قالت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، الثلاثاء، إن الوفد الدبلوماسي الذي زار السعودية مؤخرا عاد بانطباعات إيجابية.
وأشارت على لسان النائب خالد الأسدي إلى أنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي سيعقد على هامش القمة العربية القادمة في العاصمة الأردنية عمّان سلسلة لقاءات مع عدد من الملوك والرؤساء العرب، الأمر الذي فهم منه تلميح بوجود رغبة عراقية في عقد لقاء بين العبادي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز على هامش القمّة التي تعقد نهاية الشهر الجاري.
وجاء كلام الأسدي ليعكس المناخ الإيجابي الذي بات يسود العلاقات السعودية العراقية منذ الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أواخر فبراير الماضي إلى بغداد ولقائه بالعبادي وعدد من كبار المسؤولين العراقيين هناك.
وبدأ البلدان يتجّهان من مرحلة التهدئة التي أطلقتها تلك الزيارة والقطع مع الخطاب السياسي والإعلامي الحاد الذي أفضى إلى سحب الرياض لسفيرها ثامر السبهان من بغداد في صيف 2016 وتقليص تمثيلها الدبلوماسي هناك، نحو الدخول في مناقشة التفاصيل العملية لتحسين العلاقات وترجمة ذلك إلى تعاون في عدّة مجالات تشمل الجانب الأمني وتتجاوزه إلى عملية إعادة إعمار المناطق العراقية المدمّرة بفعل الحرب ضدّ داعش وهي القضيّة المطروحة بقوّة في الوقت الراهن مع اقتراب تلك الحرب من نهايتها.
وستكون عملية إعادة الإعمار وتنشيط الدورة الاقتصادية في المناطق المتضرّرة من الحرب جزءا أساسيا مكمّلا للجهد العسكري في بسط الأمن والاستقرار، لكن العراق المنهك اقتصاديا وماليا جرّاء تراجع أسعار النفط واستشراء الفساد وثقل فاتورة الحرب، سيصطدم بقلّة الإمكانيات، ما يجعل الأنظار تتجه إلى دول غنية مثل السعودية للمساهمة بفعالية في إعادة إعمار البلد، الأمر الذي سيكون أفضل بوابة لإرساء علاقة بين البلدين تقوم على المصالح المشتركة.
وسيمثّل ذلك فرصة لإعادة ربط العراق بالدول العربية بعد فترة من ارتباطه الكبير بإيران عن طريق الطبقة السياسية الممسكة بمقاليد الحكم في بغداد.
ولن يكون بإمكان إيران المأزومة اقتصاديا مجاراة السعودية في تقديم دعم مادي للعراق إذا اتجهت الرياض إلى الانخراط بقوّة في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب على داعش.
وأكدت وزارة الخارجية العراقية وجود رغبة لدى السعودية في المساهمة في إعادة الإعمار والاستقرار للمناطق المحررة من التنظيم، فيما أشارت إلى أن الحكومة العراقية ستضع دراسة كاملة لإنشاء مشروع المجلس التنسيقي بين البلدين الذي اقترحت تشكيله المملكة.
ونقل موقع السومرية الإخباري عن المتحدث باسم الوزارة أحمد جمال قوله إن “زيارة وفد وزارة الخارجية العراقية الذي ترأسه وكيل الوزارة الأقدم نزار الخيرالله كانت إيجابية، حيث أجرى الوفد سلسلة مباحثات مع مسؤولين كبار في وزارة الخارجية السعودية”، مبينا أن “الزيارة ركزت على وضع الخطوط العامة لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأضاف جمال، أن “هذه الزيارة التي جاءت في هذه الفترة تحديدا وبعد زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ستكون كفيلة وفاتحة خير للكثير من الزيارات المتبادلة والتي نأمل أن تكون عالية المستوى”.
وبشأن تشكيل المجلس التنسيقي بين البلدين، أشار جمال إلى أن “الحكومة العراقية ستضع دراسة كاملة لإنشاء هذا المشروع الذي اقترح تشكيله الأشقاء السعوديون”، مبينا أن “المشروع يعتمد في إطاره العام على الوزارات التخصصية كالنقل والطاقة والتجارة، بالإضافة إلى وزارتي الداخلية والخارجية”.
واعترف المسؤول العراقي بوجود اختلافات في وجهات النظر بين العراق والسعودية في عدد من القضايا الإقليمية كالملفين السوري واليمني، مستدركا بأنّ “وجهة نظر كل دولة تعرض أمام الأخرى ولا داعي لأن يتحول هذا الاختلاف إلى حالة من التخاصم السياسي”.
ويقول مراقبون إنّ لحظة التحرّك السعودي صوب العراق، وتوجّه الرياض نحو تحسين العلاقات مع بغداد تمّ اختيارها بعناية، مع اقتراب الحرب على داعش من نهايتها، والتوجّه نحو بدء مرحلة عراقية جديدة لا ترغب المملكة في أن تغيب عن وضع ترتيباتها ما سيفسح المجال مجدّدا لغريمتها إيران إلى المزيد من توطيد نفوذها في البلد.
وتلتقي الرغبة السعودية في الحدّ من النفوذ الإيراني في العراق مع رغبة أميركية مماثلة بدأت إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب عمليا في تجسيدها على الأرض من خلال الإمساك بزمام الحرب على تنظيم داعش في العراق في مرحلتها النهائية، من خلال انخراط في معركة الموصل الدائرة حاليا تجاوز مجرّد تأمين الغطاء الجوّي للقوات العراقية، إلى إرسال قوات خاصّة وخبراء عسكريين للمشاركة في توجيه العمليات العسكرية على الأرض وتحديد مواضع القصف المدفعي وأهدافه.
وبقدر ما يسرّع الوجود الأميركي على أرض المعركة من عملية استعادة المناطق من داعش، فإنّه يحدّ بالمقابل من دور الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في هذه المرحلة المفصلية من الحرب ويقيّد حركتها.
ويحذّر متابعون للشأن العراقي من أنّ مسار تحسين العلاقات بين الرياض وبغداد لن يكون ممهّدا في ظلّ وجود شخصيات عراقية ذات نفوذ سياسي ومالي وحتى عسكري ساهرة على تأمين النفوذ الإيراني في العراق، ومعارضة بالنتيجة لأي تحسّن في علاقات البلد مع محيطه العربي.
وتوقّع نائب سابق بالبرلمان العراقي تحدّث لـ”العرب” طالبا عدم الكشف عن هويته، أن تنخرط شخصيات شيعية عراقية خلال الفترة القريبة القادمة في حملة مكثّفة ضدّ السعودية بهدف إحداث أزمة بين البلدين وضرب مسار التقارب بينهما.
وقال إنّه سيتعيّن على بغداد والرياض إذا أرادتا تأمين مسار تقاربهما أن تغضا الطرف عن الحملات الجانبية وألّا تتعاملا إلاّ مع المواقف الرسمية التي تصدر عن كلّ منهما.