لو حدث هذا المشهد ذاته في اي دول اوروبية لانقلب العالم أجمعه ووضع حدا لهذه “المهزلة “التي اصبحت تشكل خطرا كبيرا ليس على الدولة وشعبها فقط، وانما على تاريخها وثقافتها التي تمتد الى حضارات تتوارث من جيل الى جيل.
ما قام به تنظيم “داعش” الارهابي بتدمير اثار وتماثيل ومقتنيات في متحف الموصل تؤرخ للحقبة الاشورية العريقة قبل الاف السنين , يبين لنا ان “داعش” بدأ بخطوة جديدة من نوعها تهدف الى تدمير الهوية العراقية وحضارتها.
وبكل ما اوتي عناصر التنظيم من قوة وغيظ وكراهية دمروا تللك المعالم الحضارية باشع الطرق والوسائل الى ان اصبحت كفتات رمل لا قيمة لها ولا تصلح حتى لاعادة هيكلتها.
وكالعادة اعرب الكثيرون عن حزنهم لما شهد هذا المتحف من مجزرة لم تكن بالحسبان, لكنهم لم يتخذوا اي قرار او موقف صارم تجاه ما ارتكبه هذا التنظيم المسلح, فقد تابعوا المشهد بأكمله الا انه لم يبق اي تمثال اثري فيه. فقد قال احد عناصرهم ان “”هذه أصنام وأوثان لأقوام في القرون السابقة كانت تُعبد من دون الله”.
وهذه اشارة واضحة الى ان تنظيم “داعش” يحمِّل كاملة المسؤولية للامة الاسلامية بشكل عام وديانة الاسلام بشكل خاص وهذا ما يعكس صورة الاسلام بغير شكلها الصحيح فالدين الاسلامي لا يحرم الاحتفاظ بالتراث,واكدت دار الافتاء في بيان ان “الآراء الشاذة التي اعتمد عليها “داعش” في هدم الآثار واهية ومضللة، ولا تستند إلى أسانيد شرعية”.ولو رجعنا الى تاريخ ما قبل الدعوة الاسلامية لراينا ان الصحابة اتوا الى مصر ابان الفتح الاسلامي وكانت الاهرامات وغيرها التي تعود جذورها الى قوم الفراعنة موجودة فلم يكن هناك اي فتوى شرعية تمس هذه الاثار, واذا اردنا المقارنة بما قام به “داعش” وزمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم نرى ان الاصنام في العصر الماضي كانت مخصصة للعبادة ولا تمثل ارثا حضاريا حيث وضعت كالآلهة حول الكعبة المشرفة في ذاك الوقت وهذا ما تم تحريمه دينيا.
وعلى الصعيد الدولي نددت الدول الاوربية بما حدث ,حيث دعت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) الى عقد اجتماع طارئ حول قضية الاعتداء على الاثار وقالت مديرة المنظمة ايرينا بوكوفا في بيان ان “هذا الاعتداء هو اكثر بكثير من مأساة ثقافية، هذا ايضا شأن امني يغذي الطائفية والتطرف العنيف والنزاع في العراق”. ومن جهة اخرى وصف الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تدمير الآثار “بالجريمة الوحشية التي تفوق الوصف بهمجيتها وبربريتها”، معتبرا ان “هذا الاعتداء الوحشي على التراث الحضاري لشعب العراق يمثل واحدة من ابشع الجرائم التي ارتكبت في هذا العصر بحق تراث الإنسانية جمعاء.”
مخاوف كبيرة من المجزرة التاريخية التي ارتكبها مقاتلو “داعش” خاصة ما تبقى في محافظة نينوى وهذه اشارة الى ان الخطوة المقبلة هي تدمير مدينة نمرود الاثرية في جنوب الموصل كما يكشف لنا عدة حقائق:
- العالم يعلم جيدا ان ما يقوم به التحالف الدولي من شن غارات جوية ما هو الا مسرحية مضحكة فقد مر اكثر من 6 اشهر ولم نر سوى المزيد من جرائم “داعش” على ارض الواقع.
- ما حدث في متحف الموصل يؤكد ان العملية مستمرة وان هدف التنظيم محو التراث الثقافي والحضاري في العالم العربي .
- فشل الولايات المتحدة الامريكية المعروفة بقوتها العسكرية المتينة وطائراتها الحربية وخط دفاعها القوي في القضاء على عناصر تنظيم “داعش” وهذا مؤشر الى ان امريكا متكتمة الافواه وهي قابلة بما يحدث وتريد المزيد من اشتعال الطائفية الا ان تصل العراق الى دولة مهمشة مكسورة الجناح العسكري والدولي .
ويعد متحف الموصل من اقدم المتاحف واهمها في العالم , الذي يحتوى على كمية كبيرة من القطع الاثرية النفيسة تعود للحضارات الاشورية والهلنستية و الاكادية حيث نهب منها بعد الاحتلال الامريكي على العراق عام 2003, بسب نشر الفوضى الامنية وها هو التاريخ يعيد نفسه لكن بطريقة جديدة وبصورة اجرامية على يد تنظيم “داعش”.
اماني العبوشي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية