كوريا الشمالية والعالم: من الذي لا يفهم منطق القوّة؟

كوريا الشمالية والعالم: من الذي لا يفهم منطق القوّة؟


لم تغيّر التهديدات الأمريكية الصريحة بمواجهة كوريا الشمالية، والعقوبات الأممية الكبيرة ضد نظامها، أسلوب زعيمها كيم جونغ أون الذي أطلقت قوّاته، من جديد، صاروخاً باليستيا حلّق 14 دقيقة لمسافة 2700 كم وعبر سماء اليابان ليسقط في المحيط الهادئ، وهذا يعني أن بيونغيانغ لم تقتنع بامتداح وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون لها على «ضبط النفس» الذي مارسته وتفضيل بلاده «الحل الدبلوماسي» على العسكري، واعتبار ترامب أن زعيمها «بدأ يحترم القيادة الأمريكية»!
أخفّ ردود الفعل على الخطوة جاء طبعاً من الصين، أقرب الدول جغرافيا (وسياسيا) إلى كوريا الشمالية، حيث دعت جميع «الأطراف إلى ضبط النفس»، وكان موقفا كوريا الجنوبية واليابان، الطرفان المهددان مباشرة من تصعيد بيونغيانغ، واضحاً في الفزع والتحضّر لمواجهة احتمالات الكارثة (أحد جنرالات كوريا الجنوبية قال إن قوات بلاده الجوية «ستبيد» قيادة كوريا الشمالية)، أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقالت على لسان رئيسها دونالد ترامب إن كل الخيارات مطروحة، وجاءت التصريحات الأوروبية متقاربة طبعا مع الأمريكية.
أحد المحللين اليابانيين اعتبر أن كوريا الشمالية «تعتقد أنها باستعراض قدراتها ستفتح سبيلا للحوار لكن منطقها غير مفهوم لبقية العالم»، وهو كلام ينطبق على بيونغيانغ فحسب، لأنها دولة شبه محاصرة، واقتصادها ضعيف، وليس هناك بين الدول العظمى، بما فيها الصين، من يستطيع الاستمرار في الدفاع عن تحدّيها لأمريكا واليابان وكوريا الجنوبية، وبالتالي فإن اشتغالها على سياسة «حافّة الهاوية» لا يفعل غير أن يقرّبها فعلاً إلى تلك الهاوية ويقلّل من خياراتها ويجمع العالم ضدها.
لنقارن، على سبيل المثال، بين كوريا الشمالية وروسيا، التي هي دولة عظمى، تمتلك حق الفيتو، ولديها أيضاً ترسانات جوّية وبحرية وبرية نووية، والتي قامت، من بين أفعال أخرى كثيرة، باحتلال شبه جزيرة القرم والتدخل العسكري في شرق أوكرانيا، واحتلال أجزاء من جورجيا واقتطاع وتأسيس دولتي أبخازيا وأوسيتيا، ودمّرت جمهورية الشيشان وسحقت استقلالها ونصّبت رئيساً يتفاخر بتبعيته المباشرة لزعيمها فلاديمير بوتين، وشاركت في الدمار الهائل الذي تعرّضت له سوريا، وآخر أخبارها أنها تجهّز الآن لمناورات كبيرة في بيلاروسيا تحاكي احتلال بولندا وبلدان أخرى.
ترامب، المطوّق باتهامات بدعم الإدارة الروسية لعملية انتخابه، والذي هدّد كوريا الشمالية بـ»النار والغضب» سابقاً، وبـ«الخيارات المفتوحة» أمس رفض أول أمس الاثنين اعتبار أن روسيا تمثل تهديدا أمنيا للغرب، وقال إن لديه أملا بوجود «علاقات طيبة» معها، وهذا مثال فصيح على أن «العالم» يفهم «منطق» القوّة، حين لا يستطيع أن يتغلّب على تلك القوّة، أو حين تكون له مصالح مشتركة معها.
الأمر نفسه ينطبق على إسرائيل، المحميّة بجماعات الضغط المالية والسياسية الهائلة داخل أمريكا وأوروبا (وروسيا)، وهو ما يمكنها من احتقار القرارات الأممية، وتكريس الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري وشن الحروب المتتالية وفرض أجنداتها على عواصم العالم.
كذلك ينطبق الأمر على أكثر طغاة العرب وحشيّة، كبشار الأسد، الذي يقوم «العالم» حاليّاً «بتفهم» ضرورات بقائه لأنه، كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، «عدوّ لشعبه» فحسب، وليس عدو فرنسا، وما دام الضحايا إذن سوريّون فلماذا على العالم أن يعادي الطاغية؟
المعادلة إذن أن تقتصر وحشية الطاغية وشرّه على شعبه، أو أن يكون يملك «فيتو» في مجلس الأمن وترسانة نووية تحميه، أو أن تكون لوبيات المال والسياسة في صفّه، وإلا فإن مصيره سيكون موضع مناقصة بين القوى العظمى، كما هو حال جونغ كيم أون.

القدس العربي