تتطلع تركيا بقلق لتنامي ثقة الجماعات الكردية في سوريا، التي تشعر أنّ واشنطن تقف خلفها في هذا الوقت بثبات أكبر من ذي قبل. ويأمل الأكراد أن يفيد هذا التطور طموحاتها في نهاية الأمر لنيل الحكم الذاتي.
وأثار صعود القوة الكردية في شمال سوريا انزعاج أنقرة التي ترى في هذه الجماعات الكردية امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا على الأرض التركية منذ أكثر من 30 عاما.
وفي انتقاد موجه لواشنطن قال بن علي يلدريم، رئيس وزراء تركيا، إن من المؤسف أن بعض حلفاء تركيا اختاروا وحدات حماية الشعب الكردية السورية شريكا لهم في الحرب على الدولة الإسلامية في سوريا. وأضاف مسؤول تركي كبير “الساحة في سوريا في الوقت الحالي معقدة للغاية حقا”، مشددا على طبيعة الأحداث سريعة التغيّر والحاجة الماسة للاتفاق. وأضاف “أيّ شيء يمكن أن يحدث في أيّ لحظة”.
وقال المسؤول التركي “مثل هذه الخطوة القاسية باستبعاد تركيا تماما هناك ستسبّب مشكلة في العلاقات بين البلدين. ومن ثم فلا بد من إيجاد قاسم مشترك. ولا تزال المحادثات مستمرة”.
خيبة أمل
كانت تركيا قد سيطرت على مساحة من الأرض السورية على حدودها الجنوبية منذ أن بدأت عملية درع الفرات في أغسطس 2016. وكان هدفها الرئيسي هو منع إنشاء ممر تحت سيطرة الأكراد تخشى أن يهدد أمنها.
وأملت أنقرة أن تعزز إستراتيجيتها في شمال سوريا بإقناع واشنطن بالتخلي عن حلفائها الأكراد، وتحويل الدعم لجماعات الجيش السوري الحر من أجل شنّ الهجوم النهائي على الرقة المعقل الرئيسي لتنظيم الدولة الإسلامية في شمال سوريا. غير أنّ الآمال في تحقق ذلك تضاءلت في الأيام الأخيرة.
وظهرت أهداف متباينة للجانبين الأميركي والتركي بوضوح في منبج التي تسيطر عليها قوات متحالفة مع الأكراد منذ أن انتزعت السيطرة عليها من تنظيم الدولة الإسلامية في العام الماضي. وتم نشر قوات أميركية هناك الأسبوع الماضي لردع أيّ هجوم قد تهدد به تركيا.
وأوضح وزير الخارجية التركي مولود تشاووس أوغلو الحساسيات التركية من وجود الجماعات الكردية المسلحة في مدينة منبج التي تعتبرها أنقرة الوصلة التالية في إقامة منطقة آمنة تخلو من النفوذ الكردي غربي نهر الفرات.
ونقلت قناة “إن.تي.في” التلفزيونية عن تشاووس أوغلو قوله “لن نسمح بتحقق أحلام وحدات حماية الشعب (الكردية) في إقامة كانتون لها. وإذا ذهبنا إلى منبج ووجدنا حزب الاتحاد الديمقراطي هناك فسنهاجمه”.
وزاد من الغضب التركي تصريح أدلى به قائد أميركي كبير دافع من خلاله عن وحدات حماية الشعب، حين قال إنه لم ير أيّ دليل يربطها بهجمات على تركيا، مشيرا إلى وجود دور ما لها في الهجوم النهائي على الرقة التي يغلب العرب على سكانها.
وازدادت الروابط العسكرية الأميركية مع وحدات حماية الشعب منذ أن قدّم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة دعما جويا لهزيمة الدولة الإسلامية في مدينة كوباني الكردية على الحدود التركية قبل عامين.
وتحارب وحدات حماية الشعب الآن ضمن تحالف يطلق عليه اسم قوات سوريا الديمقراطية يضم عربا متحالفين معها، وهي الآن الشريك الرئيسي لواشنطن في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وبدعم جوّي من قوات التحالف وقواته الخاصة على الأرض عملت قوات سوريا الديمقراطية تدريجيا على محاصرة الرقة منذ نوفمبر 2016. وهذا الأسبوع قطعت هذه القوات آخر طريق رئيسي من الرقة يؤدي إلى معقل المتشددين في دير الزور.
وبخلاف الجيب الذي تسيطر عليه تركيا على الأرض، تسيطر وحدات حماية الشعب وجناحها السياسي حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق في شمال سوريا حتى الحدود مع العراق. كما تسيطر على ركن في الشمال الغربي لسوريا على الحدود التركية.
وقال المسؤول الكردي السوري آلدار خليل، إن الأحداث الأخيرة تظهر أن واشنطن تقول لأنقرة “تلك هي حدودكم”. وأضاف في مكالمة هاتفية مع وكالة رويترز من مدينة القامشلي التي يغلب عليها الأكراد في شمال شرق سوريا “يبدو أن الأميركيين حسموا رأيهم”.
درع الفرات لم تنته
توقع خليل دورا سياسيا أميركيا في نهاية الأمر مع الجماعات الكردية السورية وهو ما تحاشته واشنطن إلى حد بعيد حتى الآن. واتساقا مع الرغبات التركية لم يتم حتى الآن إشراك حزب الاتحاد الديمقراطي في محادثات السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة في سوريا.
وقال خليل “فلنقل إن داعش انتهى غدا، وسوف ينتهي، فماذا عن الحل السياسي. ألن يسألوا ما هو الحل؟ وهو يحتاج خطة وأكثر الخطط منطقية هي اتحاد فيدرالي قائم على الجغرافيا لا على العرق أو الدين”.
وكانت واشنطن أبدت معارضتها لإقامة مناطق حكم ذاتي بقيادة الأكراد في شمال سوريا رغم دعمها العسكري لوحدات حماية الشعب. وتهدف الجماعات الكردية إلى الحفاظ على حكمها الذاتي في إطار نظام حكم فيدرالي تقول إنه السبيل الوحيد لتسوية الصراع. وتقول تلك الجماعات إن الاستقلال ليس هدفها.
ومازالت تركيا تأمل أن تضطر واشنطن للاعتماد على دعمها بطريقة أو بأخرى في الهجوم النهائي على الرقة. ووفقا لتصوّر نشرت تفاصيله في صحيفة حريت التركية، يتم نشر قوات تركية خاصة إلى جانب قوات أميركية خاصة وجماعات الجيش السوري الحر والوحدات العربية في القوات السورية الديمقراطية وقوات كردية عراقية.
غير أن مثل تلك الخطة تحتاج لتفادي العداء بين قوات سوريا الديمقراطية وقوات الجيش السوري الحر التي سبق أن تقاتلت في شمال سوريا من حين لآخر منذ أكثر من عام، وكذلك العداء بين الجماعات الكردية الرئيسية السورية والعراقية.
وبعيدا عن ساحة المعركة لا يستطيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يظهر بمظهر من تعرّض للإقصاء في حملته لتأمين الحدود التركية. فهو مقبل على استفتاء في أبريل على صلاحيات جديدة كاسحة يرى أنها ضرورية لتصدي بلاده لأيّ امتداد لأعمال العنف من سوريا. ومن المقرر أن يتوجه أردوغان الذي يعدّ من أشد منتقدي الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو الجمعة لإجراء محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين.
لكن، حتى الدعم الروسي غير مضمون، حيث سبق أن استقبلت موسكو وفدا كرديا. ويمكن للعلاقات الروسية التركية التي انقطعت لمدة أشهر إثر إسقاط تركيا طائرة عسكرية روسية، أن تشهد توترا أو خلافات جديدة لن تكون في صالح تركيا، التي تجد نفسها اليوم في موقف صعب، وهي ولئن حققت بعض التقدم على المدى القريب، فإنها على يقين بأنها ستواجه خطرا كرديا داهما على المدى البعيد.