تركيا و “داعش” .. انتهاء شهر العسل

تركيا و “داعش” .. انتهاء شهر العسل

9243c4e6c1fa1938e50087fb954581e0_XL

بعد سنوات من الدعم المباشر، وغير المباشر، الذي كانت وما زالت الحكومة التركية تقدّمه للجماعات والتنظيمات المسلحة في سوريا، عبر الإيواء والتسليح والتدريب والدعم اللوجستي، وحتى التدخّل العسكري المباشر بالقصف المدفعي، وقّعت الحكومة التركية على اتفاقية مع الولايات المتحدة تقضي بتدريب مقاتلين معارضين سوريين “معتدلين” على الأراضي التركية، وبإشراف أميركي وتركي.
هذه الاتفاقية تشكل جزءا من التفاهمات التي تم الاتفاق عليها بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأعضاء في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”- “داعش”، بالإضافة إلى “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”، وهو التحالف نفسه الذي تباطأت الحكومة التركية في الانضمام إليه، عندما رفضت التوقيع على بيان اجتماع جدة الوزاري الذي عقد في أيلول العام الماضي.
وكان البيان الصادر عن اجتماع جدة أكّد شنّ حرب شاملة على التنظيمات الإرهابية، وبآليات محددة، تتضمن وقف تدفّق المقاتلين الأجانب عبر الدول المجاورة.
وتعد الحكومة التركية على رأس قائمة الحكومات المتّهَمة بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة المتواجدة على الأراضي السورية، عبر سماحها بعبور آلاف المقاتلين الأجانب أراضيها باتجاه سوريا والعراق للانضمام إلى تلك التنظيمات المصنّفة كتنظيمات إرهابية، وهو ما عرّض الحكومة التركية للانتقاد العلني، وخصوصاً من قبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عندما اعتبرت في تصريح أن “تركيا تمثل محطة ترانزيت لتدفق مقاتلي داعش إلى سوريا والعراق”، الأمر الذي لم تتوقف الحكومة التركية عن نفيه، ورفضه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً، وعبّر عن ذلك بشكل واضح بقوله، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، أنه جرى ترحيل ألف مقاتل أجنبي حاولوا الالتحاق بتلك الجماعات.
والرقم الذي أعلنه اردوغان هزيل مقارنة بما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية مؤخرا عن بلوغ عدد العناصر الأجنبية المنضمة إلى “داعش” لوحده 20 ألف عنصر، ويدلّ أيضاً على استمرار عبور المقاتلين الأجانب عبر تركيا بعد نفي الحكومة والرئيس لتلك الظاهرة.
ومن جانب آخر، لم تبدأ الحكومة التركية بمنع وصول المقاتلين الأجانب عبر أراضيها إلا بعد ضغوط أميركية، ودولية. وتجلت تلك الضغوط في قراريّ مجلس الأمن الدولي 2170 و2178 الملزمين وأحكامهما المتعلقة بمكافحة تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وقطع سبل تمويل “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية.
وبينما كانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت، منتصف كانون الثاني الماضي، أنها تعتزم إرسال مئات العسكريين الأميركيين لتدريب “المعارضة السورية المعتدلة” بهدف مواجهة المجموعات الإسلامية المتطرفة، أفاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو، قبل أيام، أن العناصر التي سيتمّ تدريبها ستقاتل الجيش السوري و”داعش”، بالإضافة إلى كل الجماعات المتطرفة.
إن العداء الذي تكنّه حكومة “حزب العدالة والتنمية” التركية للسلطات السورية، وإصرارها على “إسقاط النظام”، ليس بالأمر الجديد، لكن الجديد في الموضوع هو الإعلان التركي عن الشروع في تدريب قوات لمحاربة تنظيمات إسلامية في سوريا، وهو ما يُعتبر إعلاناً صريحاً بانضمام أنقرة إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، وهو ما قد يُنهي فترة شهور العسل بين الجيش والاستخبارات التركية من جهة وعناصر “داعش” وغيرهم من التنظيمات الإسلامية من جهة أخرى.
إن الحكومة التركية هي الوحيدة التي كانت قادرة على استرجاع مخطوفيها، البالغ عددهم 49 شخصاً، من أيدي “داعش” بعد دخول التنظيم إلى مدينة الموصل العراقية. وعلى الرغم من قيام “الدولة الإسلامية” بتفجير عشرات المراقد والقبور والقلاع والمساجد في العراق وسوريا، فإن مرقد سليمان شاه، جدّ مؤسس الدولة العثمانية قد يكون الوحيد الذي لم يقم “داعش” بتفجيره، وقامت الحكومة التركية بنقل رفاته في عملية عسكرية من موقعه، الذي يخضع للسيادة التركية حسب اتفاق قديم تركي – فرنسي يعود إلى فترة الانتداب على سوريا، على بعد 100 كيلومتر عن مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها “داعش” إلى قرية أشمة غربي عين العرب التي يسيطر عليها مقاتلون أكراد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول وجود اتفاق بين تركيا والأكراد في الشمال السوري، والذين يسعون إلى تثبيت إدارة ذاتية في المناطق التي يسيطرون عليها، وهو ما ترفضه الحكومة التركية لما له من ارتدادات على الشارع الكردي في الداخل التركي.
إن نقل ضريح سليمان شاه، الذي اعتبره رئيس الوزراء التركي أمراً مؤقتاً، إلى منطقة أعلنت الحكومة التركية السيطرة عليها في شمال سوريا، استبعد آخر مصدر قلق تركي في الداخل السوري. فبعد نقل الضريح لم تعد الحكومة التركية تخشى رد فعل التنظيمات الإسلامية داخل الأراضي السورية على مشاركتها في عمليات التحالف وإعلانها عن اقتراب موعد بدء تدريب “معارضين معتدلين” لقتال تلك التنظيمات.
لكن، تبقى المخاطر المترتبة بعد المشاركة في هذا التحالف على أمن واستقرار الداخل التركي، والتي يزيد من حدّتها وجدّيتها تواجد ما يقارب ثلاثة آلاف تركي ضمن عناصر التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق.

يسار عبد الله

السفير اللبنانية