في خضم الأوضاع السياسية والأمنية التي يعيشها العراق تأتي زيارة محمود الشاهرودي رئيس مجلس مصلحة تشخيص النظام الايراني الى بغداد في سلسلة من اللقاءات التي تسعى الى تحقيق أهداف ورؤى استرتيجية للسياسة الايرانية في العراق وتحقيق حالة التحالف الميداني الذي امتد لسنوات عديدة بعد الاحتلال الامريكي للعراق وارساء أسس جديدة لحالة التفاعل والانسجام بين جميع المكونات الشيعية التي تحظى بدعم واسناد من النظام الايراني الذي يرى فيها حليفا له في جميع القضايا والاهتمامات المشتركة خاصة وان التوافق السياسي والأمني والاقتصادي بين ايران والعراق أصبح سمة أساسية في العلاقة بين البلدين وأصبح العراق يشكل عمقا مهما واستراتيجيا للسياسة الايرانية وأهدافها في المنطقة العربية والشرق الاوسط .
ومن هنا تأتي أهمية اختيار شخصية دينية سياسية بعمق وعلاقة الشاهرودي باصحاب القرار السياسي الايراني وقربه من المرشد الاعلى علي خامنئي ولتبيان أهمية هذه الزيارة ودلالاتها وعمقها وأفاقها المستقبلية يمكن أن نحددها في الاهداف التالية :
1.اتسمت الحالة السياسية بين جميع الاطراف والاحزاب والكتل الشيعية بحالة من الاختلاف في الرؤى السياسية للتعامل مع الاحداث الجارية الان في العراق بما انعكس سلبيا على مواقفها وعلاقتها ببعضها ،فأصبحت الخلافات عميقة وظاهرة ومتصاعدة داخل التحالف الوطني وحالة الانقسام والتشرذم الذي تشهده العديد من هذه الاحزاب والكتل السياسية فجاء خروج عمار الحكيم من قيادة المجلس الاسلامي العراقي ليشكل تيارا سياسيا أطلق عليه (تيار الحكمة) الذي شكل خروجا عن البنيان السياسي الذي أحكمت ايران سيطرتها عليه ،فالمجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق تأسس في عام 1981 وكان مشرفا عليه الشاهرودي وبعدها أصبح محمد باقر الحكيم مسؤلا عنه وحظي بدعم واسناد واضح من النظام الايراني باعتباره أول تشكيل سياسي يعلن عنه مع بداية الحرب العراقية-الايرانية وكانت انطلاقته من طهران .
ولهذا سعت ايران الى محاولة تطويق هذا الخلاف والتدخل فيه ولكنها لم تفلح رغم الاعلان والتجاوب السياسي من قبل عمار الحكيم واعلانه انه لا يمكن الاستغناء عن توجهات ونصائح علي خامنئي ومن يراهن على تعكير صفو هذه العلاقة فهو واهم .
2.تخوف ايران من تقلص نفوذها في العراق وترى في تصاعد الخلافات بين حلفائها في بغداد بداية لعملية عدم السيطرة على مقدرات الامور السياسية في العراق والتحكم في توجيه قيادات التحالف الوطني ولهذا فهي تسعى الى البدأ في عملية حوار مع هذه القيادات للبدأ بتشكيل تحالفات سياسية شيعية جديدة قد تفضي الى توحيد الاراء والمواقف السياسية القادمة وابقاء تأثيراتها واضحة على الموقف السياسي الشيعي في العراق .
3.ان من أهم الطموحات السياسية والاهداف الاستراتيجية الايرانية في العراق هي ايجاد (ائتلاف شيعي موحد) يعمل برؤية سياسية وبأفكار ميدانية وباشراف ودعم من قبل الجهات الفعالة في القرار السياسي الايراني لأن هذا الموضوع يشكل عمقا مهما تسعى ايران للحفاظ عليه واعتبار العراق هو المعبر الاساسي في طموحاتها بالمنطقة العربية وبالتالي وجود حالة انقسام يؤدي الى اضعاف هذا الهدف ومن الممكن تلاشيه في المستقبل ،وهي تسعى الى تمسك السياسيين الشيعة بالحفاظ على مبدأ الوحدة والتضامن بينهم .
4.تأتي الزيارة بعد التوجه السياسي العربي من قبل العديد من الاقطار العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية في اللقاء والتحاور مع قيادات سياسية ودينية في العراق منها الزيارات التي قام بها زعيم التيار الصدري الى الرياض وأبو ظبي ولقاءه بقياداتها السياسية ،رأت فيها ايران نشاطا عربيا يسعى لتقويض أهدافها في العراق ومن هنا فقد أحست قيادة التيار الصدري وكتلة الاحرار هذا المفهوم الايراني ولم تلتقي مع الشاهرودي بل أعلن الناطق باسم كتلة الاحرار أمير الكناني بان الشاهرودي يحمل مشروعا طائفبا يستهدف العراق وان ايران تعمل على التدخل في الشأن العراقي بشكل لا يصب في مصلحة شعبه من خلال الدفع نحو التخندقات الطائفية .
5.المفهوم العقائدي الطائفي الذي أتى به الشاهرودي وأعلن عنوانه(بناء الأجبال العراقية عقائديا) وهذا يعني تمسك ايران باعتماد الجانب الطائفي اساسا محوريا في العراق والتأسيس لبنية سياسية وفكرية هدفها اضعاف وحدة العراق والتمسك بالمشاريع والاهداف الايرانية التي تسعى الى ابعاد العراق عن تأثيره ومحيطه العربي والاسلامي وزرع حالة الفرقة والخلاف بين شعبه والعمل على تفتيت واحباط اي مشروع سياسي وطني وتوجه عراقي يعمل على وحدة البلد وبمشروع عابر للطائفية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية