كلهم يعبثون بآثار العراق

كلهم يعبثون بآثار العراق

لا تصحو العراق من محنة حتى تعاني من أخرى، لكل بلد حظّه من هذا التاريخ المتدافع وحظّ العراق أن يكابد حروباً تترى وتتوالى، وتختلف نسختها فقط، فهي ما بين استبداد إلى احتلال، فاجتياح بربري يخرج بالمظنّة البشريّة عن طور التوقع، إلى ما لا يخطر على عقل، أويطرأ على مخيلة.

 كلنا شاهد ما فعلته قوّات الدولة الإسلاميّة بتماثيل الموصل، وما انجر على تصرف سافل كهذا، من تعليقات واستهجانات كثيرة ومعلومات تفيد بأن التمثال الأصلي هو”الثور الآشوري” فقط، أما باقي التماثيل فهي صناعات مقلّدة من أجل العرض فحسب .

دعونا نفكر قليلاً فيما يحدث ؛ أليس ذلك هجمة على التاريخ، وانتقام مزري من جميع مقتنياته وآثاره؟

الكتل المارقة والعنفيّة، غالباً ما تصنع لنفسها كلما مثلت إلى الواجهة “بروبيغندا” شديدة، من أجل الاستفادة من الضوء الإعلامي والاهتمام السياسي، ولننصرف إلى أحداث مماثلة أيضاً، كان التاريخ فيها بضاعة تستأهل التمزيق والعبث والمتاجرة هي الأخرى، فقد رأينا جزءًا من تراث “حلب القديمة” يتعرض للتدمير أيضاً، بعدما تسرّب المسلحون إلى تلك الأماكن من أجل جرّ التاريخ مرة أخرى إلى حسابات الإنهاء والتدمير، بينما لم يجد النظام السوري أيّ غضّاضة في قصف تلك المواقع، دون أن يحتاط لبعض من حسابات المساومة والتفاوض من أجل صيانة الآثار التي تمترست فيها قوّات المعارضة، تلك القوات التي لم تجد أي مشّكلة في سحب المنتج السوري البشري إلى صراعها المحموم مع النظام.

هذا التآخي الجارح بين النظام السوري والمعارضة المسلحة، نجح لمرّة واحدة في الاتفاق على أن “الأثر السوري الوطني” لا يكتسي أي حصانة صراعيّة، فيما البقاء ومنطق الغالب والمغلوب، صرف الأفهام عن التقدير التاريخي لما حفظه الزمن في تلك البلاد الطيبة .

 وبالعودة إلى العراق، فإنّ مسألة التلاعب بالأثر التاريخي، ليس شأناً مستقلاً عن حدث اليوم، بلّ هوحصيلة تكدّس جملة من الإخفاقات الكثيرة، التي راح ضمن ضحاياه الإنسان والشجر والأثر، كان أبرز ظواهره المحجبة هي بيع التراث الإنساني العراقي، وسحله في الخفاء لصالح أشباح معلومة تحصد المال جرّاء المتاجرة غير الأخلاقيّة بما لا يملكون ولا يقدّرون في آن واحد .

ومنذ أن اعتلى فيلدا مارشال ” برنارد مونتغمري ” بطل العلمين الثانيّة سُدّة تاريخنا، وضع أهم المفاصل التاريخيّة لنظرة الغرب إلى مستعمراتها القديمة، ذاك أنه وضع مخططاً لاستبعاد إفريقيا وأهلها من الخاصرة الحضاريّة، وصمم غير آبهٍ إلى أي ضمانة أخلاقيّة، إلى تحويل أهلها إلى مصدر للمواد الخام، مستفيداً من مجالها الحيوي، وعلى ذات النسق سار من يعبّد الأرض للغزاة على نهج المماهلة والتوسّل إلى المال، ولودعا الأمر إلى بيع ما يرصّع بلاد ما بالمنافذ التاريخيّة الخالصة .

في العراق الجميل هنالك 120 ألف أثر تاريخي، حصده بلاد الرافدين على مدار تاريخ بعيد لا قبل لدارس بتجاوزه، بينما لا يقع تحت سلطة حكام العراق اليوم سوى 12 ألف أيقونة فقط !

هل ذهب الفارق إلى جيوب البعض أمّ أنه خضع إلى مساومة سياسيّة حقيرة، لم يمط عنها اللثام لدواعي تجاريّة هي الأخرى ..

الثابت أن للعراق مخزون سياسي لفهم المنطقة، لا يقل قيمةً عن فراسة الأوليين في صناعة حضارة ورثها حفيد طائش، لطالما كانت بوّابة عريضة تعسّر نقل ثقلها الإنساني إلى حيز آخر، سواءً بالتزوير أوبالصفاقة البشريّة.

ضيف حمزة ضيف

راي اليوم