التداعيات الاستراتيجية لاستفتاء كردستان العراق

التداعيات الاستراتيجية لاستفتاء كردستان العراق

اجرى اقليم كردستان العراق بتاريخ 25 سبتمبر استفتاء غير ملزم حول الانفصال عن العراق، ليس في المناطق التي تسيطر عليها حكومة كردستان فحسب بل امتد لمناطق أخرى متنازع عليها كمحافظة كركوك الغنية بالنفط، ويمثل الموقفان الدولي والإقليمي متغيرين مهمين يتم في ظلهما طرح فكرة استقلال إقليم كردستان عن الدولة العراقية، ويلعبان دور هام في تحديد فرص إجراء الاستقلال من عدمه، كما سيحددان التداعيات الاستراتيجية للاستفتاء في حالة إجرائه.
الموقف الدولي.
يوجد اجماع دولي معارض لخطوة الاستفتاء، فالقوى الدولية: واشنطن، ولندن، وفرنسا، والمؤسسات الدولية: الأمم المتحدة، ومجلس الأمن رافضة لفكرة الاستفتاء على اعتبار أن الظروف المحيطة بالمنطقة، ومحاربة “تنظيم داعش” لا توفر البيئة الملائمة لمشروع الانفصال، إلى جانب ما يترتب عليها من حالة صراع بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، فضلاً عن رفض القوى الإقليمية لفكرة الاستفتاء واستقلال الإقليم، غير أن هذا الرفض يحمل في طياته الموافقة الضمنية لبعض القوى وتحديداً الولايات المتحدة، على مجمل فكرة الاستقلال؛ فالرفض مرتبط بعوامل طارئة وبالتالي مرتبط بالتوقيت، وليس نابعاً من الاعتراض على جوهر عملية الانفصال من حيث المبدأ، نظراً لذلك وفي حال الانتهاء العوامل الطارئة كهزيمة تنظيم “داعش” فإن القوى الدولية ستدعم مسار تفاوضي بين الطرفين حول فكرة استقلال الإقليم على غرار اقليم جنوب السودان.
الموقف الأقليمي.
يأتي في مقدمة المواقف الإقليمية، الموقف الإيراني، والتركي، والعربي، ترفض تركيا وإيران عملية الاستفتاء والانفصال بشكل قاطع، ويرتبط الرفض بتخوفات من أن يشكل استقلال اكرارد العراق حافزاً للأكراد في كلا الدولتين للمطالبة بالانفصال، أو الاستقلال الذاتي، وشكل ذلك أرضية للتعاون بين طهران وانقرة وتنسيق الجهود في خطوات لمواجهة التطلعات الكردية.
جاء الموقف العربي موحداً في قرار جامعة الدول العربية الرافض للاستفتاء، وينطلق الموقف العربي من قاعدة وحدة العراق، وانعكاسات الانفصال على وحدة سوريا مستقبلاً، حيث يشجيع أكراد سوريا على المطالبة بحكم ذاتى على غرار “إقليم كردستان”.
التداعيات الاستراتيجية.
1. اعلان دولة كردية مستقلة في شمال العراق يثير النزعة القومية لدى أكراد تركيا والعراق، ويشجعهما على المطالبة بالانفصال، أو على الأقلّ السعي إلى الاستقلال الذاتي والمطالبة بالمزيد من الحقوق، بما يمس بالاستقرار في كلا البلدين ويحد من طموحاتهما الإقليمية.
2. تقوّض دولة كردية جديدة طموح إيران بتأسيس “هلال شيعي” يمتدّ من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، على اعتبار أنّ الدولة الكردية قد تتمتّع بعلاقات أفضل مع الشركاء السنّة في المنطقة بدل إيران.
3. الاستفتاء الكردي سيعزز التعاون المشترك بين أنقرة وطهران بسبب مخاوفهما بشأن المكاسب الكردية في سوريا والعراق، وسيعمل الجانبين على تجنب خلافاتهما لمعارضة التطلعات الجيوسياسية الكردية في كلا البلدين، وهذا سيدفع الأكراد إلى البحث عن ربط علاقات مع الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات.
4. تفاقم الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة كردستان بشأن المناطق المتنازع عليها بين الطرفين “كركوك”، مع احتمال أن تحرك ايران القوات الشيعية لمهاجمة الأكراد.
5. يشكل الاستفتاء علامة فارقة في مرحلة تفكك النظام العراقي، فقد يؤدي لانفصال آخر، حيث قد يفكّر السنّة بتأسيس إقليمهم الخاص بهم، وبالتالي السير باتجاه التفكك النهائي للعراق على أُسس عرقية طائفية: دولة سنية عربية مركزية، ودولة كردية في الشمال، ودولة شيعية عربية في الجنوب.
6. من الممكن أن تواجه حكومة كردستان أزمة اقتصادية خانقة، إذا ما قررت تركيا اغلاق ميناء جيهان أمام تصدير النفط الكردي، خاصةً في ضوء الديون المتراكمة عليها التي بلغت (20 مليار دولار)، وانتهاء برنامج المساعدات الأمريكية .
7. يسمح للولايات المتحدة باستخدام دولة كردية مستقلة كمنصة انطلاق لتغيير النظام في طهران، أو على الأقلّ لإضعاف موقفها الإقليمي.
الخاتمة
لن يكون للاستفتاء آثار إدارية فورية، كاعادة ترسيم الحدود، أو الانفصال، ولكن يمنح الشرعية والنفوذ السياسي للحكومة الكردية تمهيداً لمفاوضات مع الحكومة المركزية في بغداد، حول المزيد من الحكم الذاتي أو الاستقلال.
تأسيس دولة كردية في شمال العراق يشكّل تحدّيات لإيران وتركيا، لا سيّما أنّه قد يشجّع النزعة القومية وسط الأكراد في الدولتين، ويحد من طموحاتهما الإقليمية، ويقطع الهلال الشيعي، في هذا السياق من الممكن أن تعمل إيران على تحريض المليشيات الشيعية ضد الأكراد، غير أن ذلك سيترك داعياته السلبية عليها حيث يؤدي إلى تحرك أكراد إيران ضدها.
لن تخرج ردة فعل القوى الكبرى والعراق وتركيا وإيران عن الإدانة والشجب لعملية الاستفتاء، بسبب الفشل في صياغة تهديدات ووعود فعالة لإرغام الأكراد عن التخلي عن مشروعهم، ولكن من غير المتوقع أن تنتقل التهديدات الدولية والإيرانية والتركية والعراقية ضد الأكراد إلى حيز التنفيذ، على اعتبار أن تركيا و إيران ستكون متضررة من أي عقوبات تفرضها على كردستان، كما أن روسيا وإسرائيل اعلنتا استعدادهما للوقوف بجانب الأكراد، وبالتالي ستكون موسكو وتل أبيب البديل في حال أي مقاطعة ضد كردستان.

الدكتور سليم محمد الزعنون
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية