ما الذي يدفع فتيات صغيرات «قاصرات» للسفر إلى مناطق تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولماذا تترك فتيات متفوقات في دراستهن أمن بيوتهن ورعاية أبائهم ومدرساتهن ويسافرن إلى المجهول. أسئلة تطرح دائما عندما يتم الكشف عن سفر فتيان وفتيات من أوروبا والقتال في صفوف الجهاديين.
وهي أسئلة لم تطرح كثيرا وبالقدر نفسه عندما سافرت فتيات كرديات من أوروبا للقتال ضد حصار تنظيم الدولة لبلدة عين العرب/ كوباني.
وقد طرحت الأسئلة هذه كثيرا في سياق اختفاء ثلاث فتيات مسلمات من شرق لندن، حيث تسكن أقلية مسلمة من أصول بنغالية، وهؤلاء الفتيات هن شميما بيغوم (15 عاما) وكديزا سلطانة (16 عاما) وأميرة عباسي (15 عاما).
ولعل البحث عن مغامرة هو ما يدفع الفتيات والفتيان للسفر، فتنظيم الدولة الإسلامية يمنح المتطوعين أشياء مادية غير «الشهادة» التي كان تنظيم القاعدة يمنحها للمقاتلين في صفوفه. كما أن التواصل عبروسائل التواصل الاجتماعي جعل من مهمة السفر والتجنيد والجذب عملية سهلة لتنظيم يعتمد على «تويتر» و «فيسبوك» لحشد الأتباع إلى صفوفه.
وحتى هذه اللحظة لا يعرف مصير الفتيات الثلاث وأين ذهبن، ولم تكن عائلاتهن تعرف أي شيء عن خطط الثلاث. وحذرت الشرطة البريطانية من المخاطر التي سيتعرضن لها.
وعبر رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية ريتشارد والتون عن قلقه من «عدد الفتيات اللاتي سافرن أو يخططن للسفر إلى سوريا».
ومع أن عدد الفتيات اللاتي سافرن من بريطانيا إلى سوريا لا يزال قليلا مقارنة مع الشبان ولا يتجاوز 50 فتاة مقارنة مع 10- 20 من أوروبا. والسؤال المطروح لماذا يسافرن إلى هناك، فنحن نعرف أن الرجال يسافرون للقتال.
وترى إليزابيث بيرسون في شؤون الدفاع في جامعة كينغز ـ أن الأسباب التي تقف وراء سفر البنات عديدة منها العلاقات الشخصية، فوسائل التواصل الاجتماعي تعتبر واحدة من الطرق التي تجذب البنات لتنظيم الدولة حيث تقوم النساء في مناطقه بجذب الأخريات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ففي كانون الأول/ ديسمبر سافرت فتاة من منطقة بيثنال غرين ـ شرق لندن إلى سوريا لأن صديقة لها قد سافرت قبل ذلك.
وفي صيف العام الماضي سافرت كل من زهرة وسلمى حلاني من مانشستر إلى سوريا للالتحاق بشقيقهن هناك.
وفي بعض الأحيان يمكن للفتيات التواصل مع الجهاديات عبر الإنترنت دون معرفة مسبقة. الدافع الثاني مرتبط بالبحث عن زوج. فالرجال قد يكونون حافزا وراء قرار الفتيات السفر. ففي المانفستو الذي أصدرته «كتيبة الخنساء» وترجم من العربية للإنكليزية ويحتوي على حقوق المرأة في ظل الدولة الإسلامية وحدد دور المرأة بالأعمال المنزلية وخدمة الزوج. ولبعض الفتيات فالزواج من مقاتل يعتبر أمرا جذابا، ويقوم المقاتلون بالبحث وتحديد الفتيات قبل وصولهن لمناطق التنظيم.
وبالنسبة للفتاة فالزاوج هو مغامرة رومانسية في أرض مجهولة. وتقول سارة خان من منظمة «إنسبير» لمكافحة التطرف إن التعارف عبر الإنترنت هو شكل من أشكال التحضير. ولكن التنظيم يريد فتيات يكرسن أنفسهن لقضيته، ومن هنا تتداخل الرومانسية بالحلم المثالي- اليوتوبيا وبناء مجتمع يحكم فيه الإسلام. فالفتاة التي تصل إلى منطقة التنظيم تجد زوجا وبيتا وراتبا شهريا، وبالإضافة إلى هذا فالتزام الفتاة بالأيديولوجيا مرتبط برفضها لسطحية الحياة في المجتمعات الغربية ورفض المساواة بين الرجل والمرأة ومطالب الحركة النسوية، وهو رفض لمظاهر اهتمام الفتاة من «صالونات التجميل» والتسوق.
ومن هنا فمجتمع مثل الذي يبشر به تنظيم الدولة يعتبر بديلا للفتيات اللاتي يشعرن بالعزلة والتهميش في المجتمعات الغربية التي يعشن فيها. ولكن قد يكون الانجذاب للحياة التي يبشر بها الجهاديون قتلا للبراءة وشكلا من السجن، خاصة أن هناك قدرا من العنف يمارس حولهن.
العنف
ومن هنا هل يمكن القول إن العنف هو دافع من الدوافع، ربما تقول بيرسون، ولكن المرأة لا يمكنها الوصول للخطوط الأمامية في القتال مهما كانت غريزتها أو دوافعها، فالقتال هو وظيفة الرجال لا النساء في عرف الجهاديين.
وأيا كانت دوافع الفتيات فقرارهن ترك عائلاتهن وراءهن ودراسة ناجحة وحياة مليئة بالأمل، خاصة ان الأكاديمية التي يدرسن فيها تقول إن الثلاث كن مبرزات وهذا دافع للبحث عن أسباب عائلية ومجتمعية غير بعدي الجذب والبحث عن المغامرة.
ليس فقط الجهاديون
وتناقش في هذا السياق ياسمين ـ البهائي براون في مقالة لها أبعادا إضافية تفسر قرار الفتيات السفر. وترى في صحيفة «الاندبندنت» أنها ليست محصورة في تنظيم الدولة بل وقديمة ترتبط بالثورات والانتفاضات من الثورة الكوبية إلى الحرب الأهلية في سوريا.
وتشير إلى وضع الأقلية المسلمة في شرق لندن حيث كان طموح المهاجرين- خاصة النساء – العمل وتربية أبنائهم كي يصبحوا مدرسين وأطباء ومهندسين.
وتضيف أن مئات من الفتيات المسلمات سافرن إلى سوريا ووضعن مصيرهن في أيدي رجال يتسمون بالعنف. ففي دراسة لمعهد الحوار الاستراتيجي أظهرت أن جماعات مثل تنظيم الدولة يستمتعون باستخدام العنف والوحشية.
وتتقبل الفتيات على ما يظهر عنف وجور الجهاديين، وهذه ليست ظاهرة متصلة بهن فقط بل ولوحظت في السابق وعبر التاريخ. فقد انجذبت النساء إلى حركات مثل الفاشية والشيوعية والحركات الثورية وإلى القتلة السفاحين.
وتقول انها عادت من فيتنام، البلد الجميل الذي عانى حروبا واضطرت النساء للتطوع مع جماعات المقاتلين. وفي كوبا، كانت الفتيات المراهقات يسرعن للانضمام لجماعات المقاومة، وكتب الكثير عن «تضحيتهن الجميلة».
ولكن هل كن يعرفن طبيعة القتال الذي شاركن فيه؟ وتشير هنا إلى كتاب كارين كامبورث «المرأة وعصابات المقاومة» (2002) حيث اقترحت أن الكثير من النساء «كن يردن الهروب من رتابة الحياة البيتية والبحث عن عائلة أخرى وبداية حياة جديدة». وهناك الفتيات اللاتي انجذبن للحركات القيامية.
وفي الثلاثينات من القرن الماضي كان أوزوالد موزلي أحد قادة الفاشية في بريطانيا، فيما قامت جوان بوند، الناشطة الشابة بتمجيد هذا الرجل.
وعندما تزوج من ديان ميتفورد حيث عقد الزواج في غرفة جوزيف غوبلز وحضر هتلر الزفاف. وظلت ديانا وفية للرجل حتى وفاتها عام 2003. وكان لموسوليني عدد كبير من العاشقات المؤيدات. فقد تم تجنيد الشابات في معسكرات تدريب الفاشية «بيكول إيتاليان»، وفي ألمانيا كانت هناك حركة الفتيات الألمانيات.
وترى الكاتبة أن المرأة لا تختلف عن الرجل في رغبتها بالتدمير الذاتي والبحث عن العدمية، فهي تبحث عن التشويق والسمعة والعدوان. فمن تجد منهن الفرصة ليدخلن الجيوش أو الجماعات التي تعبد الشخصية وتقدسها يرافقن القتلة. وفي هذا تكون النساء يبحثن عن الاعتراف، وربما جاءت علاقتهن بالمجرمين ورجال العصابات امتدادا لتمرد المراهقة. وفي أحيان أخرى تكون الفتيات اللاتي عشن طفولة عادية وتلقين رعاية جيدة من أبائهن أكثر عرضة لهذه العلاقة.
وعليه فالجهاديات لا يختلفن عن عينات ثائرة ومتمردة من النساء اللاتي يجدن أمنا في ظل رجال قساة ويتخذون العنف وسيلة للحياة. هل هذا يعني أننا لا نستطيع التكهن أو وقف انضمامهن لحركات هامشية وعنف؟
من المسؤول؟
لعل هذا كان محلا للنقاش في الإعلام البريطاني وأجهزة الأمن التي تجد صعوبة في التكهن بخروج الشبان، خاصة أنهم يخرجون دون إذن من العائلات أو معرفة، وكل ما يتركونه وراءهم هو رسالة أو تغريدة على التويتر كما في حالة الفتيات الثلاث.
وترى صحيفة «دايلي تلغراف» أن الفتيات تم تجنيدهن من الجهادية أقصى محمود التي سافرت إلى سوريا وتحولت إلى داعية نيابة عن التنظيم حيث تنشط عبر الإنترنت. ولأن نشاطات محمود على الإنترنت معروفة للشرطة فلماذا فشلت في وقف الفتيات الثلاث ومنعهن من ركوب الطائرة المتجه نحو إسطنبول.
وتقول الصحيفة إن الحكومة عادة ما تذرعت بعدم توفر الصلاحيات لها التي تسمح بمراقبة واختراق حسابات من ارتبطوا بالجهاديين. ولكن كان لدى الأجهزة الأمنية كل المعلومات التي تقود إلى الفتيات وتؤدي بالتالي لوقفهن. وتشير الصحيفة إلى أن الفتيات الثلاث ينحدرن من عائلات ذات وضع معيشي جيد، وبالتالي لا يناسب القالب الذي يربط أبناء العائلات المحرومة بالتشدد.
ويعتبرهذا بمثابة تحد لمن يريدون بناء استراتيجيات تمنع أو تحد من درجات التشدد بين الشبان.
وما دام الحديث عن منع التشدد وإعادة تأهيل المتشددين فقد تميزت الدنمارك قبل الهجوم على المقهى في كوبنهاغن قبل عدة أيام ببرنامجها الذي فتح الباب أمام المقاتلين في سوريا العودة والاندماج في الحياة العامة، ولكن عبر برنامج مدعوم من الدولة.
برنامج أرهوس
ويظل البرنامج من أكثر المبادرات نجاعة في الدول الاسكندنافية، حسب تقرير في صحيفة «الغارديان».
وجاء البرنامج نظرا لتدفق أعداد من أبناء المناطق الاسكندنافية إلى سوريا، فحسب الوكالات الأمنية هناك حوالي 300 سويدي، 100 دانماركي و70 نرويجيا ممن سافروا إلى سوريا.
ولا يعتبر هذا البلد الوحيد الذي يتدفق إليه الشبان ولكن هناك أعداد من أبناء الجاليات الصومالية في الغرب ممن ذهبوا إلى الصومال وقاتلوا في صفوف حركة الشباب الصومالية.
وأظهر فيلم أعدته صحيفة «الغارديان» قصة عبدي رحمن محمد (24 عاما) سافر من الدنمارك إلى الصومال، حيث نفذ عملية انتحارية أثناء حفلة تخريج عام 2009 وقتل فيها 25 شخصا وجرح 60 آخرون. ونظرا لأعداد المقاتلين الذي سافروا من الدنمارك، أكثر من أي بلد أوروبي بالنسبة لعدد السكان، فقد كانت الحكومة في مقدمة الدول التي بحثت عن طرق لمنع التطرف وتدفق الشباب إلى محاور الحرب.
ويهدف البرنامج «أرهوس» إلى بناء الثقة بين السلطات والدوائر الاجتماعية التي يعمل وينشط فيها المتطرفون، حيث يقوم العاملون في البرنامج على مساعدتهم لتخطي مشاكلهم والعودة من جديد للحياة الطبيعية.
ومع أن هجمات كوبنهاغن جعلت العديد يتساءلون حول أهمية البرنامج الذي بدأ في مدينة «أرهوس» وهي ثاني مدن الدنمارك، إلا أن مفوض الشرطة يورغن إليوم الذي دعم البرنامج يرى أنه مهم للمحافظة على الصلات مع المقاتلين الدنماركيين العائدين من سوريا والعراق والصومال. وقال المسؤول «سنواصل عملنا ومبادرتنا واتصالاتنا».
وقال إنه من الباكر تقييم الآثار السياسية لهجوم كوبنهاغن على البرنامج ولكنه أثبت أنه يعمل. وبناء على النموذج الدنماركي يجري ربط المقاتلين العائدين من الخارج بمشرفين يراقبون تصرفاتهم ويدربونهم، كما يتلقى العائدون علاجا نفسيا، وهو مدخل توصل إلى تصميمه المحلل النفسي في جامعة «أرهوس» بيربين بيرتلسين.
ويدفع البرنامج الجهاديين السابقين للتفكير في قرارهم المشاركة في الجهاد وتقييمه.
وقال ماغنوس رانستروب، مسؤول شبكة التوعية من التشدد التابعة للاتحاد الأوروبي «في الدول الاسكندنافية، تعتبر الدنمارك الرائدة في مجال التدخل لمنع التطرف». وتقدم برامج مكافحة التطرف دعما للعائلات كي تقوم بإنشاء شبكات تدعم بعضها بعضا. وتقوم السلطات بالحفاظ على علاقات مع مسجد غريمهوجفي الذي لا يخفي دعمه للجماعات الجهادية خاصة تنظيم الدولة.
وكانت السويد متأخرة في الرد على مخاطر الجهاديين حيث عينت في الصيف الماضي منسقة وطنية، رئيسة الحزب الاشتراكي السابقة، منى سهلين للتعامل مع المشكلة، مع أن هناك شهية لتشريع قوانين لمكافحة التطرف.
وتعرضت سهلين لهجوم في نقاش تلفازي عندما اتهمت بمنح مرتكبي الجرائم وظائف بدلا من تقديمهم للعدالة. ويعلق رانستروب على الموقف السويدي بأنه يؤخر المشكلة بدلا من مواجهتها والتعامل معها كما تفعل الدنمارك.
وفي النرويج نظمت الحكومة تظاهرة في الصيف شارك فيها رئيس الحكومة و 5.000 متظاهر ضد المتطرفين الذين يقومون باختطاف الإسلام، وحمل المتظاهرون يافطات «ليس باسم الإسلام» و «معا ضد الإرهاب، ومعا من أجل السلام».
وفي الوقت الذي يتواصل فيه البحث الأوروبي عن طرق لمواجهة التطرف يستمر البحث عن مصير الفتيات الثلاث.
إعداد إبراهيم درويش
القدس العربي