يوم 27 شباط (فبراير)، أصدر تنظيم “داعش” شريط فيديو دعائيا منتجا بشكل بارع، والذي يعرض بالتفصيل وللمرة الأولى “مشاهد من حياة المهاجرين من شرق تركستان (أي إقليم شينجيانغ الصيني) في أرض ’الخلافة’”. وهذا الفيديو، الذي يصيح فيه ناشط يوغوري بأن “الدولة الإسلامية” سوف “تسفك الدماء مثل الأنهار” للانتقام من “اضطهاد” بكين للمسلمين في منطقة شينجيانغ الغربية، لا يكتفي بعرض مشهد منمق جداً لتدريب المتشددين اليوغوريين على الأسلحة الثقيلة وعرض لقطات من حياتهم اليومية في “الخلافة”، وإنما يتخلله عرضان لإعدامات وحشية في حق “مخبرين” مزعومين.
في حين أن التهديد المباشر ضد الصين ووحشية الإعدامات هي التي حازت على الكثير من الانتباه، فإن تحليلاً دقيقاً للفيديو يشير إلى شيء أكثر أهمية: الانشقاق الممكن في أوساط المتشددين اليوغوريين.
يوضح الفيديو تكاثف تهديد “داعش” للصين. وفي العام 2014، كان زعيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، قد صرح بأن الصين تقف على قدم المساواة مع دول مثل إسرائيل والهند والولايات المتحدة في “اضطهاد” المسلمين. وأعقب ذلك قيام المجموعة بإعدام مواطن صيني، فان جينغ هوي، في العراق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. ويضيف الفيديو الجديد إلى هذه الفكرة بتقديم أول دليل بصري على وجود متشددين يوغوريين يقاتلون من أجل “الدولة الإسلامية”، ويضيف بذلك وزناً أكبر إلى الادعاءات الصينية بأن المجموعة الإرهابية جندت المئات من اليوغوريين في السنوات الأخيرة.
بطريقة معبرة، يشجب المتشدد الناشط في الفيديو “رِدة” الحزب التركستاني الإسلامي -وهو مجموعة يوغورية متشددة راسخة جيداً، والتي كان لها حضور يعتد به في سورية منذ العام 2012- ويحث المتشدد أعضاء الحزب الإسلامي التركستاني على الانشقاق والانضمام إلى “الدولة الإسلامية”. ويقود ذلك إلى استنتاج مهم: إنه يسلط الضوء على انشقاق ممكن للمتشددين اليوغوريين بين التنظيم الراسخ التابع لتنظيم القاعدة، الحزب التركستاني الإسلامي، وبين “الدولة الإسلامية”.
حتى الآن، شكل الحزب الإسلامي التركستاني أكبر تهديد إرهابي مباشر للصين. وتأسس ذلك على تحالفه الوثيق مع تنظيم القاعدة، وهو ما جاء نتاجاً لنشأة الجماعة في أفغانستان التي كانت تسيطر عليها حركة طالبان في أواخر التسعينيات. وعندما أصبح تنظيم القاعدة نفسه ناشطاً في سورية مع تأسيس “جبهة النصرة” كمنظمة تابعة في كانون الثاني (يناير) 2012، بدأ الحزب التركستاني الإسلامي أيضاً بإصدار أشرطة الفيديو عن الصراع السوري وبنشر المقالات في المجلات، والتي قارنت دائماً بين صراع القوى المناهضة للأسد وبين نضال اليوغوريين في الصين. وبحلول العام 2015، أصبح للحزب التركستاني الإسلامي حضور موثق جيداً في ميدان المعركة في سورية؛ حيث أطلقت المجموعة عدداً من أشرطة الفيديو التي تفصل دورها في القتال في كل من إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب. كما ظهرت تقارير تحدثت أيضاً عن تأسيس مستوطنات مهمة للمقاتلين اليوغوريين وعائلاتهم (الذين أصبح عددهم بالمئات) منذ العام 2014 حول إدلب واللاذقية.
طوال الفترة، ظل الحزب الإسلامي التركستاني حليفاً ثابتاً لتنظيم القاعدة وفرعه في سورية، “جبهة النصرة”، وانتقدت قيادته “الدولة الإسلامية” علناً ورفضت شرعية “الخليفة” البغدادي. ومن جهته، امتدح تنظيم القاعدة الحزب الإسلامي التركستاني بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، أصدر أيمن الظواهري شريط فيديو في تموز (يوليو) 2016 بعنوان “تركستان: الصبر ثم النصر”، والذي أشاد فيه بالحزب الإسلامي التركستاني على نضاله ضد “المحتل الملحد” لـ”تركستان الشرقية” (أي شينجيانغ)، وحث الأتباع على شن الجهاد “في أي زاوية من العالم، أينما يكونون”. ويشكل ذلك الفيديو تأكيداً أن الانقسام بين تنظيمي القاعدة و”داعش” قد شرع الآن في التأثير على الجماعات اليوغورية المتشددة المسلحة.
مع ذلك، يمكن أن تكون لمثل هذا الانقسام تأثيرات متعارضة؛ أحدها يمكن أن يكون إيجابياً بشكل كبير بالنسبة للصين؛ حيث يستطيع الصراع داخل المجموعة، والذي بشر به الفيديو، أن يشتت انتباه المتشددين اليوغوريين ويضعف قدرتهم على شن هجمات ضد الصين أو مصالحها. وفي المقابل، يمكن أن توفر المنافسة بين الحزب الإسلامي التركستاني واليوغوريين المتحالفين مع “داعش” تحدياً هائلاً للصين.
ربما تكون الدينامية الأخيرة قد شرعت في الحدوث فعلاً، كما اتضح في هجوم آب (أغسطس) 2016 على السفارة الصينية في بشكيك، قرغيستان، والهجوم على الملهى الليلي في إسطنبول عشية رأس السنة في العام 2016. وفي أول هذين الهجومين، تبين أن المفجر الانتحاري كان يوغورياً، والذي زعمت السلطات القرغيزية لاحقاً بأنه كان يسافر بجواز سفر طاجيكي وتلقى المساعدة من أوزبكيين لهم صلات بالحزب الإسلامي التركستاني في سورية. وكان الذي ادعى المسؤولية عن هجوم ليلة رأس سنة العام 2016 هو “داعش”، وتعرفت السلطات التركية لاحقاً على المسلح بأنه يوغوري له صلات في سورية.
تشكل هذه التطورات تحدياً كبيراً لبكين. وفي داخل شينجيانغ، ردت الصين على التهديد المتصاعد بعرض للقوة، بما في ذلك المسيرات الكبيرة “لمكافحة الإرهاب” والتي نفذها الآلاف من أفراد الأمن في المدن الرئيسية، مثل أورومتشي، كاشغر، وخوتان. ومع ذلك، وعلى الصعيد الخارجي، فإن مسألة كيف ستؤثر نشاطات الحزب الإسلامي التركستاني، والآن المتشددين اليوغوريين المتحالفين مع “داعش”، على نهج بكين تجاه العراق وسورية، تبقى مسألة غير واضحة. وفي نهاية المطاف، ربما يترتب على بكين أن تتخلى عن انطوائها طويل الأمد تجاه الصراع في كلا البلدين إذا ما أرادت الصين مكافحة التشدد اليوغوري بفعالية.
مايكل كلارك
صحيفة الغد