الهدوء الذي يسود منذ أكثر من عقد على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل أصبح تحت تهديد موجة من التحذيرات النيرانية من كلا الجانبين، حتى أعرب عديدون عن مخاوف من احتمال اندلاع حرب أخرى بين الدولة اليهودية وبين تنظيم حزب الله اللبناني في وقت قريب.
وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، هدد بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي إذا شنت إسرائيل هجوماً. ومن جهتهم، حذر مسؤولون إسرائيليون من أنه سيتم ضرب لبنان كله إذا هاجم حزب الله إسرائيل.
وفي الأثناء، استمر احتمال أن نشوب حرب بين لبنان وإسرائيل، والتي تكون تدميرية بالنسبة للجانبين، في تشكيل عامل ردع، لكنه يظل عرضة بشكل خطير لسوء حسابات قد يتصاعد بسرعة إلى صراع قبل أن يستطيع كلا الجانبين كبحه.
تقول رندة سليم، الباحثة في معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، والخبيرة في شؤون حزب الله: “لا أعتقد أن اندلاع (حرب) هو أمر وشيك. لكن ارتكاب أخطاء بسبب سوء الحسابات وإرسال رسائل خاطئة قد يحدث. وعلى الرغم من خطاب نصر الله المتبجح، فإن حزب الله لا يتمتع الآن بوضع يمكنه من شن هذه الحرب. كما إن إسرائيل لا تستطيع النهوض بكلفة تحدي نصر الله بتنفيذ تهديده بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي. نظام الردع المتبادل العامل على الحدود الإسرائيلية اللبنانية مفيد لكل من إسرائيل وحزب الله، ولا أعتقد بأن أياً من الجانبين مستعد بعد لإنهاء العمل به”.
كان الذي أثار التهديدات الأخيرة المتبادلة هو إشارة إدارة ترامب الجديدة إلى نيتها كبح نفوذ إيران، راعي حزب الله، في الشرق الأوسط. ولكن، على ضوء النفوذ الموسع الذي تتمتع به إيران في سورية والعراق، وإلى حد أقل في اليمن، فإن الجهد الأميركي الجديد لوقف نفوذ الجمهورية الإسلامية يمكن أن ينطوي على تعقيدات تتعلق بالهدف الأكثر إلحاحاً، والمتمثل في إلحاق الهزيمة بخلافة “داعش” المعلنة ذاتياً، ومن الممكن أن يتسبب بضربة ارتدادية محتملة ضد المصالح الأميركية تنفذها مجموعات مدعومة من إيران في عموم المنطقة.
استهداف مجموعات متشددة عدة
يوم الثلاثاء، قامت وزارة الدفاع الأميركية بتسليم البيت الأبيض خطة مبدئية لهزيمة “داعش” -والتي قال ترامب إنها تعد أولوية عليا للسياسة الخارجية. وبينما يظل التقرير سرياً، قالت بعض التقارير إن التوصيات تضمنت توسيع المدى ليشمل المجموعات المتشددة الأخرى العاملة في الشرق الأوسط، ومن بينها تنظيم القاعدة -وربما حزب الله.
وكان الجنرال جوزيف دنفورد قد أدلى بتصريحات في الأسبوع الماضي، والتي وصف فيها إيران بأنها “نفوذ ماكر” في المنطقة، وهو ما ألمح إلى نهج أوسع إطاراً، والذي يشمل تهديدات عبر إقليمية في الشرق الأوسط.
وقال لجمهور في معهد بروكينغز في واشنطن يوم الجمعة قبل الماضي: “لديهم (الإيرانيون) حرب إنابة شرسة جداً. ونحن نرى ذلك في اليمن ونشاهد نفوذهم في سورية. كما نشاهد نفوذهم الشرير في لبنان وفي العراق وباقي أنحاء المنطقة”.
أدى التركيز المتجدد على النشاط الإيراني في الشرق الأوسط إلى صعود بعض الخطاب المتشدد على جانبي الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
وقد سعى نصر الله إلى تعزيز قدرات الردع عند تنظيمه من خلال التهديد باستهداف المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، في جنوب إسرائيل، ومرافق تخزين الأمونيا في حيفا في الشمال، إذا هاجمت إسرائيل لبنان. وقال نصر الله للقناة الأولى في التلفزيون الإيراني إنه بينما لا يسعى حزب الله إلى الدخول في صراع مع الدولة اليهودية، فإنه “يجب على إسرائيل أن تفكر مليون مرة قبل شن أي حرب على لبنان”.
وفي المقابل، استخف وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بتحذيرات نصرالله. وقال: “الكلب الذي ينبح لا يعض”. وقال وزير إسرائيلي آخر: “سيتم ضرب لبنان عن بكرة أبيه” إذا هاجم حزب الله.
حرب أكبر بكثير من الحرب الأخيرة
على الرغم من هذه المواقف، يفهم كلا الجانبين أن مدى الحرب التالية سيقزم تماماً الحرب الأخيرة بينهما في العام 2006. وقد ساعدت هذه الحقيقة القاتمة في ضمان 10 أعوام من الهدوء النسبي على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ومع ذلك، يظل احتمال تهديد سوء الحساب من جانب أحد الطرفين كفيلاً بأن يحول الهدوء على وجه السرعة إلى عنف. وكانت إسرائيل قد دفعت بالأمور نحو التصعيد أكثر مما فعل حزب الله في الأعوام الأخيرة، حين أقدمت على اغتيال عناصر من حزب الله، وحين شنت غارات جوية في سورية على مستودعات أسلحة أو قوافل مشكوك في أنها مرسلة إلى المجموعة اللبنانية. لكن حزب الله ما يزال يبدي حذراً في ترتيب عملياته الانتقامية لتوجيه صفعة إلى إسرائيل، بحيث لا تكون قوية كفاية لقلب “ميزان الرعب”.
في العقد الماضي، توسعت المجموعة اللبنانية بشكل ضخم من حيث القوى العاملة والأسلحة والخبرة. ومنذ العام 2012، تعلم مقاتلو حزب الله شكلاً جديداً من مهارات المعارك في سورية حيث تدخلت المجموعة للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد.
ويقول قائد مخضرم في حزب الله كان قد خدم نوبات عدة في سورية، إن حزب الله قد أصبح اسماً صغيراً جداً بالنسبة إلى ما أصبحت عليه المجموعة. ويضيف: “يجب أن ندعى جيش الله”.
ومع كسب نظام الأسد يداً أعلى في الصراع العسكري في سورية، يخشى البعض في إسرائيل من أن يعيد حزب الله انتباهه إلى العدو الرئيسي.
وكتب غيورا ايلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في صحيفة يديعوت أحرونوت اليومية الإسرائيلية في الأسبوع الماضي: “حقيقة أن التنظيم يعرف بأنه من الجانب الكاسب ستعطيه المزيد من الثقة في قدراته على نقل القتال في اتجاه عدوه الرئيسي -إسرائيل”.
ومن بين التكتيكات التي يمارسها حزب الله في سورية، هناك عمليات الهجوم المعاكس التي تعزز وجهة النظر التي تقول إنه في الحرب التالية، سوف تجتاز كوادر الحزب الحدود إلى داخل شمال إسرائيل لنصب الكمائن وشن الغارات، في تطور كانت هذه الصحيفة قد كشفت عنه أول الأمر في نيسان (أبريل) من العام 2008، والذي أشار إليه نصر الله في خطاب له بعد ثلاثة أعوام. ومن ناحيته، يأخذ الجيش الإسرائيلي التهديد على محمل الجد، وقد عزز دفاعاته في الأشهر الأخيرة على طول حدوده الشمالية مع لبنان حيث نصب حواجز اسمنتية عند نقاط تماس محتملة، بل وحفر جوانب الأودية المجاورة للواجهة وحولها إلى جروف عصية على التسلق.
على الرغم من أن الكثير من انتباه حزب الله قد تركز في السنوات الأخيرة على نشاطات التنظيم في سورية، فإنه لم يتخل عن الجبهة مع إسرائيل. والعديد من كبار مقاتليه، خاصة فرق الصواريخ المضادة للدبابات ووحدات الصواريخ، لم يهبوا إلى سورية وآثروا البقاء في لبنان. ويقال أن وحدات من حزب الله ترتدي ملابس مدنية تقوم منذ الشهرين الماضيين بمسح كامل، وإنما هادئ، للحدود اللبنانية الإسرائيلية، حيث تقوم بتدوين قياسات موسعة للشريط المجاور، بما في ذلك المنحنيات المنحدرة، وتلتقط صوراً للدفاعات الإسرائيلية الجديدة على الجانب الآخر من السياج، وفقاً لمصادر في جنوب لبنان. ويشير هذا المسح الذي يعد في جزء منه تخطيطاً تشغيلياً وفي الجزء نفسياً بهدف مضايقة القوات الإسرائيلية التي تراقب من الحانب الآخر من السياج، يؤشر على أن نشاطات حزب الله المعادية لإسرائيل لم تتباطأ على الرغم من تورطه مع سورية.
نيكولاس بلانفورد
صحيفة الغد