لن يطول انتظار إعلان هزيمة «داعش» في الموصل وإعلانها محررة، فالمدينة ساقطة عسكرياً الآن، إلا أن إعلان تحريرها ينتظر قرارات سياسية قد تتخذ خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي واشنطن ولقائه الرئيس دونالد ترامب.
وليس مهماً إعلان تحرير الموصل الآن بمقدار معرفة ماذا بعد التحرير. من سيمسك الأرض؟ كيف ستكون الإدارة المحلية؟ هل هي مدنية أم عسكرية؟ وما مصير عناصر «داعش» المحليين؟ ماذا عن الفارين أو الغائبين وعائلاتهم؟ ما موقف الشخصيات الموصلية التي يعيش بعضها في أربيل وبعضها الآخر في إسطنبول، فيما آخرون مع الحكومة الاتحادية؟ وكيف سيتصرف قادة فصائل «الحشد الشعبي»؟ وما علاقتهم بالحكومة وهم يحملون السلاح؟ هل سيتركون مناصبهم والمال لـ «عراقيي الخارج » الذين تسلموا السلطة من الأميركيين وسكنوا المنطقة الخضراء وسوّروا أنفسهم داخلها؟ وقبل كل ذلك، ما أجندة الأكراد في إقليم كردستان؟ وما تصورهم لوضع الموصل بعد تحريرها؟
أسئلة كثيرة لا أجوبة واضحة عنها. وإذا كان صحيحاً أن ما بعد الموصل أصعب بكثير مما قبلها، إلا أن الصحيح أيضاً أن بوادر الصعوبة ترتسم معالمها قبل إعلان تحرير المدينة، فلدى الفصائل المنضوية في «الحشد الشعبي» تصور للانقضاض علی الحكم، لأنها تری نفسها أحق بذلك من سياسيين وصلوا إلى السلطة بحماية الأميركيين الذين احتلوا العراق في نيسان (أبريل) 2003. «الحشد» يريد تقاسم الكعكة وفق سياقات وخرائط جديدة لا تختلف كثيراً عن السياقات الحالية في المحاصصة الحزبية والفئوية والمناطقية.
وفي هذا الإطار، يحاول التيار الصدري تعزيز مواقعه التي فقد جزءاً منها لمصلحة بقية الفصائل التي انشقت عنه، أو لمصلحة الوعي الذي تتحلى به أوساط من هذا التيار، إلا أن طموح المستفيدين من اسم مقتدى وأبيه محمد صادق الصدر، سيشكل الرقم الصعب في المرحلة الجديدة، وربما كانت التظاهرات التي يدعو إليها هذا التيار تدخل في هذه الحسابات.
أما الأحزاب الشيعية التقليدية، كـ «الدعوة» و «المجلس الأعلی»، باختلاف أطيافها وتشعباتها وانشقاقاتها، فإنها تحاول تعزيز علاقاتها مع الظواهر الجديدة في الوسط الشيعي، السياسي والعسكري، وبالتالي تحاول تنظيم هذه العلاقات بينها، من خلال سلطة المال والمناصب وعلاقات مع الخارج من أجل البقاء حية.
يبقی السنة الذين تمثلهم أحزاب وشخصيات مختلفة وقد خسروا مواقع كثيرة بعد عام 2003، بعضهم لا يريد تصديق ما حدث، ويصر علی حقه في تولي المناصب والمشاركة أكثر في الحكم. وما زال وضعهم يتسم بالغموض حيال مرحلة ما بعد الموصل، فهم يتأرجحون في التحالف مع الشيعة والأكراد، وخلف هذين المكونين إيران وتركيا، إضافة إلی طموحاتهم التي تتقاطع أكثر مع طموحات المستفيدين من الواقع في ما يتعلق بالمناصب والمال.
في ظل هذه الأجواء التي يعرفها الجانب الأميركي أكثر من غيره، تحصل زيارة العبادي واشنطن، والهدف غير المعلن منها وضع اللمسات الأخيرة علی الخطة الأميركية لمرحلة ما بعد الموصل، في ظل التجاذب الحاصل مع إيران التي لديها أكثر من خيار داخل العراق.
لا تفاصيل عن النوايا الأميركية لكن بعض ما يلمَّح إليه يراوح بين العمل على تشكيل إقليم سني والاستقلال الكردي، والمشاركة السياسية التي فهمها عمار الحكيم مبكراً فطرح مبادرة للحل بالتعاون مع الأمم المتحدة لم تلق الاستجابة المطلوبة.
محمد صالح صدقيان
صحيفة الحياة اللندنية