قبل ألف يوم بالتمام والكمال.. كانت البداية.. هجوم موسع ضم نحو 700 مسلح من عناصر تنظيم “داعش” الذي لم يكن اسمه قد برز بقوة بعد، انطلقوا من حي 17 تموز نسبة لانقلاب 17 تموز 1968 الذي اتي بالبعثيين للسلطة بالعراق، والواقع غربي الموصل، وغير التنظيم اسمه إلى حي الفتح،
الهجوم الذي وقع في العاشر من حزيران / يونيو 2014 وحمل اسم (غزوة البيلاوي) انتقاما لمقتله على يد القوات العراقية، أرخ لبداية سيطرة داعش على الموصل..
من هو البيلاوي؟
اسمه الحقيقي عدنان اسماعيل نجم الدليمي، وكنيته عبد الرحمن البيلاوي، مواليد 1973، خريج الكلية العسكرية العراقية الأولى الدورة 77، وكان يحمل رتبة مقدم في الحرس الجمهوري ابان سقوط نظام صدام حسين في نيسان/ابريل 2003.
وبحسب مصادر امنية عراقية، فان البيلاوي كان قد انخرط في صفوف تنظيم القاعدة في بدايات تأسيسه بالعراق، وتدرج بالمناصب، لعل ابرزها منصب الحاجب الخاص لأبي مصعب الزرقاوي، زعيم التنظيم، وكان يحضر اغلب الاجتماعات بصفته كاتم اسرار ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل في غارة جوية أمريكية شرقي العراق في 2006.
بعد مقتل الزرقاوي، شغل البيلاوي منصب قائد عمليات الأنبار لتنظيم القاعدة، إلى أن تم اعتقاله من قبل الاميركان عام 2007، وتم نقله إلى سجن ابو غريب في بغداد، لكنه تمكن من الهرب من سجنه، واختفى عن الانظار الى ان ظهر بسوريا، ثم عاد الى العراق لمحافظة نينوى، واستقر بالموصل، واستعاد اتصالاته ونشاطاته الارهابية بعد ان انخرط في تنظيم داعش، وبسبب خبراته وعلاقاته مع قيادات التنظيم، شغل منصب القائد العسكري للتنظيم، لكن تمت تصفيته بهجوم مباغت على منزله في حي الاصلاح الزراعي وتم قتله بعد ان حاول مقاومة عملية اعتقاله.
مقتل البيلاوي، بحسب مصادر امنية كان احد اسباب سقوط مدينة الموصل، ثاني اكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد.
الهجوم الذي حمل غزوة البيلاوي، انتقاما لمقتله، حقق نتائج لم يتوقعها داعش، حيث انهارت القوات الامنية العراقية في مشهد متسارع وبسط التنظيم سيطرته عليها في الحادي عشر من حزيران/يوليو 2014.
الصحفي أحمد الملاح، وهو من أبناء الموصل وعاصر الاحداث يقول للاناضول “شهدت الموصل في الفترة بين اعوام 2009 – 2012 فترة إستقرار امني نسبي في المدينة، فتدفقت الإستثمارات وتحركت عجلة البناء بشكل ملحوظ لكن الأمر لم يدم طويلاً”.
واضاف “تعنت المالكي (نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي السابق) وتعامله بعبثية وحالة من الإستفزاز المتكرر مع خطر داعش دفع الوضع الأمني للتدهور وصولاً للنقطة القاسية التي دخل العراق فيها نفق داعش المظلم”.
ولفت الملاح الى ان “الموصل كانت اكبر المدن العراقية التي سيطر عليها داعش، حاول في بداية الامر خداع الاهالي بفتح الطرق وترك الناس على سجيتهم بخطاب ديني لين، لكن ما لبث ان تحولت اعمدة الإنارة في شوارع الموصل لمصالب لتعليق جثث المدنيين وتحولت الساحات العامة لمسالخ لقطع الرؤوس، ولم يسلم منهم اي مكون من مكونات المدينة”.
وتابع “تعرضت المدينة خلال الالف يوم لمحاولة طمس الحضارة بشكل ممنهج فتم تفجير المساجد التراثية بشكل متسلسل، ثم الأثار والمتاحف ولم ينتهي الأمر هنا بل وصل للكتب والثقافة، فتم احراق المكاتب العامة والخاصة”.
ويرى الملاح ان “اكبر ما حاول القيام به التنظيم هو عملية فصل العقل الجمعي للمدينة عن امتداده العراقي، لكن ذلك فشل بشكل واضح جدًا”.
وقال أيضا ان “المدينة رغم كل الدمار الحاصل ما يزال هناك امل يحتاج لنقطتين، اولا، قيادة موحدة تمنع الاحتراب لما بعد داعش، وعملية اعمار حقيقية تضرب فيها حيتان الفساد ويسمح للموصليين ببناء مدينتهم من جديد بدعم من بغداد ومن المجتمع الدولي”.
الخراب وانعدام الخدمات لا يمكن ان يغيب عن ناظر من يزور المدينة اليوم وتحديدا الجانب الشرقي المحرر قبل بضعة اسابيع، فالوجوه اغلبها واجمة وتترقب الاحداث، في ظل نسبة بطالة غير مسبوقة بسبب توقف معظم مفاصل الحركة التجارية والصناعية فيها.
ويقول غزوان الداؤودي رئيس لجنة حقوق الانسان بمجلس محافظة نينوى للاناضول ان “تنظيم داعش الارهابي ارتكب جرائم بشعة بحق اهل الموصل منذ سيطرته على المدينة واطرافها”.
واضاف “نحن حاليا لا نملك الارقام الدقيقة حول جرائمه بحق اهالي الموصل واطرافها، لكنه اعدم الالاف من السكان بحجج وذرائع مختلفة، ابرزها كان تهمة التواصل مع القوات الامنية العراقية”.
ونوه الداؤودي الى ان “مستوى الحريات في مدينة الموصل تراجع الى الحضيض ابان سيطرة داعش على المدينة، حيث كان يمنع او يحرّم استخدام الموبايل والانترنت والتدخين كما حرّم ارتداء ملابس رياضية تحمل شعارات لاندية رياضية او شركات عالمية عملاقة، وكان يعاقب من يخالف اوامره باشد العقوبات”.
اما الاعلامي الموصلي احمد محمد محمود، احد اعضاء مركز نينوى الاعلامي، قال للاناضول “الموصل مدينة منكوبة شرد اهلها منها، ومن بقي منهم تعرض لكافة انواع الذل والمهانة، وكل يوم من الـ1000 يوم يمضي قدما تعود فيه المدينة 100 سنة الى الوراء حتى اصبح حال المدينة اشبه بالعصور الحجرية”.
واضاف “داعش دمر البنى التحتية للمدينة، وسلب تاريخها وسرق اثارها، وبالنسبة لاهلها فعذب وقتل بابشع الطرق التي هي بعيدة جدا عن الدين الاسلامي”.
وحول رؤيتهم لمستقبل المدينة وابرز مخاوفهم، افاد محمود بالقول “لا احد يعلم او يستطيع توقع المستقبل، لكن لن يكون هناك حل وسطي اما الاصلاح واما الدمار ، بينما ابرز مخاوفنا هي اشعال فتنة الطائفية في المدينة” بعد تحريرها من داعش.
في مخيم حسن شامي، شرقي الموصل بنحو 35 كلم.. تمتد الخيام التي يقطنها نازحون من الموصل.. يقول محمد عماد اللهيبي (35 عام) للاناضول “يمكن ان نتحدث عن بدايات ما اصاب الموصل، لكن لا نهاية لهذه الماساة التي يتحملها الساسة العراقيون بضمنهم ساسة الموصل انفسهم”.
اللهيبي يرى انه بعد طرد داعش المرتقب من المدينة، “يمكن اعادة اعمار الجدران والبيوت والمؤسسات، لكن الانسان الموصلي كيف يمكن اعادة تاهيله وهو الذي راى مشاهد الذبح والقتل والجثث المرمية بالشوارع طوال الاعوام الماضية”.
ويضيف اللهيبي، “الموصل صارت خراب، وجهها تغير بشكل سريع، كأنها باتت امراة عجوز”
صحيفة الغد