كان الرئيس باراك أوباما يرى أنّ مشكلات «داعش» و«القاعدة» في سوريا والعراق، ستستمر لثلاثين عاماً أو أكثر، وهذه إساءة تقدير كبيرة من جانب الدولة الأعظم بأجهزتها الفائقة الدقة والفعالية! فالأجهزة الفائقة هذه ما استطاعت تأمين الانتخابات الرئاسية في مواجهة القرصنة الروسية، وقبل ذلك في مواجهة ويكليكس وملحقاتها. وقبل هذا وذاك في مسألة غزو أفغانستان والعراق، فقد فشل الغزوان بمنظور التأمين وإعادة بناء الدولة، والآن تتواصل «طالبان» مع إيران وروسيا لزيادة حظوظها في إعادة السيطرة على البلاد. أما في العراق فإنّ «التمرد السني»، بالتعبير الأميركي، والذي بدأ عام 2004، ما تزال أشكاله تتعدد وتتفاقم وفي وجه ثلاثة تحديات: الأميركي والإيراني والشيعية الحاكمة بالعراق.
وعلى أي حال فإن الفشل الأميركي لا يزوّدنا بأي تعزية، لأن بلداننا هي مسارح وساحات النجاح أو الفشل الأميركي. «داعش» يوشك أن ينتهي في العراق وسوريا قبل نهاية عام 2017 وليس بعد ثلاثين عاماً. وقد تبقى هناك بعض العمليات الإرهابية، لكن أسطورة «الدولة» انتهت أو أوشكت. وإذا قلنا إن الدور الرئيس في إنهاء «داعش» و«القاعدة»، كان وما يزال للولايات المتحدة، فإن الشركاء على الأرض ما كانوا ولن يكونوا الشعوب المُصابة، بل الروس والإيرانيون والأتراك والإسرائيليون.. وأخيراً العرب دولاً، والعرب مجموعات ومجتمعات محلية مصابة ومهجَّرة ومدمرة تحت رحمة الميليشيات الإيرانية والحرس الثوري والحكومات الطائفية في سوريا والعراق.
ما الذي يحصل الآن للتفكير في المستقبل القريب بعد «داعش» و«القاعدة»؟ الطريف أنه بالنسبة لسوريا ليس هناك شيء في هذا الاتجاه يستحق الذكر. بدليل أنه حتى الدستور السوري العتيد تجري مناقشته في أستانا، بينما الذي كان مفروضاً أن يجري ذلك في المفاوضات السياسية في جنيف، بينما تكون أستانا للمسائل العسكرية والأمنية والتفكير في الوقف التدريجي لإطلاق النار!
كيف سيدار البلد بعد نهاية الحرب، والتي ستنتهي هذا العام؟ في العراق يقولون إنّ عندهم دستوراً وبرلماناً، وقضاءً مستقلاً، وحكومةً معترفاً بها. لكن ثلث العراق مخرَّب، وهناك خمسة ملايين مهجر، فمن سينتخب في العراق عام 2018؟ إنما قبل ذلك، ماذا سيحدث بعد الاستفتاء الكردي؟ لقد حقق «داعش» والإيرانيون إنجازاً هائلاً لصالح إلغاء الدور الوطني للعرب السنة. بيد أنّ توازن الرعب بين تركيا وإيران والحماية الأميركية، حفظ الأكراد، ويشجعهم على الانفصال بدولةٍ مستقلة، وهكذا فالمشكلة الكردية، وتوترات الحدود مع تركيا، كُلُّ ذلك يجعل من «الحل الوطني» ضعيفاً أو مستحيلاً. ويوشك نوري المالكي أن يعلن مثل نتنياهو في فلسطين: ليس لنا شريك يمكن التفاوض معه!
والوضع في سوريا أصعب، فالمتدخلون أكثر، وهم على تعددهم ليس بينهم فريق قوي يمثل شريحةً واسعةً من العرب السنة الذين هم أكثر الشعب السوري! في العراق هناك فريق سني مشرذم وضعيف لكنه ضمن النظام وفي البرلمان والحكومة والمؤسسات. أما في سوريا فهناك حالة إلغاء كامل بالداخل، ويتجه الروس إلى سحب الاعتراف بالهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة السياسية السورية. عند الروس والنظام السوري والإيرانيين تصور إعادة الوضع إلى ما كان عليه عام 2010، والأسد هو الرئيس، بيد أنّ الروس والميليشيات الإيرانية هي المسيطرة على الأرض. وإذا كانت هناك فكرة لانتخابات في سوريا عام 2019، فنصف الشعب السوري سيكونون غائبين. والغائبون (كما في حالة إسرائيل مع الفلسطينيين) لا حقوق لهم!
والوضع في ليبيا أفضل بسبب وجود شرعيتين وليس شرعيةً واحدة: واحدة دولية في المجلس الرئاسي، وأُخرى في الشرق بحكم وجود البرلمان المنتخب. وهكذا يمكن التفكير في حل إذا تعاون العرب من أنصار الشرعيتين أو إحداهما من أجل التوفيق. وقد يكون تعيين غسّان سلامة مبعوثاً أممياً، وهو المعروف بخبرته في الأزمات والمفاوضات، وسيلة معينة على الحل.
والوضع في اليمن قد يكون أفضل حتى من الوضع في ليبيا، وذلك لوجود خريطة مستقرة للحل واستعادة الشرعية، فالانقلاب تضاءلت حظوظه، وإذا أمكن سد أبواب الإمدادات من ميناء الحديدة عنه، لا يبقى ما يمكن له الاستناد إليه. إنما الخشية أنّ الانفصاليين الجنوبيين لا يريدون حتى الانتظار لحين سقوط الانقلاب. وهذه شرذمةٌ وسط الجوع والكوليرا وخراب الدولة وانقسام الجيش!
الصعوبات كثيرة في دول الاضطراب، وقد تبعث على اليأس، لكنّ الذين نجوا منا من حروب إيران وتركيا والروس والأميركان، يمكن أن يشاركوا إخوانهم المصابين في التفكير بما بعد الاضطراب.
رضوان السيد
صحيفة الاتحاد