دمشق – تخشى روسيا من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا وهي التي تعول كثيرا على تعميمه في باقي مناطق التوتر في هذا البلد الذي يشهد نزاعا داميا منذ نحو سبع سنوات خلف أكثر من 330 ألف قتيل.
ومأتى القلق الروسي تراجع الحكومة الإسرائيلية عن تبنيها الاتفاق، فضلا عن تململ في صفوف المعارضة السورية نتيجة الغموض الذي يحيط بتفاصيله.
واتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل محافظات درعا والقنيطرة والسويداء تم الإعلان عنه في اللقاء الأول الذي جمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين الأخيرة في مدينة هامبورغ الألمانية.
وجاء الاتفاق نتاج مفاوضات ماراطونية بين مسؤولين روس وأميركيين احتضنتها العاصمة الأردنية عمان.
ومع بدء تنفيذه منذ نحو أسبوعين أبدت كل من واشنطن وموسكو حرصهما على إنجاحه، كما أعلنت إسرائيل المعنية بهذا الاتفاق دعمها له وإن بتحفظ، قبل أن يطل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو من باريس، مساء الأحد ويعلن معارضته له.
وقال نتنياهو إن الترتيبات الأميركية الروسية تكرس الوجود الإيراني لذلك تعارضها إسرائيل تماما.
وهذه المرة الأولى التي يبدي فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي اعتراضه على إنجاز أميركي روسي على الأراضي السورية.
ويرى خبراء أن الموقف الإسرائيلي يأتي في سياق الضغوط الإسرائيلية للمطالبة بالمزيد من الضمانات بشأن منع أي وجود إيراني بالقرب منها، خاصة وأن طهران أعربت في أكثر من مناسبة عن عدم التزامها بالاتفاق.
وهناك عدم ثقة إسرائيلية واضحة في الجانب الروسي الذي أوكل له مهمة نشر قوات عسكرية وفق نص الاتفاق، فيما تتولى الولايات المتحدة الإشراف عليه عن بعد، في إطار سياسة تجنب التدخل المباشر في النزاعات التي تسلكها إدارة دونالد ترامب.
وتخشى إسرائيل من أن يؤدي تمكين القوات الروسية من تطبيق الاتفاق على الأرض إلى تغلغل إيران حليفتها في المنطقة وهذا يشكل تهديدا كبيرا بالنسبة لها.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي “هذا الأمر من شأنه أن يغيّر الصورة الكاملة للمنطقة التي عرفناها حتى الآن”.
أبوأسامة الجولاني: المسؤولون الأميركيون لم يطلبوا منا تسليم معبر نصيب الحدودي
واعتبر وزير التربية ورئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينت “علينا أن نعمل ضد هذا الاتفاق.. لكل واحدة من الدول الكبرى مصالح.. الأميركيون معنيون بهزيمة داعش والروس يريدون تعزيز حكم الأسد وإيران في الحقيقة تتمركز في الوسط”.
وأوضح بينت “التهديد الأهم في الشرق الأوسط والأخطر من داعش، هو التهديد الإيراني وفي اللحظة التي يمدّون فيها أذرع الاخطبوط في منطقتنا فإن هذه مشكلة كبيرة جدا ويجب معالجتها”.
التصريحات الإسرائيلية المتواترة والرافضة للاتفاق دفعت وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الرد عليها ومحاولة طمأنة الإسرائيليين بأن موسكو وواشنطن تضعان في الاعتبار المصالح الإسرائيلية في اتفاقات وقف إطلاق النار في سوريا.
وتدرك موسكو أنه لا يمكن القفز على هواجس إسرائيل لأن ذلك قد يعني نسف الاتفاق، وبالتالي هي حريصة كل الحرص على طمأنتها.
وربما ستضطر موسكو إلى مطالبة حليفتها طهران بالكف عن التصريحات الاستفزازية بأنها غير ملزمة بالاتفاق، خاصة وأن الحفاظ عليه يشكل نقطة بداية يمكن البناء عليها بالنسبة لباقي المناطق المشتعلة في سوريا.
المخاوف من اتفاق وقف إطلاق النار لا تنحصر فقط في الجانب الإسرائيلي بل تشمل حتى المعارضة السورية التي بدت لها تفاصيل هذا الاتفاق غامضة.
واحتضنت العاصمة الأردنية عمان اجتماعا بين قادة فصائل الجبهة الجنوبية ومسؤولين عسكريين أميركيين للتباحث حول الاتفاق. وذكرت أوساط مطلعة أن المسؤولين، وعلى رأسهم مبعوث الولايات المتحدة الخاص لسوريا مايكل راتني، سعوا لتبديد مخاوف الفصائل.
وكانت تسريبات تحدثت عن توجه لتسليم النظام السوري إدارة الحدود مع الأردن ومعبر نصيب، وهذا لو تم بالتأكيد سيعني سحب أهم ورقة الآن بيد المعارضة السورية.
كما أبدت الفصائل قلقها من أن يكون اتفاق الجنوب مقدمة لتقسيم سوريا، وهذا يشكل خطا أحمر بالنسبة لها.
وأكد الرائد أبوأسامة الجولاني قائد جبهة ثوار سوريا وهي أحد أبرز مكونات الجبهة الجنوبية لـ“العرب” أن المسؤولين الأميركيين لم يطلبوا منهم تسليم معبر نصيب الحدودي.
وأوضح أن الاجتماعات التي عقدت في الأردن ركزت على تفاصيل وقف إطلاق النار.
ونقلت صحيفة “الغد” الأردنية في وقت سابق عن مصادر وصفتها بالـ”موثوقة” القول إن الأميركيين يحاولون إقناع المعارضة بأن الاتفاق ليس خطوة باتجاه تقسيم سوريا، وإنما هو “محاولة لإنقاذ الأرواح، وخلق مناخ أكثر إيجابية لعملية سياسية برعاية أممية”.
كما أشارت المصادر إلى أن الاجتماع بحث أيضا من سيدير مناطق المعارضة والشرطة التي ستعمل فيها، بالإضافة إلى العلم الذي سيرفع على معبر نصيب جابر بين سوريا والأردن، وإمكانية نقل قوات من فصائل المعارضة إلى معسكر الشدادي، الذي يعكف “التحالف” على بنائه في منطقة الشدادي بريف الحسكة القريب من دير الزور للمشاركة في معركة تحرير هذه المحافظة.
ويرى مراقبون أن هناك تقسيم أدوار بين واشنطن وموسكو، ففيما تتولى الأولى طمأنة فصائل المعارضة السورية التي تحت إشرافها، توكل مهمة نزع الهواجس الإسرائيلية إلى روسيا باعتبارها المعنية بها بالدرجة الأولى.
العرب اللندنية