ي الأول من آذار/مارس، بدأ نحو 27 ألف جندي عراقي هجومهم على تكريت، المدينة الواقعة على مسافة 150 كلم (93 ميلاً) شمال بغداد والتي يحتلها تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») منذ حزيران/يونيو 2014. ويشكل هذا الهجوم المحاولة الأولى التي تبذل لإخراج «داعش» من مركز حضري كبير سيطر عليه التنظيم وحصّنه، ليكون بمثابة اختبار للعملية المزمع تنفيذها لاستعادة الموصل – العاصمة العراقية لدولة الخلافة الإسلامية التي أقامها تنظيم «داعش».
سيتم التمعن والتدقيق في عملية تكريت من أجل تسليط الضوء على نقطتين رئيسيتين يسودهما الالتباس، وهما: هل يمكن لقواتٍ تتألف بغالبيتها من المتطوعين الشيعة أن تلعب دوراً ريادياً مثمراً في العمليات المنفّذة ضمن المجتمعات السنية؟ وهل يستطيع الجيش العراقي طرد مدافعي تنظيم «الدولة الإسلامية» من الأماكن الحضرية المحصنة؟
المساهمة الإيرانية
لقد تم الترويج للهجوم بأنه عملية مشتركة بين الجيش العراقي، والشرطة الاتحادية شبه العسكرية، وقوات العمليات الخاصة العراقية، و«وحدات الحشد الشعبي» [«الوحدات»] ذات الغالبية الشيعية، وكتائب المتطوعين والميليشيات التي تم دمجها رسمياً في قوات الأمن منذ حزيران/يونيو 2014. إلا أن العنصر الوحيد الذي يغيب بشكل واضح عن هذا المزيج هو التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. ولم تطلب الحكومة العراقية من التحالف الدولي القيام بأي ضربات جوية، وهذه ميزة شائعة في العمليات التي تقودها «وحدات الحشد الشعبي». وفي الواقع، أن النسبة الكبرى من الجنود المكلفين بالهجوم تتألف من نحو 18 ألف مقاتل من هذه «الوحدات».
وجدير بالذكر أن «وحدات الحشد الشعبي» هي بقيادة أبو مهدي المهندس الذي وصفته الولايات المتحدة في عام 2009 بأنه “إرهابي عالمي ذو تصنيف خاص” لدوره في تنفيذ هجمات على القوات الأمريكية وأهداف أخرى. كما أنه عمل والكثير غيره من قادة «وحدات الحشد الشعبي» بشكل مكثف مع «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ولا يزالون يستعينون بمستشارين إيرانيين ولبنانيين من «حزب الله» في عملياتهم.
إن هذا الاستبعاد الواضح لدعم قوات التحالف من قبل وكلاء إيران قد أكّده الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الذي صرح في الثالث من آذار/مارس أن المعركة شهدت “دعماً إيرانياً علنياً تمثل في توفير المدافع وأمور أخرى”.
تحدي لوجستي
على الرغم من أن تكريت نفسها أصبحت خالية إلى حد كبير من السكان، إلا أن سلوك القوات التابعة لـ «وحدات الحشد الشعبي» ذات الغالبية الشيعية – التي لا تخضع لقواعد الانضباط العسكري العراقي – سيكون تحت المراقبة المشددة بينما تعمل هذه القوات على إخراج مقاتلي «داعش» من المجتمعات السنية الريفية. وإذا نجح الهجوم على تكريت، فإنه قد يزيد من احتمال قيام العراق بتكرير هذا النموذج شمالاً في الموصل، مع نشر «وحدات الحشد الشعبي» لدعم جهود الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على المدينة ذات المليون نسمة والتي تعد عاصمة السنة في العراق. وقد يعيق هذا الأمر أو يعقّد أيضاً الدعم الدولي لهذه العملية.
وعلى الرغم من أن معركة تكريت ستوفر عدة معطيات حول القدرات الهجومية لقوات الحكومة العراقية في حرب المدن، إلا أن اعتبار عملية تكريت بمثابة مؤشر دقيق للتنبؤ بحصيلة المعركة لاستعادة الموصل هو ضربٌ من المبالغة. فتكريت قريبة نسبياً من بغداد، كما أن القوات العراقية تعمل في محيط المدينة منذ آب/أغسطس 2014.
وفي المقابل، تقع الموصل على بعد 350 كلم شمال بغداد ونحو 150 كلم شمال بيجي حيث المراكز الأكثر تقدماً للجيش العراقي. ويعني ذلك أن مجرد نقل القوات العراقية إلى الموصل وتزويدها بالعتاد اللازم سيشكلان تحدياً لوجستياً كبيراً. بالإضافة إلى ذلك أن تكريت صغيرة الحجم إذ تبلغ مساحة المدينة نفسها 15 كلم2 بينما تمتد مدينة الموصل على مساحة 400 كلم2.
وفي السياق نفسه، صرّح عمار حكمت، نائب محافظ محافظة صلاح الدين التي تعد تكريت عاصمتها، لوكالة أسوشيتد برس أن الجنود عثروا على نحو 100 لغم وقنبلة على امتداد طريق واحد طوله 8 كلم. ومن المحتمل أن يزرع تنظيم «الدولة الإسلامية» العديد من مناطق الموصل بالقنابل المفخخة وبالطريقة نفسها، مما سيتسبب بانتشار كمية هائلة من مخاطر المتفجرات والمباني التي تستوجب تطهيراً معمقاً ودقيقاً.
بالإضافة إلى ذلك، إن المناطق الحضرية في تكريت تخلو تقريباً من السكان في حين أن تنظيم «الدولة الإسلامية» أبقى عمداً على أكثر من 750 ألف مواطن في الموصل. ولا شيء يضمن أن يرحب أبناء الموصل ذوي الفكر المستقل بقوات «وحدات الحشد الشعبي»، لا سيما وأن 65% من سكان المدينة هم من العرب السنة. كما قد تتورط «وحدات الحشد الشعبي» في عمليات غير حاسمة في تكريت ومناطق أخرى لا تشمل مدينة الموصل.
عواقب غير مقصودة؟
قد تؤدي هذه النتائج إلى الإلقاء بثقل العملية على كاهل الجيش العراقي الذي تدعمه الولايات المتحدة، فهو يحظى باحترام أكبر بعض الشيء من قبل مواطني الموصل. وفي هذا الصدد، أشار مفهوم العمليات العسكرية الذي استعرضه مسؤول أمريكي في جلسة الإحاطة التي أجريت في 19 شباط/فبراير واحتلت حيزاً كبيراً من المناقشات، بأن يتم تسليم دفة قيادة عملية تحرير الموصل إلى ثمانية ألوية من الجيش العراقي.
ولعل تهيئة وحدات الجيش العراقي لمعركة الموصل هي أبطأ منحىً للمساعي الهادفة إلى تحرير المدينة، إذ قد تستغرق المهمة حتى الصيف، الأمر الذي قد يعرقل إمكانية بدء العملية في نيسان/أبريل أو أيار/مايو. كما أن الجيش العراقي لا يزال في حالة يرثى لها، فقواته القتالية في الخطوط الأمامية تضم 48 ألف جندي بينما كانت تتألف من 210 آلاف جندي في ذروة فعالية الجيش في عام 2009.
ومن المقرر أن تحشد معركة الموصل ثلاثة على الأقل من أقوى وحدات الجيش المتبقية شمال بغداد، الأمر الذي سيؤدي إلى انقسام القوة العسكرية العراقية في العاصمة إلى النصف. إن هذا الأمر سيترك تأمين مركز الحكومة العراقية إلى حد كبير بأيدي «وحدات الحشد الشعبي» الشيعية ووحدات وزارة الداخلية، التي تعمل هي أيضاً بقيادة مقاتلين مدعومين من إيران ويتمتعون بعلاقات مع «الحرس الثوري الإسلامي» تمتد لعقود من الزمن. إن إحدى العواقب غير المقصودة التي قد تترتب عن معركة استعادة الموصل هي إضعاف سيطرة الدولة على الملف الأمني في بغداد نفسها بشكل خطير، وهذا وضع قد يصعب التعافي منه في السنوات المقبلة – كما سبق وأن أثبت التاريخ في عواصم أخرى في المنطقة كبيروت وطرابلس – ليبيا.
مايكل نايتس
معهد واشنطن