الحكيم يتهم تركيا بإفشال مشروع المصالحة في العراق

الحكيم يتهم تركيا بإفشال مشروع المصالحة في العراق


بغداد – بات عمار الحكيم زعيم التحالف الشيعي في العراق، مقتنعا بأن مشروع التسوية الذي اقترحه للمصالحة بين الشيعة والسنة في العراق، لم يعد يلقى الاستجابة الكافية من المحيط الإقليمي خاصة بعد لقاء إسطنبول الذي جمع عددا كبيرا من القيادات السياسية السنية، وأثار جدلا واسعا في بغداد.

وقال الحكيم، خلال جلسة خاصة مع صحافيين في بغداد، إن مشروع التسوية الذي تبناه شخصيا، ومرره عبر التحالف الوطني إلى الأطراف السياسية الأخرى، يتضمن حلولا لجميع القضايا الخلافية بين الفرقاء العراقيين، لكن عددا من دول الإقليم ترفض التعاطي معه، لمجرد أنه مشروع عراقي داخلي.

وللمرة الأولى يتحدث الحكيم عن “موقف تركي سلبي” بهذا الوضوح، تعليقا على استضافة أنقرة لقاء تشاوريا للساسة السنة، لينضم إلى منتقدي “التدخلات السلبية في الشأن العراقي” من قبل دول مجاورة.

وقال الحكيم “استقبلت فاتح يلدز السفير التركي في بغداد قبيل انعقاد لقاء أنقرة، وأبلغته أن هذه الخطوة ستؤثر سلبا على العلاقات بين العراق وتركيا، كما أنها ستضر بمصالح جميع الشخصيات العراقية المشاركة في اللقاء”.

وعرف الحكيم بعلاقاته المتوازنة مع قادة دول الإقليم بالرغم من كونه محسوبا في توجهه الطائفي والسياسي على إيران، ولم يسبق له أن وجه انتقادا واضحا لمواقف أي من هذه الدول وقياداتها.

ويوضح الحكيم بأن رد السفير التركي كان بـ”أن دافع أنقرة الوحيد لتنظيم هذا اللقاء، هو مساعدة القيادات السياسية السنية على الاندماج في العملية السياسية في العراق تحت سقف الدستور”.

لكن التوضيح التركي لم يكن كافيا لطمأنة زعيم التحالف الوطني الذي سأل ضيفه، “هل تقبلون أن نستضيف ممثلي أكراد تركيا للنظر في ظروف خلافاتهم معكم”.

وتحدث الحكيم عن “مناورة القيادات السياسية السنية بشأن مشروع التسوية، وما أن وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، حتى ارتفعت سقوف مطالبهم لتصبح تعجيزية”.
عمار الحكيم: لقاء إسطنبول أضر بمصالح الشخصيات السنية المشاركة فيه

ويشير الحكيم إلى الرهان السياسي السني على الإدارة الأميركية الجديدة بشأن توازن نفوذ دول الجوار في العراق، ومواجهة الهيمنة الإيرانية على مراكز القرار في بغداد.

وعاد ليقول، إن “جميع الأطراف العراقية لن تجد بديلا عن مشروعنا للتسوية مهما طال بحثها، وستعود إلى التعامل معه آجلا”.

وأثار لقاء إسطنبول جدلا واسعا في بغداد، وبينما انقسم السنة إزاءه علنا، اقتصر الانقسام الشيعي على الكواليس.

وقالت شخصية سياسية قريبة من أجواء لقاء إسطنبول، إن “أهم القيادات السنية، ترى في الخطوة التركية فرصة أخيرة للالتحاق بركب المشروع الإقليمي المدعوم دوليا، لموازنة النفوذ الإيراني في العراق، وتقوية مناطق الأغلبية السنية”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “لقاء إسطنبول هو التجربة الأولى التي تنجح في جمع شخصيات سنية متخاصمة، مثل سعد البزاز ومحمد الكربولي وخميس الخنجر وإياد السامرائي وأسامة النجيفي”.

ومع هذا لم ينج اللقاء من نقد وجهته شخصيات سياسية سنية، عرف أنها تدور في فلك زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، على غرار أحمد الجبوري وعبدالرحمن اللويزي.

ولا تتردد قيادات بارزة في تيار الأحرار التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في التعبير عن استغرابها من الحملة التي تشنها أطراف شيعية تتقدمها شخصيات في ائتلاف المالكي، ضد لقاء إسطنبول.

وتقول القيادات الصدرية إن الأطراف الشيعية التي تنتقد ذهاب السنة إلى تركيا، تذهب باستمرار إلى إيران لحسم تفاصيل الاتفاق على أبسط الأمور السياسية. لكن الموقف الصدري بقي حبيسا للكواليس، ولم ينتقل إلى الإعلام، بسبب الخشية من تهييج الشارع الشيعي ضده.

ويتطابق الموقف الصدري مع موقف رئيس الوزراء حيدر العبادي من لقاء تركيا، فرغم النقد الذي طال مشاركة وزير التخطيط سلمان الجميلي في اللقاء، بصفته السياسية، إلا أن الحكومة العراقية التزمت الصمت، ما يوحي بعدم اعتراضها.

واعتبر مراقبون أن المشروع الذي طرحه الحكيم لم يكن بالدرجة التي يمكن أن تجذب الأطراف السنية إليه، مشيرين إلى أن الحكيم من خلال مشروعه “التسوية التاريخية” يسعى إلى إعادة إنتاج نظام المحاصصة، مستفيدا من تداعيات الأحداث التي جعلت من العرب السنة الطرف الأضعف في معادلة الحكم.

وقال مراقب عراقي لـ”العرب”، “إن سنة الحكم في العراق وتركيا يسعون إلى استباق الأحداث خشية أن تؤدي الكوارث التي تعرضت لها المدن ذات الغالبية السنية إلى ولادة جيل من السياسيين السنة، هم على النقيض تماما من السياسيين التقليديين من جهة رفضهم لكل السياسات القائمة”.

وأشار المراقب إلى أن تركيا تسعى إلى منبع ولادة هذا الجيل من خلال إعادة إنتاج القيادات التقليدية السنية التي كانت مرضيا عنها من واشنطن في وقت ما، لافتا إلى أنه وبعكس موقف السعودية التي تتحرك بحذر وسط الألغام، فإن أنقرة تسعى إلى تثبيت نظام المحاصصة الطائفية والعرقية من خلال تهيئة طرف سني يحظى بقبول أميركي، وهو ما يشكل استمرارا لمبدأ الحكم القائم الآن في العراق.

العرب اللندنية