في 9 شباط/فبراير، أصدر “المكتب الأمريكي للمخابرات البحرية” رسائل إلى السفن التجارية محذراً إياها من مخاطر الألغام في مضيق باب المندب جاء فيه: “لدى الحكومة الأمريكية ما يدعو للاعتقاد أنه في أواخر كانون الثاني/يناير، زرع المتمردون الحوثيون ألغاماً في المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر قرب مدخل ميناء المخا”. وجاءت رسائل التحذير في أعقاب وقوع عدد من الحوادث المقلقة الأخرى في الممر المائي الاستراتيجي خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد هوجمت السفن الحربية السعودية والإماراتية بينما كانت تحاول فرض حصار على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن. وخلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تمّ أيضاً استهداف سفن دوريات تابعة للبحرية الأمريكية. ويبدو أن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الحرب الأهلية الدائرة في اليمن لا تؤتي ثمارها، كما أن المعركة على الأرض قد وصلت إلى طريق مسدود إلى حد كبير، على الرغم من أن القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً قد استولت مؤخراً على ميناء المخا بالقرب من باب المندب.
ولا تزال دوافع إيران لمساعدة الحوثيين غير واضحة ولكن لها تأثير في تحدي المملكة العربية السعودية، التي تعتبر القتال بمثابة حرب بالوكالة. فالحوادث المتكررة في البحر، وخصوصاً تلك التي تشمل سفن الشحن المدنية، يمكن أن تزيد من تدويل الصراع وتحفز الجهات الفاعلة الأخرى على التدخل. أما على صعيد القدرات والتقاليد، فيبدو أن البحرية الأمريكية ستتولى بالضرورة الدور القيادي في أي جهد من هذا القبيل يرمي إلى حماية حرية المرور.
ممر رئيسي
في إطار ما نشرته “إدارة معلومات الطاقة” الأمريكية على موقعها الإلكتروني خلال عام 2014 في وصفها للممرات المزدحمة لنقل النفط في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، ذكرت “الإدارة” أن إغلاق مثل هذه الممرات المائية، ولو مؤقتاً، “يمكن أن يؤدي إلى زيادات كبيرة في تكاليف الطاقة الإجمالية وأسعار الطاقة العالمية”. ويكتسي مضيق باب المندب، الذي يتحكم في الوصول إلى البحر الأحمر والطرف الجنوبي لقناة السويس، أهمية خاصة في الوقت الراهن بسبب اعتماد مصر على الغاز الطبيعي المسال المستورد للحفاظ على إمداداتها من الكهرباء، حيث تتجه ناقلة واحدة من الغاز الطبيعي المسال إلى مصر كل أسبوع من خلال عبورها المضيق. وإذا تمّت عرقلة العبور، لن يكون أمام هذه الشحنات – وجميع السفن الأخرى المتوجهة إلى مصر والبحر الأبيض المتوسط - أي خيار سوى القيام برحلة طويلة حول الطرف الجنوبي من أفريقيا.
ويصل عرض مضيق باب المندب في أضيق نقطة له إلى نحو عشرة أميال (حوالي 16 كم)، حيث تبرز جزيرة بريم (ميون) اليمنية عند مدخل الممر المائي باتجاه إريتريا وجيبوتي. وبموجب مخطط لفصل حركة النقل الدولية، تَستخدم الشحنات الدولية المتجهة شمالاً ممراً بعرض ميلين (حوالي 3.2 كم) على الجانب العربي إلى الغرب من بريم، في حين تستخدم الناقلات المتجهة جنوباً ممراً مماثلاً على الجانب الأفريقي. وإذ يفصل ما يزيد عن ميل واحد (حوالي 1.6 كم) فقط من المياه بين الممرين، فهما يُعتبران مفيديْن جداً لحركة النقل الدولية ولكن لا يتم استخدامهما من قبل السفن المحلية الصغيرة وسفن الصيد. وتعبُر المضيق أكثر من ستين سفينة تجارية يومياً، كما يستخدم هذا الطريق العديد من سفن الركاب السياحية أيضاً.
التهديدات
شن المتمردون الحوثيون هجمات على سفن حربية في المضيق أو على مقربة منه في أربع مناسبات على الأقل منذ الخريف الماضي. ففي الأول من تشرين الأول/أكتوبر، ألحقت صواريخ موجّهة مضادة للسفن أُطلقت من الساحل الخاضع لسيطرة الحوثيين أضراراً جسيمة بسفينة “سويفت” التي تشغّلها الإمارات كمهبط للقوات ومركز للخدمات اللوجستية. وخلال الأسابيع التالية، نجحت المدمرة “يو أس أس ميسون“ بردّ ثلاثة اعتداءات مماثلة. وأطلقت البحرية الأمريكية صاروخ “توماهوك” لضرب مواقع الرادار الساحلية التي ربما تكون قد جمعت المعلومات اللازمة لتنفيذ الهجمات. ومنذ ذلك الحين، لم يتمّ الإبلاغ عن أي هجمات بصواريخ مضادة للسفن، لكن يمكن إعادة بناء مواقع الرادار؛ كما أنه لم يتمّ تدمير مخازن الحوثيين التي تحتوي على صواريخ مماثلة، لذلك يبقى التهديد قائماً.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، برزت تهديدات إضافية من المحتمل أن تؤثر بالفعل على أنماط الشحن الدولي. ففي التحذير الصادر مؤخراً عن الحكومة الأمريكية حول الألغام في باب المندب، نصحت السفن بعبور المضيق خلال [ساعات] النهار فقط. وتشتهر الألغام السلكية بأنها قد تُفك من أسلاكها وتُطلق، مما قد يزيد الخطر المحدق بكافة السفن في المنطقة.
وبرز تهديد آخر عندما تمّ ضرب فرقاطة سعودية قبالة ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين في 30 كانون الثاني/يناير. وبعدما اعتُقد في بادئ الأمر أن الاعتداء تمّ بواسطة زورق سريع على متنه انتحاري، يُفترض حالياً أن الاعتداء تمّ عبر طائرة بدون طيار يمكن التحكم بها عن بعد تشبه النوع الذي يستخدمه المهربون الإيرانيون لانتشال السلع المهربة من شبه جزيرة مسندم العُمانية في مضيق هرمز، الذي يعد ممراً مزدحماً في الخليج. وتملك الإمارات العربية المتحدة أيضاً طائرة مماثلة (تستخدمها للتدريب على الرماية)، لذلك يمكن تصوّر تنفيذ الهجوم من قبل زورق إماراتي ضلّ طريقه واستحوذت عليه إيران. وتتعرض السفن الحربية الأمريكية التي تعبر مضيق هرمز بشكل متكرر لمضايقات من الزوارق الصغيرة التابعة لـ «القوات البحرية لفيلق الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، لكن الزوارق السريعة غير المأهولة المستخدمة كسلاح، المعروفة في السياق العسكري بالآليات البحرية من دون طاقم، تغيّر الوضع الخطر ليصبح تهديداً حقيقياً. ولا يمكن تعطيل آلية بحرية مهاجمة من دون طاقم إلا على مسافة من هيكل السفينة الحربية، وهي مهمة قد تكون صعبة بشكل استثنائي خلال هجمات “احتشاد“ تنفّذها عدة زوارق.
فضلاً عن ذلك، إن معرفة إيران بالعبوات الناسفة الخارقة تعني أننا قد نرى مثل هذه التكنولوجيا قريباً في البحر. لحسن الحظ، إن صعوبة وضع مثل هذه المتفجرات المحددة الأهداف عن بعد ضد هيكل سفينة مستهدفة تخفف من بعض المخاطر؛ وقد يفسّر ذلك سبب الأضرار الطفيفة التي نتجت على ما يبدو عن الهجوم الذي وقع في 30 كانون الثاني/يناير، على افتراض وجود عبوة ناسفة خارقة على متن السفينة. مع ذلك، بإمكان آلية بحرية من دون طاقم – محمّلة بعبوات ناسفة خارقة تعترض دفاعات سفينة ما – أن تُغرقها.
ردود الفعل
لا بدّ من مواجهة أي هجمات مستقبلية بالصواريخ الموجّهة ضد السفن الأمريكية، بضربات إضافية على مواقع المراقبة بالرادارات وغيرها من المنشآت الموضوعة على الساحل. يجب على قدرات الاستطلاع التي تقوم بدوريات على الشواطئ وبالقرب من الموانئ وفي الممرات المائية في اليمن أن تكون جاهزة وقادرة على اعتراض الصواريخ الموجّهة التي تهدّد بشكل كبير عمليات الشحن والقوات البحرية. كما أن أي مواقع مكتشفة لتخزين الألغام يمكن أن تكون هدفاً قيماً.
وفي غضون ذلك، يتعيّن على الولايات المتحدة زيادة التدريب العسكري والتكتيكات ونقل الإجراءات إلى [القوات] البحرية السعودية والإماراتية، مستخدمةً الخبرة الدفاعية الطويلة الأمد للبحرية الأمريكية ضدّ تهديدات الزوارق الصغيرة. ومن شأن تحسين منظومات الأسلحة على متن السفن والمروحيات المخصصة للاشتباك المتوسط المدى على سطح المياه أن يساعد [قوات] التحالف بقيادة السعودية على تعزيز قدرة سفنها على مقاومة تلك التهديدات، على الرغم من أن عمليات النقل من هذا القبيل والتدريب المرتبط بها تستغرق بعض الوقت.
ينبغي النظر أيضاً في مهمة تعاونية لإزالة الألغام. يُذكر أن مثل هذه الجهود المشتركة ليست جديدة في المنطقة – ففي عام 1984، على سبيل المثال، أَبلَغت العديد من السفن عن وجود ألغام بين قناة السويس وباب المندب، الأمر الذي أدّى إلى إطلاق حملة تدابير دولية مضادة للألغام. وبعد القيام بالكثير من عمليات البحث، تم العثور على عدد من الألغام يعود تاريخها إلى الحرب العالمية الثانية، غير أن كاسحات ألغام بريطانية اكتشفت أيضاً لغماً سوفياتياً متطوراً تمّ وضعه حديثاً آنذاك، وعُزي لاحقاً إلى عبّارة ليبية.
ومنذ عام 2012، تقود البحريتان الأمريكية والبريطانية “التدريب الدولي السنوي على التدابير المضادة للألغام” في الخليج الفارسي/العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر، ذلك التدريب البحري الذي يُعتبر حالياً الأكبر من نوعه في العالم. ففي عام 2016، شاركت فيه ثلاثين دولة من ست قارات. ويمثّل “تدريب” هذا العام (الذي لم يُكشف بعد عن موعده) فرصة لإرسال إشارة قوية على الالتزام الدولي بتوفير الأمن في باب المندب. وبعدما تردّد الآن أن ميناء المخا عاد إلى سيطرة حكومة هادي، قد تكون إزالة الألغام هناك من المهام التي ستندرج ضمن تدريبات هذا العام، ولكن فقط إذا كانت المنطقة آمنة حقاً. وتشكّل سفن إزالة الألغام المتخصصة جزءاً من الفرق البحرية الأمريكية والبريطانية في منطقة الخليج ويمكن نشرها بسرعة في باب المندب.
بالإضافة إلى ذلك، هناك عدة سفن حربية أجنبية تتمركز بالفعل على مقربة من المضيق. وتوفر جيبوتي قواعد للقوات الفرنسية والأمريكية وللمنشآت العسكرية اليابانية والصينية. وعلاوة على ذلك، تُجري السعودية محادثات لإقامة قاعدة هناك، في حين اختارت دولة الإمارات إقامة قاعدة في ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال (“صوماليلاند”) التي أعلنت استقلالها الذاتي، ولا تزال تابعة للصومال نظرياً. ويُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تملك زوارق دورية مقرها في الجزر الأريترية إلى الشمال مباشرة من المضيق.
الخاتمة
يجب أن تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لوقوع المزيد من الحوادث في باب المندب. ولا بدّ لخطط حالات الطوارئ أن تتضمن خطوات فورية للحفاظ على حرية مرور السفن التجارية وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب اليمني الذي يُقدر عدد سكانه سبعة وعشرين مليون نسمة، يواجه ربعه تقريباً المجاعة وفقاً لبعض التقارير. ومن الصعب تصوّر نجاح أي تدخل من هذا القبيل أو مسعى دبلوماسي موازٍ من دون اضطلاع واشنطن بدور القيادة فيه.
كوماندر جيرمي فوغان، و سايمون هندرسون
معهد واشنطن