بغداد – لا تزال التهديدات التي أطلقتها الحكومة العراقية قبل الاستفتاء تراوح مكانها بانتظار تبلور موقف إقليمي، ولا تختلف في ذلك مع مواقف الأكراد الذين ينتظرون بدورهم نوعية الردود وحجمها. ويتزامن هذا مع اتهامات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني بخيانة بلاده بعد أن كان يصفه في السابق بالأخ، وتحذيرات طهران من فوضى إقليمية خاصة بعد أن تظاهر الآلاف من الأكراد الإيرانيين تأييدا للاستفتاء.
واتهم الرئيس التركي البارزاني بالخيانة لقراره تنظيم الاستفتاء دون الإصغاء إلى موقف أنقرة التي “كانت تتوقع حتى آخر لحظة ألا يرتكب البارزاني هذا الخطأ”، وهو خطاب يتناقض مع تصريحات سابقة يمتدح فيها أردوغان البارزاني الذي راهنت أنقرة على أن يكون ورقتها في الضغط على بغداد بسبب الخلافات حول وجود قوات تركية في بعشيقة.
وكرر أردوغان تهديداته بفرض عقوبات على الإقليم. وقال مخاطبا رئيس إقليم كردستان “بمجرد أن نبدأ في فرض عقوباتنا، فإنك ستكون -على أي حال- في مأزق… بمجرد أن نغلق الصمام، فسيكون الأمر قد انتهى”، وذلك على ما يبدو في إشارة إلى خط أنابيب تستخدمه كردستان لتصدير النفط الخام إلى تركيا والأسواق العالمية.
وغير بعيد عن تركيا، لم يتجاوز الموقف الإيراني مرحلة التحذيرات والتلويح بخيارات مبهمة. وحذرت طهران الثلاثاء من أن الاستفتاء الكردي سيؤدي إلى “فوضى سياسية” في المنطقة، فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني أنه سيرسل تجهيزات صواريخ إلى الحدود.
ونظم الآلاف من الأكراد الإيرانيين مسيرات في الشوارع لإبداء تأييدهم للاستفتاء، وراح السكان في عدد من المدن الكردية الرئيسية في شمال غرب إيران يرقصون في حلقات مساء الاثنين وهم يرددون هتافات الإشادة بالحركات القومية الكردية.
وأظهرت مقاطع فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي سائقي السيارات وهم يطلقون أبواق سياراتهم ابتهاجا والناس يصفقون في مدينتي مريوان وبانه. وكان كثيرون منهم يرتدون أقنعة حتى لا تتعرف عليهم قوات الأمن.
وتسود أجواء من الترقب في كل من بغداد وأربيل، بعد ساعات من إغلاق صناديق الاقتراع. وباستثناء كلمة أدلى بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، فجر الثلاثاء، لم تصدر مواقف رسمية واضحة من بغداد، فيما تجنب القادة الأكراد في الإقليم التعليق على التصريحات المحلية والإقليمية والدولية التي تخللت يوم الاستفتاء.
ووصف العبادي في كلمته الاستفتاء بأنه “غير دستوري”، موضحا أن “المحكمة الاتحادية قررت عدم إجرائه، ومع ذلك تم إجراؤه”. وقال إن “الدستور هو الحكم بيننا، وإذا اختلفنا في الدستور فالمحكمة الاتحادية تحسم هذا الخلاف وليس من حقنا أو حق أي جهة أخرى أن تفسر الدستور على هواها”.
ووفقا لمراقبين فإن تصريحات العبادي ربما تتضمن تراجعا عن اتجاه تصعيدي تبناه قبيل موعد الاستفتاء.
ولكن مصادر مطلعة على النقاشات التي يشهدها مكتب العبادي، تقول إن “رئيس الوزراء يتأنى خشية التورط في رد فعل مستعجل، لكنه حتما سيتخذ إجراءات ما”.
القوة العراقية التي أرسلت إلى تركيا ربما تكون مكلفة بالسيطرة على معبر إبراهيم الخليل الحدودي بين الأراضي التركية ومدينة دهوك التابعة لإقليم كردستان العراق
وقال العبادي إن “الاستفتاء أجري من دون أي اعتراف دولي”. موضحا “الغريب أن المسؤولين الذين قرروا الاستفتاء هم أنفسهم أجروه وهم أنفسهم أعلنوا نتائجه من دون أي رقابة قانونية حيادية”، مستخلصا من ذلك أن هذه الخطوة لن تترتب عليها أي آثار.
وبحسب مصادر سياسية في بغداد، فإن “العبادي يخشى أن يؤدي تباطؤ الحكومة المركزية في اتخاذ إجراءات عاجلة إزاء نوايا الانفصال الكردي إلى تقويض شعبيته التي حققها بسبب ملف الحرب على داعش”، لكنه، وفقا للمصادر ذاتها، “لا يريد أن يندفع في إجراءات عقابية متسرعة تصنع تعاطفا دوليا مع القيادة الكردية”.
وفي تطور لافت أرسل العبادي المئات من جنود القوات العراقية الخاصة إلى جنوب شرق تركيا لإجراء مناورات مشتركة مع الجيش التركي.
وجاء الإعلان عن هذه الخطوة بعد دقائق قليلة من إغلاق صناديق الاقتراع في الاستفتاء الكردي. وتجري القوات التركية مناورات وتدريبات في المنطقة المذكورة القريبة من حدود كردستان منذ خمسة أيام.
وتقول مصادر مطلعة لـ”العرب” إن “القوة العراقية التي أرسلت إلى تركيا ربما تكون مكلفة بالسيطرة على معبر إبراهيم الخليل الحدودي بين الأراضي التركية ومدينة دهوك التابعة لإقليم كردستان العراق”.
ويخضع المنفذ الحدودي المذكور إلى سيطرة سلطات إقليم كردستان، وتديره بمعزل عن بغداد بحماية قوات البيشمركة الكردية. ويعد هذا المنفذ الشريان الرئيسي لتبادل تجاري بمليارات الدولارات سنويا بين العراق وتركيا.
ووفقا للقوانين العراقية النافذة، فإن إدارة المعابر الحدودية شأن سيادي يدخل ضمن الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية.
وفي دليل إضافي بشأن نوايا بغداد إزاء المعبر الحدودي بين تركيا وكردستان، نسبت وزارة المالية في الحكومة المركزية 41 موظفا للعمل في منفذ إبراهيم الخليل. وتقول مصادر “العرب”، إن “اثنين من كبار موظفي دائرة الجمارك الاتحادية في بغداد رافقا القوة العراقية التي ذهبت إلى تركيا لإجراء تقييم ميداني بشأن احتياجات المنفذ اللوجستية”.
وتقول المصادر إن “الحكومة ستدفع بموظفيها المدنيين للعمل في المنفذ، وفي حال منعهم من قبل السلطات الكردية، سيعد ذلك تجاوزا قانونيا يستوجب استخدام القوة، ما قد يفسح المجال لتدخل عسكري ينتج عنه بسط سلطة بغداد على الموقع″.
وفي موازاة ذلك علمت “العرب” أن “سلطة الطيران المدني في العراق عقدت اجتماعا لكبار موظفيها في وقت متأخر من مساء الاثنين، لدراسة مستقبل التعامل مع مطاري أربيل والسليمانية في إقليم كردستان”.
وما زالت الرحلات بين بغداد وأربيل والسليمانية تسير بشكل طبيعي، لكن المصادر تتوقع أن يدخل هذا الملف ضمن أدوات الضغط التي قد تلجأ إليها بغداد.
إقليميا، لم تشهد المواقف تغييرا يذكر بعد إجراء استفتاء كردستان، إذ تكررت التهديدات التركية والإيرانية من دون أن تتضح وجهة خطط البلدين للرد على الخطوة الكردية في العراق.
وتقول مصادر سياسية رفيعة في أربيل إن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، ربما لا يخشى رد الفعل التركي كثيرا بقدر اهتمامه بالموقف الإيراني وموقف الفصائل المسلحة التي توالي طهران في العراق.
لكن مراقبين يقولون إن جميع الاحتمالات ما زالت قائمة، بما في ذلك “إجراءات قاسية” تتخذها بغداد ضد إقليم كردستان.
وقرر مجلس الوزراء العراقي الذي انعقد مساء أمس فرض حظر مشروط على الرحلات الدولية من وإلى إقليم كردستان، وقرر إخضاع المنافذ الحدودية لإدارة الحكومة المركزية.
واستدعى البرلمان العراقي رئيس الوزراء للحضور، لمعرفة نواياه ردا على الاستفتاء. وتقرر أن يحضر العبادي إلى البرلمان الأربعاء.
وسيعيد البرلمان، بحضور العبادي، التصويت على ورقة إجراءات ضد الإقليم، تلتزم الحكومة بتنفيذها، من بينها نشر قوات تابعة للحكومة الاتحادية في مناطق تقع خارج حدود إقليم كردستان المعروفة وتسيطر عليها قوات البيشمركة منذ صيف 2014، عندما غادرتها القوات العراقية إثر اجتياح داعش للموصل.
ومن شأن خطوة كهذه أن تطلق صداما بين القوات التابعة للحكومة العراقية والبيشمركة الكردية، لا سيما إذا تعلق الأمر بكركوك التي يعتقد الكرد أنها تلعب دورا مفصليا في مشروع الدولة الكردية بسبب كميات النفط الطائلة التي تمتلكها.
العرب اللندنية