استغل حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي وجوده في واشنطن ليكشف عن سعيه إلى تحجيم ميليشيا الحشد الشعبي في رسالة واضحة على عزمه الانضواء في الخيار الأميركي لتفكيك سيطرة إيران على العراق، ودعم خطوات التقارب مع السعودية وهو ما عكسه لقاؤه مع وزير خارجيتها عادل الجبير في واشنطن.
وأكد العبادي أن الحشد الشعبي لن يسمح له في شكله الحالي بالمشاركة في الانتخابات المحلية (سبتمبر 2017) والبرلمانية (ابريل 2018) في العراق.
يأتي هذا فيما تتحدث دوائر مقرّبة من الحشد عن مشاركة واسعة للميليشيا المرتبطة بإيران في الانتخابات، وأنها قد تتحالف مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لتثبيت سيطرة الأحزاب الطائفية على مجالس المحافظات وعلى البرلمان.
وقال العبادي، في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح اجتماع التحالف الدولي ضد “داعش” بمشاركة وزراء خارجية جميع الدول الـ68 الأعضاء “هناك متطوّعون من أبناء الشعب العراقي شاركوا في القتال من مختلف المحافظات تحت قيادة قواتنا الأمنية من أجل طرد الدواعش…
وقام مجلس النواب العراقي بتشريع قانون الحشد الشعبي الذي يضعه تحت قيادة الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، وتنطبق عليه الأنظمة العسكرية العراقية.
وجاء في خطاب العبادي أيضا “لا يجوز أن تخلط السياسة بالجانب العسكري هذا أمر مهم لأننا مقبلون على انتخابات محلية وبرلمانية ولا ينبغي لفئات سياسية تحمل السلاح أن تشارك في الانتخابات”.
واعتبر رئيس الوزراء العراقي أنه توجد ضرورة لفصل السلاح عن العمل السياسي وأنه “لا يجوز أن يكون السلاح خارج إطار الدولة”، مشيرا إلى أنه و”بحسب الدستور العراقي لا وجود لأيّ جماعات مسلحة خارج إطار الدولة”.
وأكد أن “قانون الحشد الشعبي يأتي بهؤلاء الذين قاتلوا بشجاعة وبسالة وضحوا بأنفسهم من أجل الدفاع عن العراقيين ليكونوا ضمن هذه المنظومة تحت القيادة العراقية”.
وقال مراقبون عراقيون إن العبادي وجد الفرصة مواتية ليعلن من واشنطن عن رؤيته للتعاطي مع ميليشيا الحشد الشعبي التي تحوّلت إلى قوة ضغط عسكرية وسياسية على خصومها، وأراد بذلك التأكيد أنه لا يخضع لسطوة هذه الميليشيا ولا للجهات الداعمة لها.
واعتبر مراقب عراقي في تصريح لـ”العرب” أن وجود العبادي خارج العراق قد يكون حرره من ضغوط أحزاب إيران، ووجد الفرصة لينأى بنفسه عن سياستها وعن حلفائها المحليين.
وأضاف المراقب أن رئيس الوزراء العراقي يعرف أن قوة إيران تكمن في وكلائها المحليين، وخاصة الأحزاب التي تمتلك ميليشيات مسلحة، وأن أفضل طريقة لتفكيك تأثيرها هو تطويق هذه الميليشيات عن طريق القانون، مشيرا إلى أن استيعاب الحشد الشعبي في المؤسسة الأمنية كان خطوة ذكية يستطيع من خلالها العبادي إجبار هذه الميليشيا على عدم لعب أيّ دور سياسي.
وكان مجلس النواب العراقي صوّت في 26 نوفمبر الماضي على قانون هيئة الحشد الشعبي واستيعاب مسلحيها في المؤسسة الأمنية والعسكرية، وأكد العبادي في وقت لاحق على ذلك أن القانون يمنع انتشار السلاح خارج إطار الدولة.
وأكدت مفوضية الانتخابات أن الحشد الشعبي يعدّ “مؤسسة أمنية” لا يمكن تسجيله كياناً سياسياً مشاركاً في الانتخابات المقبلة.
ولم يستبعد المراقب العراقي أن يكون رفض مشاركة الحشد في الانتخابات استمرارا لخطة من العبادي لتفكيك الميليشيا الشيعية التي أجبرته على القبول بدور لها في الحرب على داعش على حساب القوات العراقية.
وكانت وسائل إعلام عراقية كشف أن اتصالات تجري بين قيادات من الحشد الشعبي وشخصيات مقرّبة من المالكي للبحث في صيغة لتحالف انتخابي تعطي للحشد دورا أكبر في المشهد، وتعيد المالكي وتياره إلى الواجهة.
ويسعى الحشد إلى استثمار نتائج الحرب على داعش لفائدته عبر تقوية وجوده في مجالس المحافظات التي سيصبح لها دور أكبر في إدارة الشأن العام، وهو ما أكد عليه العبادي الأربعاء حين أشار إلى اعتماد سياسة اللامركزية في العراق منذ سنتين ونصف وأن الحكومة قامت بخطوات كبيرة من أجل إعطاء المزيد من الصلاحيات للمحافظات.
والتقى رئيس الوزراء العراقي مع وزير الخارجية السعودي على هامش مؤتمر دول التحالف الدولي ضد داعش في واشنطن في ثاني لقاء جمعهما خلال شهر.
وذكر بيان لمكتب العابدي أنه “جرى خلال اللقاء بحث تعزيز العلاقات بين البلدين ومباركة الانتصارات المتحققة على مسلحي تنظيم داعش ودعم العراق في مجال محاربة الإرهاب”.
ونشرت وزارة الخارجية السعودية في تغريدة عبر حسابها الرسمي بموقع تويتر صورة للقاء الجبير والعبادي، وقالت إنَه جرى على هامش اجتماع التحالف الدولي لمحاربة داعش الأربعاء في العاصمة الأميركية.
ويرى المراقبون أن هناك مؤشرات كبيرة تعكس تحسن العلاقات بين البلدين بعد الزيارة التي قام بها الجبير إلى بغداد في الـ25 من فبراير، وتخللتها محادثات مع رئيس الوزراء العراقي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري ومسؤولين اخرين، وهي الزيارة الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ 1990.
وأكد المراقبون أن هذا التقارب المتسارع مع السعودية يكشف رغبة العبادي في الابتعاد عن إيران، وأنه كان يبحث عن دعم عربي للقيام بهذه الخطوة، وهو ما جسدته زيارة الجبير، وتصريحات سابقة لمسؤولين سعوديين وخليجيين عن الرغبة في تقوية العلاقات الثنائية مع العراق.
صحيفة العرب اللندنية