بعد ترقب دام خمسة أشهر، وقبل يوم من تصويت مجلس الشورى الإيراني على ثقة الوزراء المقترحين للحكومة الجديدة. عيّن في الرابع عشر من الشهر الحالي مرشد الجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي، آية الله محمود هاشمي شاهرودي، رئيسا لمجلس تشخيص مصلحة النظام بدلا من رئيسه الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني، ويعكس تعيين رئيس الجهاز القضائي السابق محمود هاشمي شهرودي على رأس هذا المجلس تعزيز سلطة المحافظين في مؤسسة أساسية على رغم نجاح الاصلاحيين الأخير في الانتخابات الرئاسية والبلدية.
يعد مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يضم 44 عضواً، دوراً أساسياً في رسم السياسة الإيرانية، فهو أرفع هيئة استشارية تقترح السياسات العامة للنظام على المرشد الإيراني علي خامنئي، كما يعد أعلى هيئة رقابية على تنفيذ السياسات الشاملة للنظام السياسي، فضلا عن حل مشكلات النظام بمشورة المرشد الإيراني. ويتيح الدور الرقابي للمجلس تعطيل قرارات البرلمان والحكومة المعارضة لسياسات النظام، كما يضع الدستور الإيراني الفض في خلافات البرلمان ومجلس صيانة الدستور على عاتق مجلس تشخيص مصلحة النظام. ويتكون مجمع تشخيص مصلحة النظام من الشخصيات الحقوقية وفيهم رؤساء السلطات الثلاث، وفقهاء مجلس صيانة الدستور، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ووزير أو رئيس المؤسسة المعنية بالموضوع، ورئيس اللجنة البرلمانية بمجلس الشورى الإسلامي المعنية بالموضوع.
يعتبر «شاهرودي» من المقربين لمرشد الثورة الإيراني السيد علي خامنئي وخليفته المحتمل لمنصب الولي الفقيه، بحسب مراقبين. وكان «شاهرودي» وهو أحد أهم مراجع الشيعة في إيران والعراق يدير مجلس تشخيص مصلحة النظام بالإنابة منذ وفاة «رفسنجاني» في 8 كانون الثاني/يناير الماضي.
وُلِد شاهرودي في مدينة النجف العراقية عام 1948، ودرس في حوزتها الدينية، قبل أن يستجيب لطلب من أستاذه الإمام محمد باقر الصدر، ويسافر إلى إيران عام 1980، بعدما أوقفه نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. لمع اسمه بعد رحيل الخميني وتولّى خامنئي القيادة، إذ انتُخب رئيساً للقضاء لولايتين (1999 – 2009)، وعضواً في مجلس الخبراء، ثم نائباً لرئيسه.
يرجع المتابعون للشأن الإيراني أن اختيار السيد علي خامئني “شهرودي” رئيسًا لمجلس تشخيص مصلحة النظام فهو يسعى إلى إعادة تعزيز نفوذ المحافظين الأصوليين من جديد، بعد أن تسببت نتائج انتخابات مجلس الشورى ومجلس الخبراء والرئاسة التي أجريت في شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل 2016 وأيار/ مايو 2017 على التوالي، في تراجعه بشكل ملحوظ لصالح تيار المعتدلين الذي يضم الجناح الموالي للنظام من تيار الإصلاحيين والجناح التقليدي من تيار المحافظين. ويرجعون سبب الاختيار أيضًا أن النتائج البارزة التي حققها المعتدلون في تلك الانتخابات لا تصب في صالح تكريس موقع السيد علي خامئني باعتباره الرجل الأول داخل النظام، كما يمكن أن تدعم من فرص مشاركتهم في إعادة صياغة الترتيبات والتوازنات السياسية خلال المرحلة القادمة، التي قد تشهد استحقاقات أكثر أهمية، أبرزها اختيار خليفة لخامنئي نفسه، في ظل تقدمه في السن وخضوعه لعملية جراحية على البروستات في أيلول/ سبتمبر 2014، بشكل دفع النظام إلى إعداد قائمة بمرشحين محتملين لتولي منصب المرشد خلفا له. قد يكون “شاهرودي” من أبرز الشخصيات التي ستتخلف خامئني في منصبه بعد وفاته.
وعلى الرغم من أنه يعتبر من المقربين من المرشد الأعلى الإيراني والمرشح الأوفر حظا للفوز بمنصب الولي الفقيه من الناحية الدينية، لكن بعض التيارات والمراجع في إيران تعارض تسلمه منصب المرشد بسبب جنسيته العراقية.وكان بعض النواب اعتبرو جنسية «شاهرودي» تعد إشكالية أمام دخوله في مجلس الخبراء، خاصة أنه تزعم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي كان أقوى المنظمات الشيعية المعارضة العراقية في إيران، حتى سقوط النظام العراقي عام 2003. ويرى المراقبون للشأن الايراني أن قرار السيد علي خامئني بتعيين “شاهرودي” رئيسًا لمجلس تشخيص مصلحة يعكس حرصه على إعادة تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني بما يخدم مصلحة المحافظين والرهان على الخط المتشدد في الداخل والخارج الإيراني. كما كشف هذا التعيين إنهاء أي فرصة لبروز التيار الإصلاحي في أي دور في الحياة السياسية الإيرانية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية