بيروت – يتعرض اللاجئون السوريون في لبنان إلى ضغوط كبيرة لدفعهم إلى العودة إلى بلادهم دون أي ضمانات، خاصة وأن غالبيتهم يعادون النظام في سوريا، في ظل تجاهل واضح من الأمم المتحدة لما يحدث.
وجرت مؤخرا صفقات إخلاء البعض من المناطق اللبنانية الحدودية من المقاتلين واللاجئين السوريين باتجاه سوريا وسط ضبابية تامة حول ظروف تلك الصفقات وأثمانها، ووسط غياب تام لأي آليات تضمن مصير أولئك اللاجئين وما يخطط لهم في بلدهم الأصلي بعد تركهم لبلد اللجوء.
وكان الآلاف من اللاجئين انتقلوا إلى الداخل السوري دون أي غطاء دولي سواء في الصفقة التي تمت مع جبهة فتح الشام (النصرة سابقا)، أو في تلك التي تمت مع “سرايا أهل الشام” التي جرت بعد ذلك.
في الصفقة الأولى أخلي سبيل 120 مقاتلا من الجبهة وأكثر من 7 آلاف مدني وسط ضجيج إعلامي هائل تحدث عن انتصار عسكري حققه حزب الله في جرود عرسال. فيما أن الصفقة الثانية أخلت 350 مقاتلا مع ثلاثة آلاف من المدنيين وسط سكون وهدوء واكب مفاوضات سرية أشرفت عليها أجهزة الأمن اللبنانية.
وفيما توجه مقاتلو النصرة والآلاف من المدنيين الذين صاحبوهم إلى مدينة إدلب في الشمال السوري، فإن اللافت مع “سرايا الشام” أن الانتقال جرى إلى مدينة فليطة داخل منطقة القلمون السورية غير البعيدة عن الحدود مع لبنان.
الجيش اللبناني يضيق الخناق على داعش
بيروت – استعاد الجيش اللبناني، الأربعاء، عدة تلال استراتيجية في جرود رأس بعلبك، على الحدود مع سوريا، ضمن عملية محدودة تستهدف تضييق الخناق على تنظيم داعش تمهيدا للقضاء عليه.
وتأتي عمليات الجيش بعد أيام من طي صفحة النصرة وأهل الشام التي أثارت جدلا كبيرا في ظل الضبابية التي رافقت معالجتها.
وسيطرت وحدات خاصة من الجيش اللبناني، الذي حصل مؤخرا، على مركبات ومدرعات أميركية، على مجموعة مرتفعات منها “قنزوحة مراح الشيخ” و”خابية الصغير” و”طلعة الخنزير” و”شميس خزعل”. وكانت “سرايا أهل الشام” (فصيل من الجيش الحر) تسيطر على التلال، قبل انسحابها منذ أيام ضمن اتفاق أبرمته مع حزب الله اللبناني.
وفي السياق ذاته، أشارت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى مواصلة الجيش قصفه المدفعي والصاروخي على مواقع داعش في جرود رأس بعلبك منذ الثلاثاء. وتواصل القصف هذا يتزامن مع تعزيزات لعناصر الجيش انتشرت بالجرود، وفق الوكالة.
ويتمركز التنظيم الجهادي في أطراف بلدات القاع ورأس بعلبك والفاكهة (ضمن سلسلة جبال لبنان الشرقيّة المتاخمة للحدود السوريّة).
وتلف الضبابية موعد انطلاقة العملية الكبرى ضد داعش، ومن سيشارك فيها، ففيما تقول الحكومة إن الجيش سيتولاها بمفرده، بيد أنه عمليا يبدو الأمر صعبا إن لم يكن شبه مستحيل لجهة أن هذه المنطقة تتداخل مع سوريا، وبالتالي لا بد من طرف على الجهة المقابلة يدعم الجيش، وإلا فإن الأخير يمكن أن يقع في مصيدة الاستنزاف.
وتدرك القيادة السياسية اللبنانية الأمر، بيد أنها تصر على القول إن الجيش هو من سيدير الحرب ضد داعش دون مساعدة أي طرف، وهذا الأمر يفسره مراقبون بأنه “ليس كل ما يقال هو الواقع”، ويلفتون إلى أن الكثير من التطورات التي جدت على الساحة اللبنانية في الفترة الأخيرة لم تتسم بالشفافية.
وفي الحالتين واكبت قوات حزب الله المنسحبين وأشرفت ورعت عمليات الإخلاء، ولم يسجل أي تدخل لمؤسسات الأمم المتحدة في هذا المضمار، ولم تحظ الصفقتان بأي مراقبة أممية، بما يحرم هذه الاتفاقات من أي ضمانات أو معايير دولية لضمان أمن وسلامة هؤلاء اللاجئين.
ويرى مراقبون أن الأمر تم في ظل تجاهل تام للمجتمع الدولي، وهو ما يجعلهم يستحضرون ذلك المثل القائل “الصمت علامة الرضا”.
ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن موظفين في الأمم المتحدة يعملون بشكل طوعي في لبنان، أن اللاجئين الذين نقلتهم الحافلات إلى الداخل السوري الملتهب كانوا ضحية اتفاقات ملتبسة أبرمت في خدمة أجندات سياسية غامضة، وأنه لم يكن أمام الآلاف من اللاجئين خيار إلا الصعود في تلك الحافلات ومغادرة منطقة جرود عرسال.
وكانت المعركة التي فتحها حزب الله قبل أسابيع ضد تنظيم النصرة في جرود عرسال، تواكبت مع جدل داخلي لبناني حول وجود أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، وهذا الجدل شاركت فيه كل الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية، كل حسب وجهة نظرته وأجندته السياسية الداخلية، كما علاقته السلبية أو الإيجابية مع النظام السوري.
واتخذت منطقة عرسال من هذا السجال مساحة خاصة داخل من يعتبرها بؤرة لاجئين يقدر عددهم بحوالي 100 ألف شخص، ومن يعتبرها مركز إرهاب يهدد أمن البلد برمته، ومن يعتبرها منطقة لبنانية فتحت قلبها لضحايا المأساة السورية وهي ضحية أجندة معادية من قبل حزب الله، كونها تشكل تجمعا سنيا كبيرا داخل بيئة شيعية في شمال البقاع اللبناني يسيطر عليها الحزب.
والظاهر أن النقاش حول مصير اللاجئين السوريين لا ينحصر فقط في لبنان، بل يتمدد باتجاه أولئك اللاجئين في تركيا والأردن، لكن صيغة الجدل في لبنان يختلط فيها نزق العنصرية داخل دولة متعددة ممتدة على 18 طائفة دينية، كما يلامسها ما يخطط لمستقبل لبنان في المشهد الإقليمي، لا سيما من قبل الموالين لدمشق وطهران، من سعي دؤوب إلى تغيير العلاقة بين لبنان وسوريا، حتى إذا ما استدعى ذلك تغييرا ديمغرافيا يبدل من هوية القرى الحدودية بين البلدين، وهذا تماما ما يحصل من خلال إرسال اللاجئين إلى إدلب وليس إلى مدنهم وقراهم التي عمل حزب الله والميليشيات الإيرانية الأخرى على تفريغها من سكانها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وتتحدث الإحصاءات عن وجود حوالي مليون لاجئ سوري مسجلين في المفوضية العليا للاجئين. لكن تقديرات أخرى تكشف عن وجود 500 ألف آخرين غير مسجلين ينتشرون في كافة أنحاء لبنان.
وتنقل الغارديان عن لاجئين في بيروت أن العاصمة اللبنانية تسعى اليوم إلى دفعهم للعودة إلى سوريا بعد أن حقق النظام السوري تقدّما عسكريا على كثير من مناطق البلاد بدعم كامل من روسيا وإيران وميليشياتها.
ويقول نبيل حمصي، وهو لاجئ في لبنان، إن “الضغوط ترتفع لدفعنا إلى مغادرة البلد واقناعنا أن الأمور عادت إلى مجاريها في سوريا”. وكانت الجمعيات المناط بها تقديم العون للاجئين قد أعربت مؤخرا عن قلقها من الضغوط التي تمارس على اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا.
ويرى مراقبون أن هواجس المجتمع المدني لن تحول على ما يبدو دون إجبار اللاجئين على العودة إلى بلدهم دون أي ضمانات، بما سيشكل لاحقا انفجارا داخل سوريا، يفتح أبواب حروب أخرى بين مناطق العودة.
العرب اللندنية