(الجزيرة) |
ملخص يحاول الباحث في هذه الورقة أن يجيب على تساؤلٍ مفاده: هل يكمن سبب الأزمة اليمنية التي أحدثت انقلابًا حادًّا في المشهد الجيواستراتيجي في جنوب شبه جزيرة العرب في “جماعة الحوثي”؟ ويحاول أن يسلط الضوء على أسباب الأزمة الراهنة التي يمر بها اليمن، حيث يرى أنّ من أهمها:
كما يرى الباحث أن المستجدات الإقليمية تحتم على الخليجيين أن يتحولوا من مرحلة “تأدية الدور” إلى إلزام أنفسهم بواجب الوقوف إلى جانب اليمن لإخراجه من أزمته، ليس بالمساعدة المادية فحسب، بل السياسية أيضًا؛ وذلك من خلال طرح مبادرة براغماتية تتعامل مع الواقع ولا تحيّد أي طرفٍ من أطراف المشهد السياسي في اليمن؛ يكون هدفها تشكيل حكومة إنقاذ وطني تمسك بزمام الأمور، وتقود حوارًا سياسيًّا يستهدف تفكيك الأزمة والحيلولة دون انهيار الدولة. كما أنّ الحفاظ على الرئة الجنوبية لليمن من خلال الاعتراف بحق عدن في السيادة ولو بشكلٍ مؤقت قد يكون ضرورةً في هذه الفترة. أخيرًا، يخلص الباحث إلى تقديم عددٍ من السيناريوهات لمسارات الأزمة التي تهز اليمن منذ أن سيطر الحوثي على مفاصل الدولة اليمينة، ولعلّ من أهم تلك السيناريوهات الممكن وقوعها حسب الباحث:
|
مقدمة
نجح الحوثي بعد استقاوئه بإيران في حصار العاصمة صنعاء، وتأزَّمت الأوضاع بعد سيطرته على الوزارات وفرض الإقامة الجبرية على الرئيس الشرعي للبلاد ورئيس حكومته، ثم صدور الإعلان الدستوري، ليعقبها انتقال الرئيس اليمني إلى عدن، حيث تبعه وزراء آخرون؛ منهم وزير الدفاع اللواء محمود أحمد سالم الصبيحي، لتهب من بعدها ردة فعل محلية وخليجية وعربية ودولية غاضبة.
الأزمة اليمنية.. أسبابها وأطرافها
بجانب سيارة ذات دفع رباعي، نُصب على ظهرها رشاش عيار 60 ملم، يقف في وسط العاصمة اليمنية صنعاء رجلٌ أشعث في وسطه خنجر، ويتدلى من على كتفه رشاش كلاشنكوف، وبجانبه لوحة كتب عليها شعار الحوثيين: “الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”. فهل وجود هذا الرجل أمامنا في هذا المكان بهذا الشعار هو سبب الأزمة اليمنية التي أحدثت انقلابًا حادًّا في المشهد الاستراتيجي في جنوب شبه جزيرة العرب؟ لقد توالت فصول الأزمة اليمنية بمتغيرات سريعة تقطع الأنفاس، حتى تكاد أسباب الأزمة الراهنة أن تفلت من يد المراقب الذي يستطيع أن يعدد منها:
-
حاضنة البؤس البشري الآخذ في التشكُّل حاليًّا على هيئة أزمة في اليمن، هي نتاج تراكم سنين طويلة من الفقر والفوضى واختلال الموازين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وعِلَل اليمن القديمة كوفرة السلاح وعلو مفهوم المذهب والقبيلة(1)، يضاف إليها اتِّساع رقعة الفساد، وتردِّي الخدمات الأساسية وتدهور الأمن، واستمرار السلطة الجديدة في ممارسة الصور القديمة نفسها، فمجمل الحلول لا يخرج عن شراء الذمم وتوزيع الرتب والمناصب بالترغيب والترهيب.
-
تُعتبر الانتفاضة اليمنية وما رافقها من أحداث واحدةً من انتفاضات الربيع العربي الطويلة، فالأزمة الراهنة ما هي إلا امتداد لأحداث الانتفاضة التي بدأت بثورة الشباب اليمنية في 11 فبراير/شباط 2011 كسلسلة من الاحتجاجات الشعبية، منادية بإسقاط منظومة حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح؛ الذي اضطر إلى توقيع المبادرة الخليجية في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011؛ ومن ثمَّ التنحي عن الحكم.
-
تميزت الانتفاضة اليمنية بنجاحها في عقد صفقة جيدة بالنسبة إلى اليمن(2)؛ تمثَّلت في رحيل الرئيس صالح عن سدة الحكم مُحَصَّنًا من العقاب نظير حقن الدماء؛ لكن بقاء رجاله بقوتهم في المشهد اليمني أفسد جزءًا من تلك الصفقة، وهذا من أقوى أسباب الأزمة الحالية؛ حيث مهَّد ذلك إلى عودة صالح إلى المشهد من خلال تحالفه مع جماعة الحوثي.
-
من أسباب الأزمة الحالية أيضًا، الأزماتُ المعيشية التي استغلَّها الحوثيون في تظاهراتهم واعتصاماتهم في العاصمة صنعاء بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية، ومطالبتهم بإلغاء قرارها، بالإضافة إلى إسقاط حكومة الوفاق الوطني، وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل؛ حيث وجد الحوثي تأييدًا من قطاعات كبيرة في المجتمع اليمني جراء ارتفاع نسبة الفقر إلى 54.5% وزيادة البطالة إلى 60% بين شريحة الشباب(3).
-
كثرة الأطراف الداخلية التي تُحَرِّك الأزمة اليمنية من غير جماعة الحوثي، فقبل دخول الحوثي صنعاء تقاسم حقائب حكومة الوفاق الوطني تكتُّلا اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام، وقد تصاعد الجدل بينهما حول مَنْ يتحمَّل مسؤولية الأزمة الاقتصادية؛ التي أفضت إلى استيلاء جماعة الحوثي على مفاصل الدولة. وعند تفكيك الساحة السياسية الداخلية في اليمن نجد أن الدولة العميقة يمثلها كلٌّ من حزب المؤتمر الشعبي العام “النظام السابق”، والحراك الجنوبي وقوى ثورية مختلفة (إسلامية وليبرالية). إن معظم تلك الأطراف تدعمها قوى إقليمية مختلفة لديها استراتيجيتها وأهدافها التي تسعى لتقريبها أو إبعادها عن الأطراف الخارجية؛ سواء تلك التي تتعاطف مع الإخوان المسلمين (تجمُّع الإصلاح)، أو التي تدعم جماعة الحوثي (إيران)، أو التي تتقرَّب من الرئيس المعزول علي عبد الله صالح أو من الحراك الجنوبي(4).
على الرغم من أن اليمن بلد يغص بالأزمات السياسية والاقتصادية، فإن حصار الحوثيين ثم دخولهم صنعاء قد أدّى إلى بوادر سقوط الدولة اليمنية مع ما له من تبعات؛ كان أولها استقالة رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي ورئيس وزرائه خالد بحاح؛ حيث شكَّل ذلك ضربة قاصمة لشهية الحوثيين المنفتحة بقوة، ليختم مشهد مآسيهم تمكُّن الرئيس عبد ربه منصور هادي من الخلاص من قبضتهم ووصوله إلى عدن، وإعلانه الاستمرار بقيام حكومته بمهامها من مدينة عدن، وهو ما أوقف استكمال مخططات الحوثيين، ووضعهم في مواجهة مباشرة مع الشعب من جهة والمجتمع الدولي من جهة أخرى(5)، ما أدّى إلى إعلانهم في 16 من مارس/آذار 2015 إطلاق سراح رئيس الوزراء اليمني السابق خالد بحاح وعدد من وزراء حكومته؛ وذلك بعد وضعهم رهن الإقامة الجبرية لمدة شهرين(6).
الكانتونات القبلية
كاد اليمن على وشك أن يدخل في حرب أهلية حين حاصر جماعة الحوثي العاصمة صنعاء؛ حيث زاد دخول تلك الجماعة من تعقيدات الموقف؛ وهناك مؤشرات تدلُّ على تشكُّل كانتونات قبلية أو فئوية؛ من أهمها:
-
أظهرت الشبكات القبلية والطائفية تفاعلاً خطيرًا مع الأزمة، عبر الاستيلاء على الأسلحة وتكديسها؛ ردًّا على قيام الحوثي بنقل عدد من الطائرات العسكرية من ميناء محافظة الحديدة إلى محافظة صعدة(7)، كما قام مسلحو بعض القبائل بالسيطرة على الكتائب والألوية العسكرية القريبة منهم؛ وذلك في سباق مع جماعة الحوثي على جمع غنائم الجيش اليمني المفكك؛ بل إن بعض الوحدات العسكرية سلَّمت أسلحتها ومعداتها دون مقاومة كما حدث لكتيبتين عسكريتين تابعتين للواء الـ19 في منطقة عسيلان بمحافظة شبوة(8).
-
رافق الاستيلاء على الأسلحة في مناطق متفرقة من اليمن حركة تشكيل حاميات شعبية لتأمين حدود مناطق معينة؛ ومن ذلك إعلان قبائل حضرموت وشبوة أنها لن تسمح بتحوُّل المحافظتين إلى ساحة للصراع على خلفية ما يحدث في صنعاء، وقرَّرت تلك القبائل تشكيل لجان أمنية لمنع الانفلات الأمني بالمحافظتين(9).
وبالإضافة إلى الاستيلاء على السلاح وتحديد مناطق النفوذ القبلية، هاجم مسلحون قبليون مواقعَ عدةٍ لمسلحي جماعة الحوثي؛ بل إن عددًا من القبائل قامت بمهاجمة مواقع عسكرية موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وهو ما يقود إلى الاعتقاد بتكرار السيناريو الليبي، وتقسيم اليمن إلى «كانتونات» بينها إمارة إسلامية يحكمها تنظيم القاعدة، وجمهورية إسلامية، وأخرى إسلامية حوثية.
إن التردُّد الإقليمي والدولي سيُعَمِّق جراح اليمن بدرجة تستعصي معه الحلول المعروفة في مثل هذه الصراعات؛ كتسليم الميلشيات القبلية لسلاحها، أو محاولة ربط القوات المسلحة القبلية بما فيها جماعة الحوثي بمؤسسات الدولة العسكرية من دون حلِّها؛ وذلك من خلال تشكيل ألوية وكتائب جديدة تعمل مع الجيش؛ كالحلِّ المزمع تنفيذه في العراق من خلال دمج أفراد عدد من القبائل العراقية ضمن وحدات للحرس الوطني.
لقد ضمَّ جنوب اليمن في السابق أكثر من 12 كيانًا بين مشيخة وسلطنة إلى أن تشكَّلت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في وحدة قسرية؛ استعانت خلالها بالاتحاد السوفيتي السابق لتكون دولة اشتراكية ذات حزب واحد؛ لكن نزعة التشظي ستكون في الشمال أكثر منها في الجنوب خلال هذه الأزمة، فوصول الرئيس هادي إلى عدن وتدثُّرها بزي العاصمة وَحَّد أطرافها إلى حدٍّ ما، مقارنة بشمال فوضويٍّ وممزَّقٍ وموزَّعِ الولاءاتِ ويستشري فيه الفساد؛ حيث تحدَّثت بعض المصادر اليمنية عن توسُّع الحوثيين في ضخِّ الأموال لشراء ذمم بعض رجال القبائل(10).
موقف دول الخليج من الأزمة اليمينة
لا يبدو متأخِّرًا كبح النزعة الفوضوية التي طبعت الأحداث في تعامل دول الخليج العربي مع الأزمة اليمنية. لقد وقعت صنعاء في بحثها عن الاستقرار بين مطرقة محدودية قدرات المبعوث الأممي، وبين سندان إطلاق العنان لمبادرات خليجية غير محسوبة العواقب، وكأنها تعويض نقص للخليجيين؛ بعد أن كانت العواصم الغربية هي صاحبة المبادرات ودول الخليج هي صاحبة ردود الفعل. فمن النقاط المرجعية لمحدودية قدرات كلِّ مبعوث أممي عربي تكرار السيد محمد البرادعي جملة: “لم نجد شيئًا حتى الآن”، “نحتاج إلى مزيد من الوقت”، وذلك بعد كل جولة تفتيش في العراق حتى دخل المارينز ساحة الفردوس؛ ثم حين كُلِّف البرادعي بقضية النووي الإيراني لقي الفشل نفسه بين عبارات: “وثائق ناقصة”، و”أسئلة معلقة”. التي طرز بها تقاريره.
أما الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا؛ فقد تبنَّى الخيارات السطحية في معالجة القضايا البنيوية؛ حيث ركز على الانتخابات الرئاسية فيما الأسد يلقي البراميل المتفجرة على شعبه الأعزل. وعليه لم يختلف المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر عن سابقيه؛ فقد أعلن أن اليمن قد أصبح “في مهب الريح”، معبرًا عن يأسه قبل تصويت مجلس الأمن على القرار الخليجي في 15 من فبراير/شباط 2015، ودون أن يلاحظ قبل إعلان يأسه مؤامرات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، أو أن يسمع طلقات جماعة الحوثي وهم في طريقهم إلى العاصمة صنعاء.
إن انتقال المفاوضات التي سيشرف عليها المبعوث الأممي إلى الرياض بالإضافة إلى حوار آخر يجري بالتوازي في صنعاء، لا يُعتبر مشجِّعًا؛ وإن تجاوزنا معضلة حوارين في عاصمتين مختلفتين؛ فإنه لا يمكن تجاوز أن مَنْ يُشرف على كلا الحوارين قد فشل في التوصُّل إلى مخرجات حوارٍ واحدٍ، كما أن تبلور الدعوة الخليجية في الاجتماع الوزاري الذي عُقد في 14 من فبراير/شباط 2015 في المطالبة بقرار أممي يضع اليمن تحت الفصل السابع مجال استفسار أيضًا؛ فهل كانت المطالبة باستخدام الأعمال العسكرية هي نتيجة موقف تفاوضي اقترحه الخليجيون حتى تتراجع جماعة الحوثي عن إعلانها الدستوري وعودة الحكومة الشرعية ؟ أم هي دعوة أصيلة يُراد منها فرض حصار اقتصادي وعزلة دبلوماسية وتدخُّل عسكري دولي لإرجاع الغاصبين إلى صعدة؟
إن لكلا الأمرين آثارًا سلبية؛ فالتدخل العسكري الدولي في جزيرة العرب خطيئة استراتيجية تتحملها دول الخليج حين تنفتح الأبواب أمام الجماعات الجهادية المتشدِّدة بذريعة فريضة الجهاد، وهو ما قد يؤدي إلى تحوُّل اليمن إلى أفغانستان الجزيرة العربية؛ كما أن بيئة العلاقات الدولية غير مهيأة لمثل هذا القرار؛ فموسكو تواجه في أوكرانيا حالة مماثلة؛ حيث يُشبه فِعْل أنصارها ما يقوم به الحوثيون في اليمن، ومن المرجح أن تستخدم حقها في النقض “الفيتو” على مثل هكذا قرار. أما بكين فستراعي طهران، كما ستراعي موقفها المنسجم مع توجهها الرافض للهيمنة الغربية على القرارات الأممية تحت البند السابع؛ وعليه لابدَّ من التساؤل: هل ما زال اليمن بحاجة إلى مفاوض عاجز؟ كما أنه لابدَّ من معرفة أنه لن تنجح في اليمن مبادرة لا تخدم مصالح أعضاء مجلس الأمن ودول الجوار الإقليمي؛ فلن يردع الحوثي إلا مبادرة يمنية شاملة تلقى دعمًا خليجيًّا أمميًّا(11).
دول الخليج في الأزمة اليمنية: تأدية دور أم تنفيذ لواجب؟
بحثت دول الخليج عن مصالحها في اليمن من خلال خلق أدوار اقتصادية وسياسية لها في فترات متباعدة؛ لكن الأزمة الحالية الخانقة وفقدان الثقة بين أطياف العمل السياسي اليمني، كل ذلك أدى إلى احتدام الصراع في البلاد، كما أنَّ دخول طهران في اليمن عبر بوابة الحوثيين، وظهور مستجدات إقليمية حادَّة تحتم على الخليجيين أن يتحولوا من “تأدية الدور” إلى إلزام أنفسهم بواجب الوقوف مع اليمن لإخراجه من أزمته، ليس بالمساعدة المادية فحسب، بل السياسية أيضًا؛ وذلك من خلال التالي:
• مبادرة براغماتية
لقد تمَّ الاتفاف على المبادرة الخليجية الأولى التي أدَّت إلى التوصل إلى اتفاق يتنحى بموجبه الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح عن كرسي الرئاسة، وتم تسييس مخرجاتها(12)؛ حيث اعتبرها اليمنيون بعد خيبة أملهم مبادرة غير محسوبة. كما أن حوار الرياض المزمع عقده تحت مظلة المبادرة الخليجية هو فرصة لمبادرة جدية، ذات محاور جريئة خارج الخطوط المتعارف عليها بالعداء للحوثي؛ فالمطلوب إذًا مبادرة براغماتية(13) تتعامل مع الواقع كما هو، ومع كافَّة أطراف المشهد السياسي في اليمن؛ مبادرة ليست في قطيعة مع الحوثيين أو غيرهم لتشكيل حكومة إنقاذ وطني تمسك بزمام الأمور، وتقود حوارًا سياسيًّا يستهدف تفكيك الأزمة والحيلولة دون الانهيارات.
• الحفاظ على الرئة الجنوبية
في الحالة اليمنية الراهنة نجد أنفسنا أمام حالة سرطانية تتوسَّع لتُفَتِّت نسيج الدولة على كافة الأصعدة؛ وقد يكون من الحصافة أن يسعى الخليجيون إلى المحافظة على الرئة الجنوبية لليمن؛ وذلك من خلال الاعتراف بحق عدن في السيادة؛ فالاعتراف بعدن عاصمة لكل اليمن لن يتعدى شكل تايوان حين فرَّ إليها أعداء الشيوعية من البر الصيني.
سيناريوهات الأزمة اليمنية
يرى الباحث أن الأزمة في اليمن يمكن أن تؤول إلى أحد المسارات التالية:
-
الحرب الأهلية بين جماعة الحوثي من جهة وبين الفصائل الإسلامية السنية من جهة أخرى؛ حيث سيلقى كل طرف دعمًا خارجيًّا، وتكمن خطورة الأمر في ارتفاع قابلية حدوث الحرب الأهلية؛ ثم تحوُّل اليمن إلى دولة فاشلة يديرها زعماء ميلشيات على غرار ما حدث في الصومال؛ فمؤشر التنمية البشرية في اليمن منخفض جدًّا، وتحتل الجمهورية اليمنية المرتبة 164 من 182 دولة في تراتبية الدول الفاشلة(14)، ويدعم فرضية الحرب الأهلية انتقال السلطة الشرعية إلى عدن، وانتقال غرماء جماعة الحوثي إليها، وهو ما يعطي الحوثي مبررًا لتوصيفها بحرب يمنية بين الشمال والجنوب.
-
امتداد الأزمة ومحاولة جماعة الحوثي -بدعمٍ من طهران- التحول إلى حزب سياسي مسلح على نسق حزب الله اللبناني، الذي يملك الثلث المعطِّل في مجلس النواب، مع استمرار اللاعبين السياسيين الآخرين في الساحة؛ ولو كانوا بحالة ضعف مهينة؛ حيث من الممكن أن تتجلَّى في اليمن الانتهازية السياسية كطبيعة بشرية؛ لكنها لن تكون انتهازية يمنية صرفة؛ حيث سيمدُّ كل طرف في المشهد اليمني يده طالبًا المساعدة من طرف خارجي، وسيتصاعد الجدل بين تلك الأطراف حول من يتحمل مسؤولية الأزمات الاقتصادية والسياسية، وهو ما سيقود إلى استمرار اليمن كمستودع للبؤس البشري مع ارتفاع معدلات الفقر فيه.
-
انهيار الحوثيين إذا قاتلهم الشعب من خلال قيام ثورة يمنية حقيقية وَقُودُها غضب الشباب اليمني المنشغل بمستقبل بلاده، لتعود الأمور إلى نصابها؛ حيث لم يَخْلُ التاريخ اليمني من تظاهرات وانقلابات وثورات، قد يكون سيناريو قيام ثورة حقيقية في اليمن نتاجًا لتشرُّب المشهد السياسي بحالة فشل المؤتمرات والحوارات والاتفاقيات بين السلطة والأطراف المعارضة، ولغياب الشباب المستقلين والوطنيين الحقيقيين، ولغموض كثير من بنود الاتفاقيات التي تُبرم لتغليب مصلحة المتصارعين على حساب مصلحة الشعب اليمني نفسه(15).
-
التدخل الخليجي المباشر؛ فقد أكَّد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في البيان الذي صدر عن اجتماعهم مؤخرًا، رفضهم الإعلان الدستوري للميلشيات الحوثية، ودعوا لاستصدار قرارٍ يضع اليمن تحت الفصل السابع(16). تبع ذلك مباركتهم لقيام حكومة يمنية شرعية في عدن، اعترفوا بها ونقلوا سفراءهم إلى حيث تعمل (عدن)؛ وعلى الرغم من اختلاف الحالة؛ فإن التدخل الخليجي المباشر في البحرين من قِبَل قوات درع الجزيرة قد يُشَجِّع على تكراره في اليمن، بالرغم من أن اليمن ليست عضوًا في منظومة مجلس التعاون الخليجي.
إن عدم تبني مجلس الأمن لقرار يضع اليمن تحت البند السابع لا يعني نهاية الحل العسكري؛ فقد تحوَّل حلف شمال الأطلسي بأسلحته ورجاله إلى “قناة غربية” مسلحة لتجاوز العراقيل التي تضعها روسيا والصين أمام “البند السابع”. كما أن محاولة استصدار قرار أممي للتدخل العسكري قد تتكرر بناء على مبدأ مسؤولية الحماية (R2P – R to P)، حيث تفقد الدولة سيادتها حين تفشل في حماية مواطنيها(17). كما أن هناك مدخلَ حمايةِ المصالح في حال السيطرة كلِّيًّا من قِبَل جماعة الحوثي على مضيق باب المندب؛ حيث إنه من مهام قوة التدخل السريع الخليجية المشتركة التي تشكَّلت بقرار مجلس التعاون الخليجي في عام 2009 بدعم مصري وأردني أن تقوم بحماية مصالح كلا الطرفين الحيوية لتأمين الممرات المؤدية إلى قناة السويس وخليج العقبة، وهي خطوة من المُتوَقَّع أن تدعمها كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي في حال تبنِّيَها.
كما قد يكون للتدخل الخليجي المباشر وجه آخر يتمثَّل في حرب اقتصادية على جماعة الحوثي؛ التي باتت تسيطر على العاصمة صنعاء؛ وذلك عبر وقفٍ تامٍّ للمساعدات والمنح التنموية التي تمثل 70% من إجمالي الموارد المالية اليمينة، وسحب الودائع وتجميد الاستثمارات، ثم فرض قيود على تحويلات المغتربين اليمنيين بالخليج.
الخاتمة
لابُدَّ لدول الخليج أن تتحمل مسؤولياتها تجاه ما يجري في اليمن، وبحكم المنطق الداخلي للأحداث في صنعاء فإنه لا يمكن الركون لما هو قائم حتى الآن من جهود المبعوث الأممي، أو إلى مبادرات خليجية غير محسوبة العواقب، كما أن أي نوع من التعاون مع العالم الخارجي لحل قضية اليمن يستلزم إطارًا واضح المعالم حتى لا تتحول جبال اليمن إلى مغارات تورابورا جديدة يُصَفِّي فيها الغرب حساباته مع الإرهاب دون التفات إلى مصلحة اليمن أولًا ودول الخليج ثانيًا.
بناءً على ما تقدَّم، فإن التزام دول الخليج بطرح مبادرة براغماتية هو بمثابة الواجب، كما أنَّ الحفاظ على الرئة الجنوبية بدل خسارة اليمن برمته أمرٌ ينبغي أخذه على محمل الجدِّ. إن تدخلًا خليجيًّا مباشرًا في اليمن أمر فيه الكثير من المخاطر؛ لكن مناورة الحوثيين في 12 من مارس/آذار 2015 على الحدود السعودية بدعم إيراني ما هي إلاَّ مدخل لتطبيق “استراتيجية المناورات” التي تنتهجها طهران، وما جرى كان مناورة عسكرية استفزازية لدول الجوار فيها ما يكفي لحمل الرسائل السياسية والعسكرية لدول الخليج العربي(18).
___________________________________________
د. ظافر محمد العجمي: المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج.
مركز الجزيرة للدراسات
الهوامش
(1) مروان عبدالمولى، “السلاح والفساد والجهل.. أسباب رئيسية في أزمات اليمن”، أخبار اليوم 18 من يناير/كانون الثاني 2015.
(2) “الآفاق المستقبلية لانتقال سلمي للسلطة في اليمن”، حلقة نقاش لمركز بروكنغز الدوحة في 22 من ديسمبر/كانون الأول 2011م.
(3) جريدة الحياة اللندنية 24 من أغسطس/آب 2014م.
(4) توفيق السيف، “جيراننا الدواعش”، جريدة الشرق الأوسط 4 فبراير/شباط 2015م.
(5) عبد الحكيم هلال، “الأزمة اليمنية بين المتغيرات السعودية والوسيط العماني” الجزيرة نت، 2 من فبراير/شباط 2015م.
(6) http://www.nytimes.com/2015/03/17/world/middleeast/houthi-rebels-release-yemeni-officials-from-house-arrest.html?_r=0
(7) “طائرات سوخوي في قبضة الحويين”، جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 18 من فبراير/شباط 2015م.
(8) “مقتل عشرات الحوثيين بمعارك مع قبائل البيضاء”، الجزيرة نت، 14 من فبراير/شباط 2015م:
http://tinyurl.com/oft9h3l
(9) “حضرموت وشبوة تقرر تشكيل لجان أمنية لمواجهة الحوثي”، اليمن برس. 18 من فبراير/شباط 2015م.
(10) http://www.yemen-24.com/news7660.html
(11) د. ظافر العجمي، “اليمن بين قصور المبعوث والمبادرة”، العرب القطرية، 18 من فبراير/شباط 2015م:
http://tinyurl.com/k2rlw2e
(12) “صالح” يطالب دول الخليج بمساعدة اليمن للخروج من الأزمة الحالية، 28 من نوفمبر/تشرين الثاني 2014م:
http://www.vetogate.com/1350231
(13) توفيق السيف، “جيراننا الدواعش”، جريدة الشرق الأوسط، 3 من فبراير/شباط 2015م:
http://tinyurl.com/onqzyce
(14) تقرير الشفافية الدولية المعني بالفساد لعام 2011م:
Transparency International’s 2011 corruption index
(15) عبد العزيز العقاب، “أسباب فشل الاتفاقيات والحوارات اليمنية، صحافة يمن، 20 من يناير/كانون الثاني 2015م.
(16) العربية نت، 14 فبراير/شباط 2015م:
http://tinyurl.com/mrsqh3r
(17) The Responsibility to Protect (R2P or RtoP) is a proposed norm that sovereignty is not an absolute right, and that states forfeit aspects of their sovereignty when.
(18) الخليج بانتظار مناورات إيرانية حوثية مشتركة:
http://www.alwatannews.net/ArticleViewer.aspx?ID=cAJ4bK4K1CdH733337ypGm8w9vw933339933339