وجاء اليوم الذي تمناه كل مهجر ونازح من أرضه للعودة إلى مدينته ، اذ بلغ عدد النازحين من الموصل نحو مليون نازح إلا أن عودة هذا الرقم الضخم يجب أن يسبقه عملية كبيرة من إعادة الإعمار بشكل مدروس بحيث تتم إعادة النازحين إلى المدينة بشكل منتظم.
مع التذكير أن عملية إعادة الإعمار هي أكبر من بناء الجسور والأنفاق والطرقات والبنى التحتية هي اعادة بناء انسان بكل المعايير .
وسيبدأ تنفيذ الخطة الاستراتيجيّة التي وضعتها الحكومة من خلال خليّة إدارة الأزمات المدنية، لإعمار الموصل كأولوية، كما كشف الأمين العام لمجلس الوزراء العراقيّ مهدي العلاق لوسائل الإعلام وقد أعلنت وزارة التخطيط عن خطة لإعادة إعمار المناطق المحررة ، تكلف العراق نحو 100 مليار دولار، وتستمر لمدة 10 سنوات.
وذلك ضمن مشروع طويل الأمد، وتبدأ المرحلة الأولى منها عام 2018 وتستمرّ حتّى عام 2022. بعدها، تبدأ المرحلة النهائيّة من عام 2023 ولغاية عام 2028.
ويعزى، سبب إعطاء الموصل الأولويّة في خطّة الإعمار الاستراتيجية إلى “الضرر الهائل الذي لحق بها جرّاء المعارك”، وهو ما أكدته ممثلة البرنامج الإنمائي لمنظمة الأمم المتحدة في العراق “إن حجم الدمار الذي شهدته الموصل، يعدّ واحدًا من أسوأ التطورات التي شهدتها الحملة لتحرير المدينة”.
تمويل الاعمار من الاقتراض، من البنك الدولي خيار رئيس بحسب مسؤولين عراقيين، إذ ناقش رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 24 أيّار/ مايو الماضي مع البنك الدولي عمليات الإعمار في المناطق المحررة، الذي أبدى الاستعداد للاستثمار في إعادة إعمار الموصل”.
أهم وأبرز الملفات على الإطلاق، هي إعادة إعمار المدينة المدمرة بما يعنيه هذا المفهوم ، إذ لا يتوقف على الجانب الاقتصادي وحده كإعادة تأهيل قطاعات الإنتاج من زراعة وصناعة وخدمات ،
ولا يعني الاعمار إعادة بناء شبكات الطرق والجسور والأنفاق التي لحقها دمار واسع وشبكات المياه والكهرباء وغيرها، لكنه يُعنى ايضا بالإنسان المتضرر الأكبر من هذا النزاع، الجريح وعائلة القتيل، اللاجئ والنازح والمعتقل، إذ يكفي القول أن البلاد خسرت بين 20 – 25 ألف قتيل خلال السنوات الثلاث الماضية، مع خسارة الآلاف من الكوادر المتخصصة بين جريح ومهجر ومعتقل.
بلدان عديدة في العالم مرت بحروب ونزاعات لكنها في النهاية نظمت عملية ضخمة لإعادة إعمار البلد، وفق آلية معينة ومدروسة تشترك فيها الدول الكبرى في العالم، فهي مرحلة حساسة جدًا في تاريخ مجتمعات النزاع والمناطق المنكوبة تهدف اعادة الاعمار، عودة الناس الى مناطقهم التي تمثل لهم ذكريات الماضي وألم الحاضر والأمل بالمستقبل حيث تشكيل البيئة الاجتماعية السكنية المناسبة .
وتجب الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لتحديد أوجه الخطأ والخلل وتصويبها في اعادة الاعمار، وهناك العديد من التجارب العالمية في هذا المجال مثل تجربة إعادة إعمار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، ، وتجربة رواندا، في افريقيا ؛ إذ تعرضت رواندا لواحدة من اخطر الصراعات في التطهير العرقي في العصر الحديث وكانت الإبادة الجماعية فيها من أسوء حالات العنف البشري في تاريخ العالم حيث تم قتل ما يقارب 800 ألف شخص في ما يقارب 100 يوم، ولكنها استطاعت أن تتعافى من هذه المحنة وتحقق الاستقرار والنمو الاقتصادي؛ إذ تضاعف متوسط الدخل بمعدل ثلاث مرات في خلال السنوات العشر.
اذ يعد الصراع يعد أهم عائق في طريق السلم والتنمية، اذ يتسبب بتقويض التنمية الاقتصادية باستنزافه للموارد المادية والبشرية كافة التي كان من الممكن استغلالها في تنمية المجتمع بشكل مثمر وايجابي، مما يؤدي الى هروب رؤوس الأموال كرد فعل لارتفاع درجة المخاطرة.
وتدهور الحالة الصحية للأفراد، وانتشار الأوبئة والأمراض، بالإضافة إلى تدني مستويات المعيشة، وانتشار موجات الهجرة الإجبارية من مناطق الصراع.
وكلما ضعفت سلطة الدولة والجيش النظام والقانون بالبلد، ازدهرت الجريمة والعنف تهدد الاستقرار الوطني والإقليمي على السواء.
الحلول المقترحة :
• عمل احصاء سكاني دقيق لمدينة الموصل ، لمعرفة التركيب السكاني ، والتركيب النوعي للسكان ، ان توفر قاعد البيانات الاحصائية تشكل عاملا مهما واساسيا ، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، والعمرانية ، كي نتمكن من معرفة حجم السكان ، والتركيب النوعي ، والتركيب الاقتصادي ومعرفة حجم اليد العاملة، ومستوى التعليم وحجم البطالة ، والمستوى الفكري والعلمي ،وخصائص توزيعه ، والكثافة السكانية وتعداد المساكن ، وظروف السكن، ومعرفة بيانات القطاعات من تعليم ، وصحة ، واسكان ، وصناعة وزراعة وتجارة .
• اي باختصار شديد سنحصل على حصر السكان ، وحصر المباني ، وحصر المنشأة ، مما يسهل علينا عملية التنمية والاعمار والاصلاح
• ترسيخ الأمن الداخلي والاستقرار الاجتماعي عبر ضمان عدم تدحرج الأمور إلى السابق، والاهم انجاح المصالحة الوطنية.
• وضع صيغ وبرامج سياسية وثقافية واقتصادية معينة تتبنى المصالح والطموحات المشتركة لأبناء الموصل، وتتبناها الحكومة لتجنب التوترات والصراعات العرقية.
• من أهم الأمور التي يجب العناية بها اعطاء المؤسسات التعليمية أهمية قصوى في إعادة الإعمار من مدارس ومعاهد وجامعات، والاهم تأسيس برنامج صحي عاجل لعلاج نفسي يتطلب انشاء عيادات نفسية متخصصة، وبدني للجرحى والمتضررين، والاهتمام بهم فضلا عن التركيز على تجهيز المشافي والمراكز الصحية وإعادة تأهيلها من جديد لتتحمل عبء المرحلة الجديدة.
• تطبيق مبدأ العدالة مستوحى من العشائرية ، واعتماد مبدأ الإقرار بالذنب مقابل الرأفة، والاعتراف بالذنب، وهذا من ضروريات العدالة.
• الاعتراف بالتعددية وجعلها ثقافة تسهم في التعافي من آثار حرب الإبادة، ومن بين الصيغ الثقافية التي ساهمت في التعافي، احترام الأديان والمعتقدات لكل الجماعات ويعتبر الاستقلال الثقافي أحد الطرائق المهمة لتحقيق التواؤم العرقي في المجتمعات التعددية .
• التركيز والاهتمام الحكومي بمحو آثار الطائفية المقيتة عن طريق التعليم ومحاربة أيديولوجية التطهير العرقي؛ وتعزيز القدرات التعليمية.
• ضرورة اهتمام الدولة بتطوير وسائل الإعلام وانشاء اذاعة موجهة خاصة ووجهة لأهالي الموصل وللعراقيين .
• ليس من السهل على البشر تجاوز الأحقاد خصوصا إذا كان الأمر متعلقا بوقوع ضحايا، وهنا يجب ان نصل الى التوازن النفسي أو العاطفي،
• تحقيق تنمية اقتصادية ودعم التعليم ومحاربة الأمية، و العمل للمضي قدما ومداواة جراحها لكن، ثمة إحساس لا يصدق ينعكس في التعاملات اليومية، ولا نعود أبداً إلى هذا الرعب مرة أخرى.
• رغم ان بعض الجيوب يجري تحريرها من براثن داعش وعصاباته في بعض مناطق العراق مثل تلعفر والحويجة وعانه وراوه والقائم الا ان صفحة تحرير الموصل، او عاصمة الخلافة كما كانت تسمى قد طويت الى الأبد، والاهم انه وضع خططا للتعامل مع ما تعرضت له النساء حيث لا يزال وبعضهن مفقودات حتى الآن وبعضهن قد عدن الى ذويهن ومعهن اطفال من عصابات التنظيم الارهابي الذي فاق في ممارساته وجرائمه ما فعله البرابرة حين اقتحموا روما والمغول حين اقتحموا بغداد .
• وهنا يجب ان نصل الى معيار التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ان تكون العلاقة طردية بين حجم المساعدات اي الانفاق وبين النمو الاقتصادي المتحقق في مدينة الموصل.
الموصل مدينة تاريخية فيها آثار ومواقع أثرية وثقافية لها أهمية كبرى مثل الأضرحة والمساجد والكنائس وغيرها، ويجب العناية بها والتعامل بحساسية عالية، للتأكد من عدم تغيير معالمها التاريخية وإدخال عناصر حداثوية إليها، فقيمة التراث الثقافي لأي شعب تعد الدافع الأساسي لإعادة بناءه.
شذى خليل
الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية