جاءت ردود الفعل من طهران وموسكو ودمشق، تماماً كما هو متوقع؛ بيانات شاجبة للقصف الأميركي لمطار الشعيرات العسكري، رداً على جريمة القتل الجماعي بالكيماوي الذي ارتكبه النظام السوري. كان هذا في النصف الأول من نهار يوم الجمعة، اليوم الذي استيقظ الناس فيه هنا على مفاجأة الموقف الأميركي الجديد.
لاحقاً، في ذلك اليوم، أمطرت الدعاية الثلاثية؛ الروسية والإيرانية والسورية، الإعلام ووسائل التواصل بكميات كبيرة من الأخبار المزورة التي تشكك في حقيقة أن النظام هو من ألقى حقاً المواد السامة على سكان مدينة إدلب، روجوا رواية تقول إن المعارضة هي من قصفت المنطقة، ثم رواية جديدة تدعي أن الطيران السوري بالفعل قصف مناطق «المعارضة الإرهابية المسلحة»، وصادف أنها أصابت مخزناً للإرهابيين فيه مواد كيماوية، مماثلة للتي استخدمها تنظيم داعش في العراق من قبل. أي أن المعارضة هي من ارتكب جريمة امتلاك السلاح الكيماوي المحرم دولياً. الرواية لم تصمد طويلاً إلا لدى المؤيدين أصلاً لمعسكر دمشق.
ثم عدلت الدعاية موضوعاتها في اليوم التالي، لمواجهة التطور الجديد، وهو ردود الفعل العربية الواسعة المرحبة بالموقف الأميركي. فقد انقلب الموقف الشعبي العربي إلى مرحب وشاكر بعد أن كان غاضباً من إدارة الرئيس دونالد ترمب، بسبب أخبار اتهمتها بالتضييق على المسلمين اللاجئين والمسافرين.
ورداً على الشعور بالانتصار والفرح بالقصف الأميركي انطلقت أخبار مكذوبة تدعي أن الضربة العسكرية الأميركية مجرد مسرحية بالاتفاق مع روسيا. ونُشرت صور مزورة تظهر بعض الطائرات محروقة في داخل مخابئ خرسانية لم تتعرض للقصف، من أجل تكذيب رواية القصف الأميركي. وانتشرت مجموعة أخرى من الأخبار تعترف بالضربة، لكنها تقول كانت فاشلة لم تحقق شيئاً.
صحيح أن التأثير على الرأي العام السوري والإقليمي جزء مهم من الحرب النفسية، لكنه ليس الحاسم. فالعمليات العسكرية عادة هي أعمال سياسية. وراء القصف الأميركي رسائل سياسية موجهة للحكومات السورية والإيرانية والروسية. أما الرسائل للرأي العام السوري فتأتي في المرتبة الثانية. القصف دمر بضع طائرات وقتل ستة عسكريين من النظام، لكنه سيهز قناعة الموالين للنظام حتى لا يراهنوا عليه، وكذلك سيعطي جرعة من الأمل للمعارضة، بعد خيبات سياسية، وهزائم عسكرية، منيت بها في الفترة الأخيرة.
قصف مطار الشعيرات لن يوقف عدوان التحالف العسكري الموالي لنظام دمشق، بدليل أنه استأنف قصف المدنيين في اليوم نفسه إمعاناً في التحدي للجميع. ولن يغير موازين القوى على الأرض. ومن المستبعد أن تليه هجمات عسكرية أميركية جديدة، لأن تصريحات مندوبة واشنطن لدى مجلس الأمن حصرت احتمال التدخل العسكري لبلادها بمعاودة النظام السوري استخدام الأسلحة الكيماوية فقط، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.
الجديد والمهم هو التموضع السياسي، يبدو أن إدارة ترمب غيرت موقفها وقررت أن تكون طرفاً في الأزمة السورية، كما يبدو من تصريحاتها. ففي السابق كانت تقول إنها معنية فقط بمحاربة «داعش» في سوريا فقط. وبالتالي فإن النصر الذي أعلنته دمشق، وحلفاؤها، يبدو أنه أصبح بعيداً. إلى أسبوع مضى، كانت معظم القوى الإقليمية والدولية قد أعلنت، أو بلغت موافقتها، على الحل السوري وفق رغبة موسكو، ففرضت بقاء الأسد وإنهاء المعارضة المسلحة. وجاء الهجوم الكيماوي، وكذلك الهجمات الأخرى على المناطق المدنية، والتصريحات المتعجرفة لمسؤولي الحكومة السورية ضد دول المنطقة، لتقلب مواقف الدول الأخرى وتعيد التفكير في الوضع برمته. مرة جديدة أثبت نظام الأسد أنه لا يستطيع تغيير سلوكه، وهو المسؤول عن الانتكاسة الكبيرة، بغض النظر فيما إذا كان الإيرانيون والروس موافقين على جرائمه.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الأوسط