بيروت – حذرت مصادر سياسية أميركية من تضخم حزب الله اللبناني بضم حشود من الميليشيات التابعة له وإدارة تدريبها وتسليحها في بلدان المنطقة.
وقالت إن حزب الله يشرف على قيادة مقاتلين متعددي الجنسيات ومتعددي اللغات ينتمون إلى جماعات مختلفة تدين بالولاء لإيران.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى تجاوز شبكة حزب الله حدود لبنان بسبب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. الأمر الذي يشكل خطرا إقليميا يهدد مصالح الدول ويخدم أجندة التوسع الإيراني.
وذكرت الصحيفة أن اهتمام العالم انصب في السنوات الأخيرة على كيفية مواجهة الآلاف من المقاتلين السنة الذين توافدوا من أصقاع العالم ونواحيه للالتحاق بتنظيم داعش والقتال في صفوفه في سوريا والعراق. لكن عواصم القرار الكبرى لم تول أي اهتمام لشأن مقاتلين جهاديين شيعة وفدوا أيضا من بلدان مختلفة للعمل في صفوف الميليشيات الموالية لإيران.
ويقود ضباط حزب الله مقاتلين من أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان واليمن والكويت والبحرين، داخل الجبهات التي تحتاجهم فيها أجندة الحرس الثوري الإيراني، لا سيما ذراعه الخارجية، فيلق القدس بقيادة اللواء قاسم سليماني.
وتنظر إيران إلى حزب الله بصفته شريكا كاملا وأساسيا في خطة الهيمنة التي تسعى إليها على بلدان المنطقة.
ويستند حزب الله في بسط نفوذه على شبكة مالية اجتماعية إنمائية تربوية ترفد شبكاته العسكرية والأمنية وتسهّل تمرير خطابه العقائدي دينيا وسياسيا.
وذكرت الصحيفة في تقرير موسع لها أن إيران استدعت حزب الله بعد احتلال العراق عام 2003 لتنظيم الميليشيات الشيعية وتدريبها والتي قامت لاحقا بقتل المئات من الجنود الأميركيين والآلاف من العراقيين في جرائم قتل على الهوية.
واستطاعت إيران من خلال حزب الله توسيع شبكتها العسكرية، ما مكّنها من السيطرة على أعداد كبيرة من الميليشيات العراقية الجاهزة للعمل لحساب إيران في العراق أو سوريا أو أي منطقة أخرى.
ووصفت نيويورك تايمز حزب الله بـ”بلاك ووتر إيران” في استعارة من اسم شركة بلاك ووتر للعمليات الأمنية التي تورد المرتزقة من مختلف دول العالم، مؤكدة أن الحزب بمثابة شركة عمليات أمنية خاصة لإيران متواجدة في بلدان عدة لمواجهة عدة أعداء، وأن وظيفته الحقيقية الكبرى باتت الإشراف على شبكة معقدة يختلط فيها العسكري بالأمني بالمالي.
ولا يتردد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله بالإجهار بأن الدعم المالي والسياسي والعسكري يأتي من إيران وبأن عناصر الحزب يدينون بالولاء للولي الفقيه المرشد الأعلى علي خامنئي.
ويؤكد نصرالله أن علاقة الحزب بطهران ليست علاقة تحالف، بل علاقة أيديولوجية تؤمن بنظرية ولاية الفقيه التي خرج بها الإمام الخميني وجعلها أساسا لنظام الحكم في الجمهورية الإسلامية.
ويعتبر خبراء في الإسلام السياسي أن خطاب حزب الله تأسس منذ نشوئه في ثمانينات القرن الماضي على مسألة العداء لإسرائيل والدعوة لتحرير الأرض بما جعله ينهل من مخزون شعبي عام كما أتاح له الربط مع تيارات جهادية سنية كما مع جماعات الإسلام السياسي السني.
ويضيف الخبراء أن ما يجمع هذه الجماعات السياسية الإسلامية مع حزب الله هو التوق إلى إقامة دول دينية وأنظمة حكم إسلامية، بما يجعل الخلافات بين إيران وجماعات السنة، كجماعة الإخوان المسلمين ظرفية عابرة يمكن تجاوزها بسهوله.
وترى مراجع أمنية دولية أن التحالف العسكري الذي يقيمه حزب الله مع الميليشيات الشيعية المتعددة الجنسيات قد كسب خبرات قتالية في السنوات الأخيرة، وأن انتهاء القتال في العراق وسوريا يوما ما، سيجعل من تلك القوات أداة تهديد حقيقي لإسرائيل. والأمر ليس استشرافا مجانيا، بل هو حقيقة تستند عليها تل أبيب، بكافة أجهزتها الأمنية والعسكرية، وتدفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى طرق أبواب واشنطن وموسكو للتحذير مما يشكله بقاء قوات إيرانية في سوريا من أخطار على أمن الدولة العبرية.
غير أن المتابعين للشؤون الإيرانية يعلمون أن مسألة الصراع مع إسرائيل ليست إلا خطابا تمارسه طهران وشعارات ترددها ميليشياتها من بيروت إلى صنعاء، وأن الهدف الوحيد لطهران هو الدفاع عن ديمومة النظام وبسط هيمنته على أوسع مساحة ممكنة في الشرق الأوسط.
فيليب سميث: ضباط حزب الله يقودون الجبهات التي تحتشد بالمقاتلين الشيعة الأجانب
ويضيف هؤلاء أن حزب الله نفسه لم يتجرأ منذ حرب عام 2006 على تجاوز قرارات مجلس الأمن والتفاهمات المتعلقة بالحدود مع إسرائيل، كما أن حروب الحزب في سوريا وامتداداته في العراق واليمن والكويت والبحرين، جعلت هدف مقارعة إسرائيل في مستويات متأخرة داخل سلم أولويات الحزب وهمومه.
وتقول الصحيفة إن حزب الله لعب دورا محوريا في عملية حث الشيعة في العالم على التطوّع للقتال لصالح إيران ضد خصومها، بمن فيهم القوات الأميركية في المنطقة.
ويذكّر المراقبون بالأدوار التي لعبها حزب الله لضرب التواجد العسكري الأميركي في لبنان وتفجير سفارة الولايات المتحدة في بيروت وخطف مواطنين غربيين، بمن فيهم أميركيّ الجنسية، في ثمانينات القرن الماضي.
ونقلت نيويورك تايمز عن مصادر عراقية أنه بعد سقوط الموصل في يد تنظيم داعش عام 2014، عملت الماكنة الإعلامية الإيرانية على النفخ في خطاب يتحدث عن خطر يواجه الشيعة في البلاد.
ونقل بن هوبارد مراسل الصحيفة الأميركية في الشرق الأوسط عن حمزة محمد أنه توجه للتطوع في أحد مكاتب الميليشيات التابعة لإيران في العراق، لقتال داعش ثم توجه لقتال المعارضة السورية لنظام بشار الأسد في سوريا ثم العودة إلى العراق والعمل في صفوف تلك الميليشيات الموالية لطهران مقابل مبلغ ألف دولار شهريا.
وحسب رواية محمد للصحيفة، كان حضور حزب الله طاغيا وناظما لحركة القوات ومهمات الميليشيات ودافعا بخطاب عقائدي مذهبي لا لبس في مضمونه.
واعترف أن كثيرا من التدريبات المتقدمة جرت في لبنان على أيدي ضباط محترفين من إيران ومن حزب الله.
وقال فيليب سميث، الباحث في شؤون الجماعات المسلحة، في جامعة ميريلاند، “إن أكثر من 10 آلاف مقاتل عراقي كانوا يقاتلون في سوريا أثناء معركة حلب العام الماضي، إضافة إلى آلاف أخرى من بلدان أخرى. وقد عمل ضباط إيرانيون على تنسيق ميداني بين كافة الميليشيات المدافعة عن نظام الأسد والقوات الجوية الروسية، فيما كان حزب الله يوفر ضباطه الناطقين بالعربية لقيادة الجبهات التي تحتشد بالمقاتلين الشيعة الأجانب”.
وترى أوساط مراقبة أن ارتباط إيران كدولة باتفاقات مع المجتمع الدولي يضيّق هامش المناورة التي يمكن أن تتحرك داخله المؤسسات الرسمية العسكرية والأمنية في مسائل السياسة الخارجية الإيرانية.
ويضيف هؤلاء أن حزب الله يقوم حاليا بالدور الذي لا تستطيع طهران القيام به، وأن العقوبات التي تعمل واشنطن منذ سنوات على فرضها وتشديدها ضد حزب الله، تعكس وعيا أميركيا بالخطر الذي يشكله حزب الله على نحو يجعل من التصدي للحزب أمرا منفصلا عن أي علاقة أميركية أو غربية مع إيران.
ويقول مراقبون إن الحزب بات مدركا لهذا الأمر ويعي عملية الفصل التي تجريها واشنطن بين إيران وبين حزب الله.
ويؤكد هؤلاء أن عمل حزب الله في لبنان وسوريا ليس فقط لتنفيذ أجندة إيران، بل لفرض أمر واقع داخل سوريا ولبنان يجعل منه رقما صعبا ليس من السهل تجاوزه داخل أي ترتيبات تعد لسوريا وداخل أي تفاهمات قد تصل إليها دول العالم مع إيران.
العرب اللندنية