًا حصّة مخفّضة للبرامج “التقليدية” وعتادها.

1996، هو تاريخ آخر تجربة نووية فرنسية حدثت على الجزيرة المرجانية في بولينيزيا الفرنسية، فانغاتوفا. كما تمّ تفكيك مصانع فرنسية للمواد الانشطارية للأسلحة. وخلّفت بعض هذه التجارب النووية عددًا من الضحايا، لم ينته بعد المسار القضائي لتعويضهم، وقد اعترفت محكمة الاستئناف في بوردو في يناير الماضي بهذا الحق لتسع ضحايا من أصل سبعة عشر طلبًا.

العقيدة النووية لفرنسا

تحدّد “العقيدة النووية” لبلاد الظروف الّتي تستخدم فيها هذه الأسلحة وكيفية استخدامها، مثل عقيدة ماكنمارا في الولايات المتّحدة الّتي تسمّى أيضًا بـ “الردّ التدريجي” أي دون دمار شامل في 1962.

تشكّلت العقيدة الفرنسية من خلال الخطابات الكبرى لرؤساء الدولة، مثل خطاب إيستر لفرنسوا هولاند أو خطاب شاربورغ في 2008 لنيكولا ساركوزي أو خطاب جزيرة لونغ في 2006 لجاك شيراك.

ولم يتخلّ فرنسوا هولاند، شأنه شأن من سبقه، عن مبدأ الردع النووي الّذي وضعه الجنرال ديغول؛ إذ أتى في “الكتاب الأبيض للدفاع والأمن الوطني” الّذي أعطي لفرنسوا هولاند في 2013 أنّ “الردع النووي أكبر ضامن لسيادة فرنسا“.

كما أكّد رئيس الدولة أنّ عليهم عدم “خفض الحذر” على ضوء “السياق الدولي الّذي لا يسمح بأيّ ضعف“، مشيرًا إلى معضلة الأزمة الأوكرانية والصعود القوي للتنظيم المقاتل “الدولة الإسلامية“، والهجمة المعلوماتية على سوني الّتي حمّلت كوريا الشمالية المسؤولية عنها.

وتنطوي “عقيدة هولاند” أيضًا على “التضامن بالفعل وبالقلب” مع أوروبا؛ إذ يمكن لفرنسا أن تردّ بضربة نووية “تضامنية” في حالة العدوان على واحد من شركائها الأوروبيين، إلّا أنّ فرنسوا هولاند قد أكّد على أنّ فرنسا لن تستخدم ترسانتها النووية ضدّ الدول الّتي لا تمتلك أسلحة نووية.

ما لا نعرفه

ولكن، لا تزال هناك معلومات مجهولة عن الترسانة النووية الفرنسية، وهو ما يبدو مفهومًا؛ نظرًا للطابع الاستراتيجي لهذه المعلومات:

– عدد الأسلحة المنتشرة (أقلّ من إجمالي المخزون)، حسب المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، تعدّ فرنسا 290 رأسًا نووية منتشرة (وضعت على الصواريخ أو في القواعد العسكرية)، وبالتالي يمكن أن تكون هناك عشرة رؤوس نووية لا تعمل.

– أين توجد الأسلحة التشغيلية؟

– ما هي حالة هذه الأسلحة وما مدى قدرتها على التدمير؟

في الخارج، مناطق رمادية حول القوى النووية

دعا الرئيس هولاند في إيستر إلى “الوقف النهائي لإنتاج المواد الانشطارية” للأسلحة النووية. وفي الوقت الراهن، لا يمكن باختصار لأي قوّة جديدة الحصول على السلاح النووي، ونحن بعيدون عن معرفة من يمتلك أسلحة نووية وما عددها.

وحسب منظمة الأمم المتّحدة، هناك اليوم خمس قوى نووية معروفة، وهي الصين والولايات المتّحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتّحدة.

وبالإضافة إلى هذه القوى، هناك دول أخرى نعلم أنّها تمتلك سلاحًا نوويًا حتى وان لم تعترف بهذا رسميًّا:

– “إسرائيل“، لم يعترف المسؤولون الإسرائيليون علنًا ولم يكذّبوا امتلاكهم لترسانة نووية عسكرية. وأشارت مجلّة Bulletin of the Atomic Scientists إلى أنّ مخزونها من الأسلحة يبلغ 80 رأسًا نووية يمكن أن تطلق من نحو 48 صاروخًا بالإضافة إلى الطائرات ومنصات البيانات البحرية للإطلاق.

– الهند وباكستان، أطلقت الهند وباكستان في عام 1998 سلسلة من التفجيرات النووية التجريبية، ممّا يؤكّد على قدرتهما على تصنيع أسلحة نووية.

– كوريا الشمالية؛ إذ أعلنت البلاد أنّها اختبرت ترسانتها النووية عدّة مرات في 2006 و2009 و2013.

وفي بداية عام 2014، امتلكت هذه الدول التسع نحو أربعة آلاف سلاح نووي في حالة تشغيلية. وإذا ما تمّ احتساب الرؤوس النووية الحربية جميعها بما في ذلك المخزّنة، تمتلك هذه الدول مجتمعة ما مجموعه نحو 16300 سلاح نووي مقابل 17270 في بداية 2013.

ويذكر أنّ عددًا من الدول، مثل أعضاء اتّحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية (الاتّحاد السوفيتي) في عام 1990 أو إفريقيا الجنوبية، قدّ تخلّوا من تلقاء أنفسهم عن مخزونهم من الأسلحة النووية.

ولكن، حسب المنظمة الدولية Global Zero الّتي تعمل على تعزيز نزع السلاح النووي حول العالم، لا تزال هناك “بالإضافة إلى الدول التسع الّتي تمتلك السلاح النووي”، تسع وخمسون دولة أخرى “تمتلك موادًا نووية قادرة على تطوير برامجهم للتسلّح النووي“، ومن بينها إيران على سبيل المثال.

نقلا عن التقرير