يقول دكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون إن الولايات المتحدة ستدفع “ثمن كل الجرائم الشنيعةغرد النص عبر تويتر التي ارتكبتها ضد بلاده أضعافا مضاعفة”؛ فيحذر الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أن كوريا الشمالية ستلاقي “قدرا من قوة النيران والغضب لم يشهد له العالَم مثيلا قَط”.
ويهدد كيم بإطلاق أربعة صواريخ على الأراضي الأميركية في غوام؛ فيَعِد ترمب بأن كيم “سيندم حقا وعلى الفور” إذا نفذ تهديده أو صَدَر عنه أي تهديد آخر. ومع استمرار تصاعد هذا التبادل غير المسبوق للتصريحات النارية والتهديدات العسكرية الصريحة بين زعيميْ دولتين مسلحتين نوويا؛ يتساءل العقلاء في مختلف أنحاء العالم عما إن كان هناك أي سبيل سلمي للخروج من هذه الأزمة الوشيكة؟
ويرى مراقبون أن الإجابة تتلخص في ممارسة “التجميد المزدوج”، حيث تجمد كوريا الشمالية أنشطتها النووية والصاروخية، مقابل تجميد أميركا وكوريا الجنوبية مناوراتهما العسكرية المشتركة.
“مع التبادل غير المسبوق للتهديدات العسكرية الصريحة بين زعيميْ دولتين مسلحتين نوويا هما أميركا وكوريا الشمالية؛ يرى مراقبون أن الإجابة تتلخص في ممارسة “التجميد المزدوج”، حيث تجمد كوريا الشمالية أنشطتها النووية والصاروخية، مقابل تجميد أميركا وكوريا الجنوبية مناوراتهما العسكرية المشتركة”
للوهلة الأولى، يبدو هذا الخيار -الذي اقترحته الصين في الأصل، وأقرته روسيا منذ ذلك الحين- تسوية معقولة. فبدون القدرة على اختبار التكنولوجيات النووية والصاروخية، تُصبِح كوريا الشمالية عالقة بما لديها بالفعل. وبدلا من امتلاك ترسانة قوية تشمل قدرات بعيدة المدى يمكن التعويل عليها، يُصبِح لديها ترسانة لا يمكن الاعتماد عليها وتفتقر إلى الرؤوس الحربية النووية المصغرة.
من منظور الولايات المتحدة، يبدو تعليق التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية ثمنا ضئيلا تدفعه في مقابل هذه النتيجة، ولن يؤثر بأي قدر يُذكَر على التفوق العسكري الأميركي الساحق.
لكن الولايات المتحدة رفضت رفضا قاطعا اقتراح الصين، لأنه -كما يبدو في الظاهر- يخلط بين سعي كوريا الشمالية إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل (التي تبدو على استعداد كامل لاستخدامها) وحق أميركا في الدفاع عن نفسها وعن حلفائها.
وبقبول التجميد المزدوج، تكافئ واشنطن في الأساس بيونغ يانغ لإيقافها أنشطة تنتهك فعلا قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالإضافة إلى هذه السابقة الخطيرة التي يضعها، فإن قرار التجميد المزدوج ينطوي على نقطتيْ ضعف أساسيتين: فأولا، لن تكون تكاليف عدم الامتثال لهذا الاتفاق متماثلة.
ذلك أن نظام كيم لن يتحمل سوى تكاليف متواضعة لإعادة تشغيل برنامجه النووي، ولكنه ربما يكون قادرا على فرض تكاليف باهظة على الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، إذا ما أدى القرار إلى ترسانة نووية تامة النضج.
ويرجع هذا إلى نقطة ضعف أساسية ثانية هي: صعوبات التحقق. فمن السهل أن نعرف ما إن كانت الولايات المتحدة تجري تدريبات عسكرية مع كوريا الجنوبية؛ ولكن من الصعب جدا ضمان عدم انخراط كوريا الشمالية في أنشطة البحث والتطوير سرا. والواقع أن أغلب أنشطة البحث والتطوير في كوريا الشمالية -وخاصة تخصيب المواد الانشطارية- تحدث في مرافق سرية، يتعذر على المفتشين من الخارج الوصول إليها.
وبموجب اتفاق التجميد المزدوج، ربما توقف كوريا الشمالية أنشطتها الملحوظة فقط، مثل التجارب الصاروخية والنووية. والأسوأ من ذلك أن هذا ربما يصب حتى في صالح كيم بكسب الوقت اللازم لتمكين علمائه من إتقان التكنولوجيات، وخاصة تصغير حجم الرؤوس النووية التي يمكن بعد ذلك إطلاقها بسرعة بمجرد انهيار الاتفاق علنا.
“إذا كانت الصين راغبة حقا في التوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية المتصاعدة، فينبغي لها أن تعالج نقطتيْ الضعف الرئيسيتين اللتين تعيبان حل التجميد المزدوج، فتقترح نظاما مفصلا ومتدخلا وصارما للتحقق، وتُلزِم نفسها بالعمل كأداة إنفاذ رئيسية للاتفاق”
ولن يكون سلوك مثل هذا النهج جديدا من جانب كوريا الشمالية؛ ففي عام 1994 -عندما اتفقت أميركا وكوريا الشمالية آخر مرة على تجميد إنتاج البلوتونيوم في كوريا الشمالية- سارع كيم جونغ إلْ (والد كيم جونغ أون) إلى خرق الاتفاق، وشرع في تنفيذ برنامج سري لليورانيوم. وليس هناك ثمة ما قد يحمل الأميركيين على شراء نفس الجواد مرتين.
بطبيعة الحال، لم تفت نقاط الضعف التي تعيب نهج التجميد المزدوج على الصين أيضا. والواقع أن عرض هذا الحل كان في الأرجح قرارا تكتيكيا إلى حد كبير. فبوصفها الراعي الرئيسي لنظام كيم؛ يُنظَر إلى الصين باعتبارها المفتاح لاحتواء طموحات كيم النووية. ولكن الصين عازفة عن ممارسة الضغوط على كوريا الشمالية، لأنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى انهيار نظام كيم، وبالتالي خسارة حاجزها الإستراتيجي ضد الولايات المتحدة.
وعلى هذه الخلفية؛ لم يكن المقصود حقا من اقتراح التجميد المزدوج حل الأزمة، بل ربما توقعت الصين أن ترفضه واشنطن. وبدلا من ذلك، أرادت الصين تحويل انتباه المجتمع الدولي بعيدا عن نفوذها المحتمل على نظام كيم، ونحو النهج الضال المقلق الذي تتبناه إدارة ترمب. ومن خلال تقديمها عرض حل التجميد المزدوج، وضعت الصين الكرة في ملعب أميركا، وألقت عبء حل الأزمة بشكل كامل على عاتق ترمب.
إذا كانت الصين راغبة حقا في التوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية المتصاعدة، فينبغي لها أن تعالج نقطتيْ الضعف الرئيسيتين اللتين تعيبان حل التجميد المزدوج، فتقترح نظاما مفصلا ومتدخلا وصارما للتحقق، وتُلزِم نفسها بالعمل كأداة إنفاذ رئيسية للاتفاق. وينبغي للصين أن توضح -بما لا يدع مجالا لأي لبس- أن انتهاك كوريا الشمالية للاتفاق يعني خسارتها الفورية لكل ما تتلقاه من سبل الحماية والدعم. وسيكون ذلك رادعا حقيقيا لبيونغ يانغ.
مينتشن باي
الجزيرة