رحل الشقاء وأتى الجحيم:
لم يكن حال المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية بعد رحيل الاحتلال الأمريكي أفضل من قبل؛ بل لقد نقل لي أكثر المعتقلين أن السجون الأمريكية أرحم من السجون العراقية في عهد النظام الطائفي الذي نصبه الاحتلال ليكمل مسيرة الظلم والاضطهاد والإذلال. حيث أفادت تقارير منظمة العفو الدولية “أمنستي” أن التعذيب المنهجي للمعتقلين في السجون العراقية لا يزال مستمرًا بعد مرور سنوات على الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق صدام حسين.
وأضاف أنه:”رغم تذرع قادة أمريكا وبريطانيا بوحشية نظام صدام حسين للإطاحة به، فإن التعذيب والوحشية لم ينتهيا في العراق، وأن الشرطة العراقية ما زالت تمارس تعذيبًا منهجيًا ضد المعتقلين العراقيين في السجون”.
ويُبرز التقرير عجز السلطات العراقية المستمر عن مراعاة التزاماتها باحترام حقوق الإنسان وحكم القانون في مواجهة الهجمات المميتة المستمرة من قبل الجماعات المسلحة، التي تُظهر ازدراء لحياة المدنيين. وكما ذكر التقريرأيضا، فإن آلاف المعتقلين في السجون العراقية التي كانت تشرف عليها القوات الأميركية، يتعرضون للتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة. وأفاد التقرير أن عددا كبيرا من المعتقلين تعرضوا لاعتقالات تعسفية تصل مدتها لعدة سنوات، دون توجيه أي اتهام أو الخضوع لمحاكمة، في حين تعرض بعضهم للضرب المبرح في سجون سرية للحصول على اعترافات بالإكراه، عدا عن حالات أخرى من الاختفاء القسري.
وبمناسبة صدور التقرير، قال مالكولم سمارت مدير منظمة العفو الدولية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “إن قوات الأمن العراقية مسؤولة عن انتهاكات منظمة لحقوق المعتقلين”.
وأضاف:”بالرغم من ذلك، قامت السلطات الأمريكية، التي قامت بعدة انتهاكات لحقوق السجناء، بتسليم آلاف الأشخاص (إلى السلطات العراقية) متخلية عن أي مسؤولية فيما يتعلق بحقوقهم. فالقوات الأميركية قامت مؤخرا بتسليم 10 آلاف معتقل كانوا في سجون خاضعة لسيطرتها إلى السلطات العراقية مع انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق”.
وقدرت منظمة العفو الدولية عدد معتقلي العراق بنحو 30 ألف محتجزين من دون محاكمة، في حين لم توفر السلطات العراقية أية إحصائيات دقيقة بهذا الشأن. وهذه الإحصائية صدرت قبل 3 سنوات وتزايد بعدها رتم الاعتقالات بشكل تصاعدي.
ووفقا للمنظمة،لقي العديد من المعتقلين حتفهم نتيجة للتعذيب وسوء المعاملة، وترفض السلطات العراقية الإفصاح لأقارب المعتقلين عن أماكن احتجازهم.
ذكر تقرير العفو حادثة وقعت لرياض محمد صالح العقيبي، الذي توفي وهو قيد الاحتجاز في 12 أو 13 فبراير 2010 عن عمر ناهز 54 عاما، وهو رجل متزوج ولديه أطفال. وشخص الأطباء سبب الوفاة بحدوث نزيف داخلي بعد أن تعرض للضرب أثناء الاستجواب، وأحدث الضرب القاسي كسورا في أضلاعه وأضرارا في كبده.
ويقول التقرير إن عضوا سابقا في القوات الخاصة العراقية، ألقي القبض عليه في أواخر أيلول سبتمبر 2009، احتجزه في إحدى المعتقلات المحصنة جدا في المنطقة الخضراء في بغداد، قبل نقله إلى سجن سري في مطار المثنى القديم. وتم تسليم جثته إلى عائلته بعد عدة أسابيع من نقله، وجاء في شهادة الوفاة بأنه قضى نتيجة “أزمة قلبية”.
تعليقا على هذه الحوادث، قال مالكولم سمارت: “لقد فشلت السلطات العراقية فشلا ذريعا في اتخاذ إجراءات فعالة لوقف التعذيب ومعاقبة مرتكبيه، على الرغم من الأدلة الدامغة على استخدامه”.
وأضاف أنه”من واجب السلطات العراقية التحقيق في الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، وتعويض ضحايا الانتهاكات”، لافتا إلى أن “فشل هذه السلطات في اتخاذ خطوات ملموسة يوحي بأنها تتحمل وجود مثل هذهالانتهاكاتوبإمكانية تكرار حدوثها”.
ويحتجز أكثر من 400 معتقل في سجن سري في مطار المثنى القديم، والذي تم الكشف عن وجوده بشكل علني في نيسان/ أبريل 2010.
في حديثهم مع منظمة العفو الدولية، قال العديد من المعتقلين في هذا السجن إنهم اعتقلوا بناء على معلومات كاذبة حصلت عليها قوات الأمن العراقية من مخبرين سريين.
كما ناقشت المنظمة أوضاع المعتقلين في السجون الكردية في شمال العراق، حيث هناك أعداد كبيرة من المعتقلين اعتقلوا، وتم تعذيبهم وحبسهم لفترات طويلة ومن دون محاكمة.منهم: وليد يونس أحمد البالغ من العمر 52 عاما وأب لثلاثة أطفال، الذي قارب على إتمام العشر سنوات من دون توجيه أي اتهام له وبدون محاكمة أيضا.
وتم اعتقال وليد في 6 فبراير 2000 في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، على أيدي أفراد من قوات الأسايش. وحالة وليد هي الحالة الوحيدة التي استطاعت منظمة العفو الدولية رصدها لمعتقل أمضى مدة اعتقال طويلة جدا بدون محاكمة في العراق.
وبعد مضي أكثر من ثلاثة سنوات على اعتقاله، استطاعت عائلته التأكد من أنه ما زال على قيد الحياة وتمكنوا للمرة الأولى من زيارته.
ويزعم أحمد وليد يونس بأنه قد تعرض للتعذيب وللحبس الانفرادي. وقام بالإضراب عن الطعام لمدة45 في عام 2008؛ احتجاجا على استمرار احتجازه. ولا يزال محتجزا في مقر آسايش في أربيل حتى اليوم.
ولازالت الحكومة العراقية تسوق العراقيين السنة إلى العديد من السجون والمعتقلات في العراق،وكثيرٌ منها سجون سرية تديرها الميليشيات الشيعية المتطرفة المدعومة حكوميا أبرزها:
سجن أبو غريب
سجن التاجي
سجن تسفيرات بغداد
سجن مطار بغداد (كروبر)
سجن الناصرية
سجن بادوش
سجن جمجمان
سجن سوسة
سجون ديالى
سجون صلاح الدين
سجون الموصل
سجون الأنبار
وأعداد المعتقلين تقدر بمئات الألوف على حسب التقديرات العامة. أما العدد الفعلي للمعتقلين، فلا تعلمه أي منظمة حقوقية أو إنسانية؛ فالحكومة تنتهج تعتيمًاإعلاميًا على الموضوع.
أما أماكن التحقيق والاستجواب والاحتجاز فأشهرها:
لواء المثنى
الاستخبارات العسكرية
المخابرات العراقية
لواء 54
الشعبة الخامسة
لواء 56
استخبارات الداخلية
الفرقة السادسة
جرائم العامرية
جرائم حي العامل
جرائم الدورة
دوائر التحقيق الأنبار
دوائر التحقيق ديالى
دوائر تحقيق صلاح الدين
دوائر تحقيق الموصل
دوائر تحقيق كربلاء
دوائر تحقيق النجف
دوائر تحقيق البصرة
وأغلب المعتقلين من السنة، أما باقي الطوائف فيشكلون أعدادا قليلة لا تذكر.
الحكومة العراقية: قوائم العار
تفنن وزير الداخلية باقر جبر صولاغ الذي تولى منصب وزارة الداخلية في عام 2005 في إجرامه وتعذيبه للمعتقلين السنة واستحدث العديد من السجون السرية التابعة لوزارة الداخلية، وقام بمجازر في حق السنة لا يمكن أن يمحيها الزمنمن ذاكرة أهالي الضحايا. حصل في عهده تفجير المرقديين العسكريين في سامراء والذي كان الضوء الأخضر للبطش بالسنة وإبادتهم بدعوى الانتقام وملاحقة المتورطين.
خلال توليه منصب وزير الداخلية، حدثت في العراق أكثر المشاهد بشاعة ودموية، فقد ارتبط اسمه بأعمال القتل والتعذيب التي لم يسمع لها مثيل في تاريخ المنطقة، حيث ارتبط اسم صولاغ بأبشع أعمال القتل والتدمير التي تعرض لها سنة العراق ومساجدهم على يد ما يسمى بفرق الموت وقوات وزارة الداخلية (المغاوير) التابعة لصولاغ؛ حيث توالت التقارير والشهادات عن ارتكاب أعمال قتل من أفراد يرتدون الزي العسكري .
وفي عهده، حدثت مذابح المستشفيات ومذبحة وزارة التعليم العالي؛ حيث دخل مسلحون يرتدي بعضهم زي قوات المغاوير (قوات وزارة الداخلية) واختطفوا أكثر من مئة وخمسين موظفاعراقيا سنيًا، عثر فيما بعد على جثثهم ممزقة بالرصاص، وفضيحة ملجأ الجادرية؛ حيث تم العثور على معتقلين كان يتم تعذيبهم باستمرار.
اتهمه البعض بأن دوره ودور قوات الداخلية هو الحماية والمساندة للمليشيات التي أحرقت المساجد وقتلت المدنيين السنة. وظهرت وثائق كثيرة تثبت تورطه في تعيين المليشيات في وزارة الداخلية بمناصب عالية.
دافع صولاغ عن نفسه وعن قوات الداخلية في لقاء مع bbc بأن الجماعات المسلحة غير الشرعية جاءت أساسا من العدد المتزايد من شركات الأمن العراقية الخاصة، وكذلك من القوة الكبيرة التي تم إنشاؤها لحماية المنشآت الحكومية،وأن الذين شنوا الهجمات الأخيرة ليسوا رجال شرطة حقيقيين”، وقال إن من سماهم بالإرهابيين أو العناصر التي تساندهم يستخدمون زي قوات الشرطة أو الجيش، وأضاف: “بإمكانك أن تذهب إلى السوق وتشتري الزي العسكري”، وقال: “إن هذه أشياء تحدث حتى في أمريكا”؛ إلا أن أحدًا لم يصدق ما ذكره صولاغ.
وارتبط اسم صولاغ بأعمال التعذيب التي اتصفت بوحشية غير مسبوقة من استخدام المثاقب الكهربائية وقلع العيون والحرق البشع بالأحماض الكيماوية. وفي عهده، ساءت العلاقات العراقية بشدة مع جيرانها العرب، حيث هاجم صولاغ وزير الخارجية السعودية الأمير سعود الفيصل ووصف السعوديين بأنهم رعاة إبل لا يعرفون شيئا، ووصف الأردن بأنه ملجأ الإرهابيين.
وفي عهده، تصاعدت موجة الاعتقال ضد السنة؛ حيث اعتُقل آلاف من السنة وعذب وقتل أعداد كبيرة جدًا، وعُرف عنه التمثيل بالجثث قبل قتلها وعرف بـ(صاحب الدريلات) لكونه كان يستخدم الدريل (المثقاب الكهربائي) في قتل وتعذيب المعتقلين قبل أن تقوم قوات الاحتلال الأمريكي بكشف سجن سرّي في منطقة الجادرية ببغداد تشرف عليه وزارة الداخلية، يتم فيه احتجاز المخطوفين السنّة وتعذيبهم قبل قتلهم. حيث قام باعتقال العديد من الشباب الأبرياء وتعذيبهم وقتلهم في سجن الجادرية وبالوثائق. وكعادته، فقد أنكر تورطه في هذه الجريمة.
أبرز ما قام به أن قام بدمج الميليشيات الشيعية المتطرفة مع الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية.في حين أظهرت وثائق كثيرة تورطه في تعيين قادة الميليشيات الشيعية في وزارة الداخلية بمناصب عالية، وكوّن فرقًا تسمى بفرق الموت والخطف والتصفية للسنة ومجموعة ميليشيات حكومية. وعاش حينها السنة في رعب وبالأخص في بغداد والمحافظات الجنوبية وآلاف المعتقلين الذين أذاقوهم أنواع التعذيب في السجون.
ومن ضمن جرائمه؛ اعتقال أكثر من 50 مسافرافي حادثة ساحة القضاة المعروفة مع المجرم لواء الشرطة علي غالب خضر بجرائم فرق الموت وخطف وتصفية يوم 5 حزيران 2006.
وفي حوار مع اللواء منتظر السامرائي ضابط سابق في الداخلية المعينة من الاحتلال فيإحدى الفضائيات، فضح جرائم الداخلية ودور وزيرها باقر جبر صولاغ والمغاوير والأجهزة الأمنية الميليشياوية بقتل وتعذيب المعتقلين السنة.
الاعتقال .. ولعنات ما بعد الاعتقال:
تحدثت مع أحد المعتقلين في بغداد يدعى “ع.م.”، وهو شاب عشريني، روى للتقرير ما تعرض له في السجون العراقية: “في أيلول من عام 2008 قدمت قوة مكونة من مجموعة من قوات عسكرية مختلطة تعدادهم حوالي 30 عنصرًاإلىبيت أخي في بغداد، الذي لم يكن في البيت. وبعد أن قاموا بتكسير السيارات وتحطيم أثاث المنزل قاموا بأخذي من المنزل وقيدوني بيدي من الخلف وعصبوا عيناي ووضعوني في إحدى آلياتهم من نوع بيك أب في الخلف، ونقلت إلى مقر لواء المثنى. وبعدما أنزلوني من السيارة، جاءني أحدهم ليخبرني بأني لست المقصود من هذه المداهمة وأنني سوف أخرج يوم غد بمجرد انتهاء بعض الإجراءات الروتينية.نقلوني بعدها إلى غرفة ليحضر شخص يقوم بالتحقيق معي وبشكل عادي مستفسرًا عن شقيقي فقط، وفي النهاية أخبرني بأنه سوف يطلق سراحي يوم غد بمجرد عرض الأوراق على أمر اللواء قبل الظهر على الأرجح، وتركني بانتظار إطلاق السراح ليوم غد.
وفي الصباح أحضروا لي فطورًا. بقيت أنتظر حتى العصر ولكن بلا جدوى، وبعد العصر تغير الموقف كليًا، حيث حضرت مجموعة من الأشخاص ووجهوا لي عبارات نابية وأخذوا بركلي ورفسي وضربي مع الإهانة المستمرة والبصق على الوجه والضرب وأنا موثق إلى الخلف ومعصوب العينين، وأخذوني إلى من يحقق معي وكانوا ينادونه “سيدي”، فبدأ بتوجيه أسئلة عن أشخاص لا أعرفهم، وكلما كنت أقول لا أعرف فلانًا أتعرض إلى الضرب الشديد. بعد ذلك طلبوا مني إخبارهم عن الإرهابيين العاملين في المنطقة التي أسكن فيها، وكان جوابي بأنني لا أعرف منهم أحدًا، وأن من يصدف أن أراه يكون ملثمًا فلا يمكن تحديد هويته إطلاقًا. وطلبوا أن أتحدث عن العمليات الإرهابية التي نفذت في المنطقة التي أسكنها (التي نفذت ضد القوات الأمريكية أو القوات الحكومية أو الميليشيات). ولأنني لا أعرف عنها شيئًا سوى السماع، فلم يكن لدي ما أخبرهم، ثم أخذوا يركلونني ويضربونني وعمدوا إلى صعقي بالكهرباء ولأكثر من مرة، مع ترويعي بإطلاق العيارات النارية عليّ.
وأخذوا يسألونني عن أشياء ومواد يدعون أنهم قد عثروا عليها في منزل أخي، وكان جوابي بأني لا أعرف عنها شيئًا، وأنني لم أر تلك الأشياء والمواد في منزل شقيقي عند إلقاء القبض عليّ. وقد حضر الأمريكان جانبًا من جلسات التحقيق معي وشاهدوا كيف يتم الاعتداء عليّ. كان الأمريكان يحضرون إلىالمعتقل دائمًا ولا يتكلمون معنا. ومن ما حصل وأنا في المعتقل، أن قامت قوة من لواء المثنى باعتقال أفراد عائلة عراقية تسكن مدينة الحرية في بغداد وبدؤوا في التحقيق معهم أمام أعيننا في المعتقل فاعترفوا بتفجيرهم سيارتين، وقد ضبطت مجموعة من الأسلحة والمواد المتفجرة في منزلهم وسيارة معدة للتفخيخ. حضر الأمريكان بعد يوم واحد فقط ليقوموا بإطلاق سراح أفراد هذه العائلة فورًا. يضاف إلى ذلك أنه قد تم اعتقال جاري في المنطقة وقد أُجبر على أن يدلي بشهادة مزورة ضدي ليكون بذلك شاهد إثبات.وقد أفرج عنه فيما بعد الاتفاق معه على أن يعمل كمصدر معلومات (مخبر سري).
وقد رأيت أمامي في الخيم المقابلة كيف يتم إغراء بعض المعتقلين بتوريط المعتقلين الآخرين ليتم استدراجهم للحديث واستنطاقهم ولصق التهم الباطلة الزائفة عليهم واتهامهم بتهم كبيرة جدًا. تكرر التحقيق لأكثر من مرة، وكان التحقيق يستمر من ساعة إلى ثلاث ساعات، تُركت بعدها مسجونًا بشكل انفرادي ولمدة تقارب الشهر. في نهاية كل حفلة تعذيب وتحقيق، يقومون بإرغامي على التوقيع والإمضاء (بصم بالإبهام) على أوراق لا أعرف ما تحتويه لأنني أكون حينها فاقد أو شبه فاقد للوعي”.
ويضيف هذا المعتقل السابق: “بعد أربعة أسابيع تقريبًا، حضرت إلىمقر اللواء قوة تبين فيما بعد بأنها تعود إلى منظمة بدر المسؤول عنها هادي العامري (الذي يشغل منصب وزير النقل سابقًا وعضو برلمان حالي، والذي يقود المعارك في العراق الآن) لتقوم باستلامي مع سبعة من المعتقلين. ثم تم نقلنا إلى أحد السجون السرية وتعرضنا خلال الطريق إلى السب والشتم والضرب بالأيدي وبأخمص البنادق وبشكل مستمر حتى وصلنا إلى أحد السجون؛ حيث أجلسونا في المقر بمواجهة الجدار ونحن معصوبي الأعين ومكتوفي الأيدي إلى الخلف ومنعنا من القيام بأي حركة، لتبدأ حلقة جديدة هي أشد الحلقات إيلامًا وعنفًا وظلمًا.
ابتدأت هذه الحلقة بأن كان كل من كان يمر بذلك الممر يركلنا جميعًا، قائلًاإن في رفسنا وضربنا وتعذيبنا تقربًا إلى الله -سبحانه وتعالى- وينادينا يا “نواصب”. ومن كان يريد أن يطفئسيجارته، فأجسادنا كانت هي المطفأة المفضلة لديهم وعلى كافة أنحاء الجسم، وكل 10: 15 دقيقة يخرج علينا شخص من باب غرفة قريبة هي غرفة التحقيق يُدعى “نقيب سهيل” وكان يدعي أمامنا بأنه زوبعي الأصل ويقسم كاذبًا بشرف حارث الضاري حاملًا هراوة غليظة مدببة ليضربنا بها على الرأس والكتفين مرات عديدة وموجهًا عبارات نابية وساقطة.
كان النقيب سهيل يعمل ضابطًا للاستخبارات في لواء المثنى وضابط ارتباط في مكتب وزير الداخلية، وهو مسؤول عن جلب أي شخص إلى المعتقلات، ويسكن في إحدى المناطق السنية، وبلغ عدد المعتقلين الذين تم جلبهم من منطقة سكنه “منطقة أبو غريب” 168 معتقلًا. وكان على معرفة واسعة بالمناطق السنية وسكانها، وكان دائم التهديد ويتوعد بتعذيب المعتقلين. وبعدها بدأت جولات جديدة من التحقيق والتعذيب؛ حيث أُدخل أول معتقل إلى غرفة التحقيق، وفورًا بدأ بالصراخ والعويل، وكنا نسمع صوت الضرب والتعذيب والشتائم وبشكل واضح جدًا؛ حيث استمر التحقيق لمدة ساعتين تقريبًا، ثم أخرجوه جرًا (مسحولًا) ليُرمى به مقيدًا ومعصوب الأعين وملطخًا بالدماء.
ثم قاموا برفع عصابة أعيننا قليلًا لنراه وحسب،وطلبوا منه أن ينصحنا, فطلب منا أن نوقع على كل ما كان يريدون منا أن نوقع عليه وحذرنا من أن مصيرنا سيكون مثل مصيره. أخبرنا النقيب بأنها مجرد جلسة أولى للتحقيق معه وستتبعها جلسات، إلى أن جاء دوري في التحقيق. أدخلوني جرًا إلى غرفة التحقيق ليبادرني فور دخولي أكثر من عشرة أشخاص بالضرب بمختلف أنواع أدوات الضرب والتعذيب، مثل قطع الكابلات الكهربائية والهراوات الخشبية الغليظة والأنابيب المعدنية والسياط وغير ذلك. بعد ذلك، رفعوني لكي أُعلق في السقف (وأنا موثوق اليدين من الخلف، بما تسمى في العراق بـحركة (الفلقة)،ولتنهال عليّ أدوات الضرب والتعذيب مرة أخرى، ولكن هذه المرة مع توجيه الأسئلة عن إرهابيين يعملون في المنطقة التي نسكنها.
ولأنني لا أعرف أحدًا منهم، فكان الجواب دائمًا بأنني لا أعرفهم، وكان رد فعلهم المزيد من الضرب والتعذيب والشتم ولساعات طويلة حتى فقدت الوعي. وفي كل مرة كان المنقذ لجميع المعتقلين هو الإغماء. استعدت الوعي وأنا أركل في الممر مرة أخرى، ثم أُسحب مجددًا إلى داخل غرفة التعذيب. بعد الجلسة الأولى من التعذيب، لا أعلم ما الذي حصل مع المجموعة التي أُحضرت معي. ليبدأ تعذيبي مرة أخرى وذلك من خلال تثبيتي مستلقيًا على الأرض لتنهال علي العصي والهراوات وقطع الكابلات الكهربائية والأنابيب المعدنية والسياط من مجموعة من الأشخاص عددهم عشرة أو يزيديون، لأضرب في كل الأماكن، وقد أحدث هذا الضرب الشديد المبرح جروحًا كثيرة في جسدي مما غطى الأرض بالدماء، وقد عرفت ذلك عندما كان يطلب مسؤولوهم منهم بين فترة وأخرى أن يتم حل وثاقي وسحلي على الدماء، ليتم تنظيف الدم بواسطة الرداء الذي أرتديه
مكثت على هذه الحال ساعات طويلة، ومرة أخرى أُنقذ بفقدان الوعي ليتم إدخالي إلى غرفة التحقيق مرة ثالثة وأُترك معلقًا في السقف نحو الست ساعات، مع تثبيت الأثقال على الأعضاء الخاصة إلى الحد الذي يوصلني لشديد الألم وفقدان الإحساس العصبي في منطقة الألم بين فخذي، ومن ثم فقدان الوعي نتيجة وصول الألم للحد الذي لا يطيقه الإنسان. ثم يتم إيقاظي برش الماء البارد عليّ، تكرر هذا المشهد لمرات عديدة.
إن أكثر أشكال التعذيب قسوة أثناء اعتقالي كانت:
- الضرب بمختلف الوسائل (الهراوات الغليظة، السياط، قطع الكابلات الكهربائية،
- الأنابيب المعدنية، القطع المعدنية والشرائط المعدنية)
- الصعق بالكهرباء في أكثر من منطقة في الجسم، وخصوصًا في الأعضاء الخاصة.
- إجباري على شرب كمية كبيرة من الماء مع المدر (مساعد لسرعة التبول) مع شد مخرج البول برباط مطاط ومنعي من التبول.
- تعليق أثقال في الأعضاء الخاصة أثناء تعليقي في السقف ولساعات طويلة.
- تهديدي بالاعتداء الجنسي.
- العبث بالأعضاء التناسلية.
- ترويعي بإطلاق العيارات النارية فوق الرأس وقرب الرأس.
- تهديدي بالاعتداء الجنسي على ذوي من النساء! بعد تهديدي بإحضارهن إلى المعتقل.
- منعي من تناول أي طعام أو شراب (عدى الماء الذي أرغموني على شربه مع المدر) طوال فترة التحقيق.
- قلع الأظافر.
- التعليق في السقف وتركي لفترة ساعات طوال لحد فقدان الوعي، علمًا بأن طريقة التعليق هي وضع يدي إليالخلف مكبلة، ومنها تربط إلى السقف ليصاحبها خلع الكتفين.
- التعليق إلى السقف مع ممارسة شتى أنواع التعذيب والضرب!
وفي نهاية الأمر، وبعد أسبوعين من التحقيق والتعذيب المتواصل، تحولت بعدها إلى إنسان شبه ميت وأُجبرت على التوقيع والإمضاء على أوراق (إفادة!) دون أن أقرأها أو أعرف محتواها. وبعدها سجنت في زنزانة صغيرة (2.5 في 2.5) متر تضم حدود 30 معتقلًا. ثم بعدها ببضعة أيام إلى زنزانة مجاورة (7.3) أمتار تضم أكثر من 70 معتقلًا (وصل عدد المعتقلين في هذه الغرفة إلى أكثر من 100 معتقل فيما بعد). وقد شاهدت العجب في هذه الزنزانة، وسألخصه فيما يلي:
- ليس في الغرفة متسع للمعتقلين جميعًا، فكان المعتقلون يجلسون وينامون فوق بعضهم البعض، وكان أكثرهم يعانون من إصابات وجروح وحروق وكسور، وبعضهم كان مصابًا بأمراض معدية مثل التدرن الرئوي وأمراض جلدية كالجرب وانتشار القمل وغيره.
- كان الجميع يتبول في القناني البلاستيكية قرب باب الغرفة.
- يتم قضاء الحاجة كل يومين وعلى شكل وجبات، وكل وجبة تتكون من 15 معتقلًا يذهبون ويعودون تحت وطأة الضرب بالهراوات والسياط والسباب والشتم والركل. ولا يتاح لكل معتقل أن يمكث لقضاء حاجته أكثر من دقيقة، وعليه المغادرة ليدخل معتقل آخر مكانه. وإذا حدث أن اضطر أحد المعتقلين إلى قضاء حاجته خلال اليومين، فيكون ذلك في كيس نايلون يوضع بجانب القناني البول أمام المعتقلين وتفرغ القناني من كل أربعة أيام.
- مناداة المعتقلين ذوي الأسماء التي لها مدلول طائفي بأنها رمز للسنة، أمثال (عمر، بكر، مروان، سفيان)، بأقبح الألقاب والتجاوز عليهم ونعتهم بأبشع الألفاظ مثل:”يا ابن العاهرة، يا أخ العاهرة، يا ابن الزنا، يا لقيط، يا ابن الحرام، يا ساقط خلقيًا، يا ابن الكلاب” وما إلى ذلك.
- إغراء واستدراج بعض المعتقلين من ذوي النفوس الضعيفة بتبليغ إدارة المعتقل عن كل ما يعرفونه أو يسمعونه أو يعتقدونه فيؤلفونه تأليفًا عن باقي زملائهم المعتقلين، ليتم استدعاء المعتقل المبلغ عنه وإجباره على (الاعتراف) بالمعلومات الجديدة.
- عدم وجود أي عناية طبية إطلاقًا؛ حيث كان المعتقل يترك ليموتجراء الإصابات التي تحدث بسبب التعذيب، علمًا بأن جو السجن رطب ومظلم.
- ترك المعتقلين القليل من الماء ولا يسد حاجتهم، مما أجبر الكثير لشرب بعض المعتقلين من قناني البول الموجودة في الغرفة.
- نتف لحى بعض المعتقلين من ذوي اللحى الطويلة، وبالقوة.
- تجريد المعتقلين من ملابسهم.
- إجبار بعض المعتقلين على ممارسة الجنس مع معتقلين آخرين.
- مساومة المدخنين من المعتقلين بإعطائهم سجائر (لفافات دخان) مقابل إدلائهم بالمعلومات عن معتقلين آخرين.
- قلع الأظافر.
- التثقيب بالمثقاب الكهربائي(Drill) .
- تقطيع مناطق من الجسم بالكوسرة (Grinding Tool).
- حرق مناطق من الجسم، وخصوصًا العضو التناسلي الذكري، باستخدام القطرات المتساقط نتيجة احتراق مادة النايلون أو الفلين، فيجعلونه يقطر على العضو التناسلي أو أعضاء أخرى من الجسم.
- إدخال مواد صلبة في دبر (مؤخرة) المعتقل، مثل أنابيب معدنية غليظة، أو خشبية مثل عصا مكنسة التنظيف، مع استمتاع من يقوم بالتعذيب أمام بقية المعتقلين.
- إجبار المعتقلين على الوقوف باستمرار لساعات طويلة.
- ركل جثث الموتى بعد موتهم، والتلفظ عليهم بألفاظ نابية، كالتي ذكرناها أعلاه.
- مساومة بعض المعتقلين لإطلاق سراحهم مقابل مبالغ مالية كبيرة، وبالفعل تم إطلاق العديد بعد أن دفعوا أموالًا ضخمة.
- اللجوء إلى معاقبة المعتقلين يوميًا وبشكل عشوائي، وضربهم جميعًا ضربًا مبرحًا داخل الغرفة، بعد أن يدخل اثنين أو ثلاثة من الحرس ليحصروا المعتقلين في إحدى الزوايا ثم يضربوهم.
وكان أغلب اللذين يفرج عنهم من المعتقلين نكتشف فيما بعد أنهم قُتلوا ووجدوا في إحدى مكبات النفايات أو تحت الجسور أو في مناطق نائية من بغداد، وينتهي أغلبهم في الطب العدلي في مشافي بغداد وبعضهم محروقًا ولحومهم متهرئة من آثار التعذيب الواضحة عليهم، ودُفن المئات منهم كمجهولي هوية.
ما عشناه في المعتقلات شيء لا يوصف، ولد بعدها عداءً ورد فعل وصعوبة في العودة إلى الحياة الطبيعية بعد خروجنا إلى المجتمع وعرفنا كيف أن الحكومة مجرمة وأن النفوس تغيرت وأن العراق كما نعرفه قد انتهى وهذا عصر جديد.
تم الإفراج عني بعد ثلاث سنوات وشهرين، بعد أن دفع أهلي مبلغًا ماليًا كبيرًا، وحصلت على محام اتضح فيما بعد أنه يتعامل مع الضباط في المعتقلات وأنها تجارة من نوع جديد!”.
كانت هذه أفظع الشهادات التي استطعت الحصول عليها، لكنني استمريت في البحث عن معتقلين آخرين.
فاستمعتُ لشهادة شاب آخر من تكريت، لم تختلف كثيرًا عن سابقتها سوى في أماكن الاعتقال، ووجدت أنها استراتيجية واحدة تطبق في كل معتقل لنفس المسببات والدوافع؛ وهي أنه شاب سُني يُفترض أن يكون لديه قائمة بكل الإرهابيين! يقول الشاهد إنه تم الإفراج عنه بواسطة الرشاوى، وتهمته الوحيدة هي أنه سني “فمادة 4 إرهاب” من قانون مكافحة الارهاب الذي ابتدعته الحكومة العراقية، أصبح العراقيون يسمونها “مادة 4 سنة” لأنها تطال فقط السنة وبسببها اعتقل الآلاف. كانت أغلب الاعتقالات تكون نتيجة تبليغات كيدية والمخبر السري وعداوات ودوافع طائفية، وفي أغلب الأحيان يتم الاعتقال بدون مذكرة اعتقال ولأكثر من جهة. ويبحث أهالي المعتقلين ربما لأشهر لمحاولة معرفة مكانأبنائهم وفي أي سجن. اُعتقل مئات الألوف، والآلاف لا زالوا في السجون.
نذ 2003 والاعتقالات سلسلة مستمرة ومتصاعدة. لم تكن بسبب داعش كما تروج الحكومة العراقية، بل لقد كانت داعش بسبب هذا البطش والتنكيل بالسنة العراقيين.
فقد قامت حكومة العبادي مؤخرًا، في 13 يناير من هذا العام، باعتقال أكثر من 1000 شاب سني في مدينة سامراء شمال بغداد. وأخبرني أحد المعتقلين اللذين أفرج عنهم ما حصل له:
“عندما كنت في أحد الجوامع التي كان فيها إحدى حلقات الذكر بمناسبة مولد الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-, اقتحمت الميليشيات الجامع وبدؤوا بإطلاق العيارات النارية في الجامع وإطلاق الشتائم الطائفية، وقاموا باعتقالنا وضربنا بأخامص البندقيات والعصي والهراوات والحراب (سكاكين تستخدمها الميليشيات والقوات الأمنية) ونقلونا إلى سرداب (قبو) تحت الأرض مساحته تقريبًا (5.3) وكان معي 150 معتقلًا حشروا معي في هذا المكان، وكان من الذين اعتقلوا معي شيوخ كبار في السن وأطفال، والجميع أخذ حصته من الضرب والركل والإهانات والشتائم الطائفية. ونحن هناك، علمنا أنه تم اعتقال ما يتجاوز الآلاف من المواطنين وبدون سبب، وباقي المعتقلين الذين تجاوز عددهم الـ1000 في غرف قريبة وبعد التعذيب؛تم إخلاء سبيل بعض المعتقلين واحتفظوا بالأغلبية”.
كما أشار الشاهد أن هذه القوات ارتكبت جرائم حرق المنازل وسرقة الممتلكات والمحلات التجارية وبالأخص محلات الحلي والذهب والصيرفات، مما أدى إلى اعتصام أصحاب المحال.
وكما تعرضت مدن عديدة دخل إليها هؤلاء بصفة محررين إلى اعتقالات عشوائية مشابهة) يقودهم هادي العامري، رئيس ميليشيا بدر، وقيس الخزعلي، رئيس ميليشيا عصائب الحق) وغيرهما، وتحديدًا في مدن بغداد وحزامها والضلوعية والعوجة بمدينة تكريت، ومدن جلولاء والسعدية والمقدادية وغيرها.
ولازالت معتقلات العراق تتسع للمزيد من النساء:
وتعاني المعتقلات العراقيات من استمرار الوضع المروع؛ فهن تحت طائلة الانتهاكات التي عرضت لها في حديثي عن حكومة ما بعد الاحتلال. حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير حديث لها، إن آلاف النساء العراقيات معتقلات بشكل غير قانوني ويتعرضن للتعذيب وأشكال أخرى من سوء المعاملة، بما في ذلك الاعتداء الجنسي. ونقلت المنظمة شهادات لمعتقلات تعرضن لأنواع مختلفة من سوء المعاملة خلال فترات الاحتجاز التي قد تطول دون توجيه اتهام لهن.
ونشرت المنظمة تقريرًا من 105 صفحات حمل عنوان “لا أحد يأمن انتهاك حقوق المرأة في نظام العدالة الجنائية العراقي”، استندت فيه إلى شهادات 27 امرأة وسبع فتيات كن معتقلات، وأقاربهن ومحامين ومسعفين، إضافة إلى وثائق من القضاء ولقاءات مع مسؤولين.
وجاء في التقرير أن الأغلبية الساحقة من السيدات من معتقلات يتجاوز عددهن الــ 5000 محتجزة في مراكز تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع ينتمين إلى السّنة. وأكد أن الإساءات التي تم توثيقها تمس سيدات من كافة طوائف المجتمع العراقي وطبقاته.
وبحسب التقرير، فقد أفادت السجينات بتعرضهن للضرب والركل والصفع والصعق بالصدمات الكهربائية والاغتصاب، كما تم تهديد أخريات بالاعتداء الجنسي، وأحيانًا على مرأى من الأقارب الذكور.
وأكدت المنظمة أن قوات الأمن العراقية: “دأبت على اعتقال سيدات دون وجه حق، وارتكبت انتهاكات أخرى لسلامة الإجراءات القانونية بحق السيدات في كل مرحلة من مراحل نظام العدالة”.
وقابلت المنظمة 27 امرأة، كانت إحداهن تمشي على عكازين حين الحديث إليها في سجن الكاظمية، قالت إنها عانت تسعة أيام من الضرب والصعق بالصدمات الكهربائية واعتداءات أخرى تسببت في إعاقتها، كما تم تهديدها باغتصاب ابنتها أمامها. وأفادت المنظمة بأن المرأة أعدمت في وقت لاحق على الرغم من صدور أحكام من محكمة أدنى درجة تسقط عنها الاتهامات في أعقاب تقرير طبي يؤيد مزاعمها بالتعرض للتعذيب.
وقالت سجينة عراقية سابقة، في شهادة أدلت بها لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعد الإفراج عنها، إنها أمضت أكثر من سنة في السجن من غير مبرر قانوني وتعرضت خلالها للاغتصاب والتعذيب.
ووفقًا لهيومن رايتس ووتش، التي تتخذ من نيويورك مقرًا لها، فإن هؤلاء النساء اعتقلن إما من أجل التحقيق معهن بخصوص أقارب مشتبه فيهم من الذكور، وإما بدعوى دعمهن للمسلحين، وليس بسبب جرائم يشتبه بأنهن أقدمن على ارتكابها.
واعتبرت المنظمة أن القضاء العراقي لا يفعل ما يكفي للتحقيق في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة، وأوضحت أنه في كل الحالات الموثقة لديها تقدمت النساء بشكاوى للقضاة، ولكن لم يفتح بها تحقيق.
ووصفت المنظمة القضاء العراقي بأنه “ضعيف ومبتلى بالفساد، ويستند في أحكام الإدانة إلى اعترافات منتزعة بالإكراه”، وقالت إن: “إجراءات المحاكمات دون المعايير الدولية”.
حيث أعلنت وزارة الداخلية أن العدد الصحيح للسجينات العراقيات هو 5130 سجينة، وهو رقم موثق في السجلات الرسمية، وقد اغتصبت منهن 3330 سجينة، وأجهضت 1830 سجينة، وقتلت بسبب الاغتصاب الجماعي 180سجينة، وقتلت تحت التعذيب 120 سجينة، وهذه الأرقام هي من إحصاءات حكومية، لكن الأعداد الحقيقة لا يعلم بها إلا الله.
وهذا الفيديو يظهر امرأة قام اللواء مهدي الغراوي، مدير الشرطة الاتحادية، باعتقالها هي وطفل صغير بدلًا عن زوجها، وقد بث الفيديو ولم تحرك الحكومة ساكنًا، وهذه حالة من آلاف قام الغراوي باعتقالهم في الموصل وزجهم في السجون التي تمكن من يقبع فيها من الرجال والنساء من الخروج بعد أن خرجت الموصل عن سيطرة الحكومة:
أشدد على صعوبة توثيق الشهادات بسبب رفض السجينات وأقربائهن أي تعاط مع وسائل الإعلام حتى بأسماء مستعارة، وتقول: “تجسد المرأة مفهوم الشرف في مجتمعنا العشائري. وهي تفضل الموت غسلًا للعار عنأن تلوث سمعة الأسرة والعائلة والعشيرة”.
بقيت الكثير من القصص في السجون، وفي النفوس، وبعضها ماتت مع أصحابها؛ لكن ما ظهر منها يكفي ليجعل أي شخص يقدر حجم المعاناة التي يعيشها العراقيون السنة.
لكل معتقل في هويته بصمة تجعله مستهدفًا، أخفها أن يكون سُنيًا وأسوأها أن يكون اسمه عمر. من سخرية القدر أن يكون اسمك لعنةً عليك يجعلك تذوق في المعتقل من العذاب أضعاف ما يذوقه الآخرون. تعاقبت الحكومات، وذهب سجانٌ وأتى سجان، والحال هي الحال. لا جديد يذكر سوى أن للألم والعذاب والذل مساحة واسعة في معتقل العراقيين الضيق. يخرج العراقي من المعتقل باحثًا عما يكفيه شر ميليشيا تكيد له لأنه “عمر” أو ابن “عمر” أو أخ لـ “عمر”، وتحرق منزله وتغتصب امرأته لحسابات عشوائية خلاصتها أنه سني. وعلى امتداد مساحة القهر الفسيحة في العراق، كان أكثر الخيارات جنونًا بالنسبة للعالم أجمع هو أكثرها عقلانية بالنسبة للعراقي؛ فلا نفاق العالم ولا غيبوبته عن اضطهاد العراقيين قادر على توفير ملاذ لا يحس معه العراقي أنه هويته أو اسمه لعنة عليه.
التقرير