تؤكد أوساط سياسية أميركية أن الاقتصار على حصار حزب الله ماليا، لا يكفي لإنهاء التهديد الذي يشكله، أو حتى الحد من قوته وبالتالي لا بد من تنويع سبل المواجهة معه وتبني خيارات أخرى. ويبدو أن الإدارة الأميركية تدرك هذا الواقع وبدأت فعليا في تنفيذ استراتيجية شاملة للحد من قوة الحزب وصولا إلى إنهائه.
وذكرت مصادر قريبة من دوائر صنع القرار الأميركي أنه تم اتخاذ جملة من القرارات في الأيام الماضية من بينها تحجيم دور حزب الله سياسيا على الساحة اللبنانية، وأيضا تتبع كبار مسؤوليه العسكريين. ورصدت واشنطن في هذا السياق جائزة بقيمة 12 مليون دولار لكل من يدلي بمعطيات حول مسؤولي الوحدة الخارجية للحزب.
ومعلوم أن الوحدة الخارجية تشكل إحدى نقاط قوة حزب الله، وينسب إليها القيام بالعديد من العمليات منها تلك التي استهدفت سفارة الولايات المتحدة في بيروت عام 1983، وتفجير السفارة الإسرائيلية في مدينة بيونس آيرس الأرجنتينة في تسعينات القرن الماضي.
وذكرت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أنه تم تخصيص 7 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حول طلال حمير، مسؤول العمليات في الخارج لدى حزب الله، والمتهم بالوقوف خلف خطف أميركيين والقيام بعمليات ضد أهداف للولايات المتحدة.
وخصصت إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا مكافأة بقيمة 5 ملايين دولار أخرى لمن يوفر معلومات بشأن فؤاد شوكر، المسؤول عن عمليات الحزب في جنوب لبنان.
وسبقت هذه الإجراءات التي لم تعلن الخارجية الأميركية رسميا عنها، جملة من الإجراءات الأخرى صادق عليها الكونغرس الأميركي وتتعلق بتعزيز الحصار المالي المفروض على الحزب والتي شملت عددا من المؤسسات التابعة له بينها قناة المنار التلفزيونة وإذاعة النور، وجهاز الحزب الخارجي.
وفي رده على هذه الإجراءات اعتبر الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في كلمة له الأحد، أن “هذه العقوبات لن تغير شيئا في مسار حزب الله، وإذا كانت واشنطن تعتقد أن قانون العقوبات المالية سيؤثر على الحزب بشكل كبير، فهذا الكلام ليس صحيحا، فهو سيضع بعض الضغط على بعض الأطراف ولكنه لن يغيّر من موقف حزب الله”.
وقال نصرالله هناك حديث اليوم عن سياسة أميركية جديدة في مواجهة حزب الله، تندرج في سياق أشمل وهو محاربة إيران، زاعما بأن ذلك يعود إلى مساهمة الحزب وطهران في إسقاط المشروع الإرهابي التكفيري في المنطقة.
وتشكل حزب الله بدعم إيراني في العام 1982 بداعي مقارعة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، وتحول خلال السنوات الأخيرة إلى إحدى أبرز أذرع طهران الخارجية، حيث يسجل حضوره تقريبا في كل الجبهات التي فتحتها إيران بدءا من سوريا ومرورا بالعراق ووصولا إلى اليمن.
كما يسجل للحزب تورطه في أكثر من قضية إرهابية في بعض دول الخليج العربي وعلى رأسها البحرين والكويت. ويقول خبراء استراتيجيون إن الحزب بات حاليا في مقدمة أولويات الولايات المتحدة خاصة بعد تنامي قوته التي اكتسبها في سوريا، رغم الكلفة البشرية العالية التي دفعها.
ويشارك حزب الله منذ العام 2013 بشكل علني في الحرب السورية إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، وقد فتحت هذه الحرب لعناصره إمكانية التدرب على مختلف المهارات القتالية، كما فتحت له المجال للحصول على أسلحة أكثر دقة من تلك التي كان يملكها.
ويعتبر الخبراء أن حزب الله لم يعد يشكل مشكلة للولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل فحسب بل أيضا لدول عربية وازنة تخوض صراعا غير مباشر مع إيران.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى ضرورة تشكيل تحالف صلب لمواجهة الحزب على غرار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي شارف على نهايته في كل من سوريا والعراق.
وقال ثامر السبهان وزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي في تغريدة على موقعه على “تويتر” إن “العقوبات الأميركية ضد الحزب الميليشياوي الإرهابي في لبنان جيدة ولكن الحل في تحالف دولي صارم لمواجهته ومن يعمل معه لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي”.
وسبق أن صرح السبهان في تغريدة بتاريخ الرابع من سبتمبر الماضي “ما يفعله حزب الشيطان من جرائم لا إنسانية في أمّتنا سوف تنعكس آثارها على لبنان حتما، ويجب على اللبنانيين الاختيار معه أو ضده”.
وتأتي تغريدات ثامر السبهان بالتزامن مع حراك سعودي لافت على الساحة اللبنانية، حيث استقبلت الرياض في الفترة الأخيرة كلا من رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل.
ومعلوم أن كلا الحزبين المارونيين مناهضان لسياسات حزب الله وداعمته إيران، وهما عضوان رئيسيان في تحالف 14 آذار الذي تعتزم السعودية إحياءه لمقارعة الحزب سياسيا. وتتحدث أنباء على أن الأيام المقبلة ستشهد سلسلة زيارات لبنانية إلى السعودية وعلى رأسها رئيس الحكومة سعد الحريري.
ويبدو أن الحزب يستشعر خطرا من هذه الزيارات التي تهدف إلى محاصرته وإرباكه سياسيا، وهو ما يفسر مساعيه لمغازلة الحريري والتقرب منه، لأنه يدرك أن مساعي السعودية لتشكيل جبهة قوية في لبنان لن تنجح ما لم يكن الحريري في صدارتها.