بغداد – فشلت إيران في تحويل التقارب العراقي مع محيطه الخليجي وكأنه يجري لإعادة علاقتها المتوترة بالسعودية، وسحب رد الرياض الحاسم على تسريبات الوساطة بينها وبين طهران البساط من تحت رجلي إيران التي تحاول اختراق الموقف السعودي والخليجي ككل الرافض لأي تقارب معها في ضوء دورها التخريبي في المنطقة.
وصرح مصدر سعودي مسؤول بأن المملكة لم تطلب أي وساطة بأي شكل كان مع إيران.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية (واس) الأربعاء عن المصدر قوله إن ما تم تداوله من أخبار بهذا الشأن عار من الصحة جملة وتفصيلا.
وأكد المصدر “تمسك المملكة بموقفها الثابت الرافض لأي تقارب بأي شكل كان مع النظام الإيراني الذي يقوم بنشر الإرهاب والتطرف في المنطقة والعالم ويقوم بالتدخل في شؤون الدول الأخرى”.
وأضاف أن “المملكة ترى أن النظام الإيراني الحالي لا يمكن التفاوض معه بعد أن أثبتت التجربة الطويلة أنه نظام لا يحترم القواعد والأعراف الدبلوماسية ومبادئ العلاقات الدولية وأنه نظام يستمرئ الكذب وتحريف الحقائق”.
ونفت مصادر لـ”العرب” في مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أن يكون العراق تلقى طلبا سعوديا في هذا الشأن، معبرة عن استغرابها من إدلاء وزير الداخلية قاسم الأعرجي بهذه التصريحات لدى زيارته إيران.
ويحاول الإيرانيون منع تقارب شخصيات شيعية عراقية بارزة مع الرياض وإظهارها على أنها جزء من جهود الوساطة مع السعودية، وليس اختراقا سعوديا نوعيا للساحة العراقية.
وكان الأعرجي قال في مؤتمر صحافي في طهران مؤخرا إن السعودية طلبت من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التدخل للتوسط بين الرياض وطهران، لكنه تراجع عن ذلك بمجرد عودته إلى بغداد، ما يكشف أن تصريحه في إيران كان الهدف منه إطلاق بالونة اختبار لمعرفة موقف السعودية ورد فعلها.
واعتبرت أوساط خليجية أن تصريحات المصدر تكشف بوضوح أن السعودية لم تتخذ موقف الممانعة من التعامل مع إيران عبثا، وأن موقفها ثابت من الدور التخريبي لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وأن لا مبرر لأي وساطة طالما أن طهران تعمل على استهداف الأمن القومي للسعودية ودول الخليج وللمنطقة ككل.
العبادي يستغرب تصريحات الأعرجي عن وساطة حكومته بين السعودية وإيران
ويعرف السعوديون أن وجود حسن روحاني على رأس السلطة، ومن قبله محمد خاتمي أو هامشي رفسنجاني ممن رغبوا في الانفتاح على الرياض بزعم كونهم إصلاحيين، لا يختلف عن وجود من يصنفون بالمتشددين مثل أحمدي نجاد، وأن الأمر مجرد ألاعيب سياسية ما عادت تنطلي على أحد، وأنه لم يعد هناك وقت لاختبار النوايا الحسنة لدولة لم تلتزم بأي اتفاقيات إقليمية أو دولية.
وقال متابعون للشأن الخليجي إن طهران تتحسس من الطريقة التي ترد بها الرياض على المشروع الإيراني بعد أن وجدت إيران نفسها لسنوات وهي تتحرك من دون مشروع عربي مضاد.
وتسببت تصريحات الأعرجي، بشأن تلقي العراق طلبا من السعودية لبدء وساطة بين الرياض وطهران، في حرج بالغ لرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي سارع إلى الاستفهام بشأن التصريح، وطلب نفيه، وفقا لمصادر مطلعة.
وحاول الأعرجي، عندما عاد إلى بغداد، التخفيف من وقع تصريحاته، معلنا أن العراق لمس رغبة سعودية بتطبيع العلاقات مع إيران، لكنه لم يكلف بالوساطة بينهما.
وينتمي الأعرجي إلى منظمة بدر، بزعامة السياسي العراقي هادي العامري، المعروف بصلاته الوثيقة مع طهران.
وقال سياسي مقرب من رئيس الوزراء العراقي، إن “الوزير العراقي، ربما تعرض لضغط من قبل طهران، للخروج بهذا التصريح”.
وأضاف السياسي في تصريح لـ”العرب”، أن “الأعرجي كان يفترض أنه ينقل إلى الإيرانيين رسالة سعودية محددة جدا بشأن التعاون في موسم الحج، وضمان أمن الحجاج، لكنه ربما تعرض لضغط إيراني، فحول الرسالة السعودية إلى طلب أوسع للوساطة الشاملة”.
ولم يستبعد السياسي العراقي، أن تكون طهران، حاولت “تصوير التقارب الكبير بين العراق والسعودية مؤخرا، على أنه مجرد مشروع وساطة بين الرياض وطهران، من خلال الضغط على الأعرجي، للإدلاء بهذا التصريح”.
وأضاف أن “وضع العبادي حاليا لا يسمح له بلعب دور الوسيط. فهو يريد تعزيز علاقات العراق بمحيطه، واستثمار الانفتاح الخليجي على حكومته”.
وتابع أن “العبادي لم يسمح لتصريحات الأعرجي بتعكير صفو علاقته القوية بوزير داخليته، الذي يحظى بثقة أطراف خليجية مؤثرة”.
ويرى السياسي العراقي أن “آفاق التطبيع بين السعودية وإيران، ليست واضحة في هذه المرحلة، والعبادي يدرك ذلك، وفي أفضل الأحوال ربما تحدث تهدئة بين الجانبين، على غرار الوضع في تسعينات القرن الماضي”.
وتابع أن “محاولة إيران إفراغ الانفتاح الخليجي على العراق من مضمونه، تصطدم بالتصور الأميركي الجديد، الذي يؤمن بضرورة تقاسم النفوذ التجاري والأمني في المنطقة، وهو ما يفسح المجال أمام السعودية لتعزيز وجودها الإيجابي في العراق”.
وأشار إلى أن “الانفتاح السعودي على العراق يتعلق برؤية استراتيجية، تستند إلى ضرورة تصحيح مسار التعامل مع بغداد، وتعزيز دور المعتدلين الشيعة، وعلى رأسهم العبادي، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في مواجهة التمدد الإيراني”.
ولكن السياسي العراقي، يقول إن السعودية “لا تريد أن تدفع العبادي والصدر في أتون حرب مع الأجنحة الشيعية الموالية لإيران في العراق.. بل تريد تعزيز دورهما في السلطة، للحد من توسع نفوذ طهران”.
ورفض السياسي التعليق على ما إذا كان العبادي حاول التواصل مع السعوديين لتوضيح وجهة نظره بشأن تصريحات الأعرجي، لكنه قال إن “علاقة رئيس الوزراء العراقي بالسعودية لم تتضرر، بسبب موقف وزير الداخلية”.
العرب اللندنية