بيروت – قالت مصادر سياسية لبنانية إن إيران دفعت سعد الحريري إلى الاستقالة من موقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان في سياق ردّها على الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط. وربطت المصادر بين الاستقالة وتهديدات مباشرة لحياته شعر بها الحريري ولمسها في الأيام القليلة الماضية. وتزامن هذا مع حديث عن إحباط مؤامرة لاغتياله.
وأضافت أن الحريري قدّم استقالته من الرياض بعد أربع وعشرين ساعة من استقباله في بيروت علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي.
ونقل تلفزيون العربية الحدث عن مصدر لم يسمّه أنه جرى إحباط مؤامرة لاغتيال الحريري في بيروت قبل أيام. وقال المصدر إن “مخططي اغتيال الرئيس الحريري عطّلوا أبراج المراقبة خلال تحرّك موكبه”.
ويبدو، استنادا إلى المصادر نفسها، أنّ ولايتي وجه تهديدا مبطنا إلى رئيس مجلس الوزراء اللبناني بدعوته إلى التزام الخط المؤيد لإيران والمعادي لما ورد في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الثالث عشر من أكتوبر الماضي.
وتضمّن خطاب الرئيس الأميركي لائحة طويلة بأعمال “إرهابية” ارتكبتها إيران، بما في ذلك تفجير مقر المارينز قرب مطار بيروت في الثالث والعشرين من أكتوبر 1983.
وذكرت المصادر السياسية اللبنانية أن الحريري توجّه إلى الرياض مباشرة بعد استقباله ولايتي في السراي الحكومي وذلك بناء على موعد مسبق مع وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان.
وكانت الزيارة الجديدة تستهدف متابعة محادثات كانت بدأت مع وليّ العهد السعودي في الزيارة التي قام بها رئيس مجلس الوزراء اللبناني للسعودية الأسبوع الماضي.
وتوقّفت أوساط سياسية لبنانية عند إشارتين مهمّتين وردتا في خطاب الاستقالة الذي وجهه سعد الحريري إلى اللبنانيين من الرياض.
وتتعلّق الإشارة الأولى بأن الأجواء السائدة في لبنان تشبه تلك التي سادت عشية اغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير 2005. أمّا الإشارة الثانية فهي تؤشر إلى وجود رغبة عربية في عدم ترك إيران تسيطر كليّا على لبنان. وظهر ذلك من خلال تأكيد الحريري أن “أذرع إيران ستقطع”.
وذكر مصدر سياسي أن أقرب الناس إلى الحريري فوجئوا بإقدامه على الاستقالة، إذ عاد الأسبوع الماضي من زيارته للسعودية بأجواء متفائلة. وكان الدليل على ذلك دعوته فرق العمل المحيطة به إلى الاستعداد لمرحلة جديدة ستمكّن لبنان من تجاوز الصعوبات التي يمرّ بها وذلك بفضل الدعم السعودي الذي يحظى بغطاء من المجتمع الدولي.
لكن هذا المصدر أوضح أن شيئا ما حصل أخيرا جعل الحريري يتّخذ قراره النهائي بالاستقالة، خصوصا بعد الكلام الذي سمعه من ولايتي الذي استخدم “نعومة” فائقة في كلامه “المنمّق” لإفهام الحريري أنّ لبنان لا يستطيع أن يكون خارج دائرة النفوذ الإقليمي لإيران التي تخوض حاليا مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
وأكد هذا المصدر أن الحريري ما كان ليقدم على خيار الاستقالة من الرياض لو لم يستمع إلى نصائح سعودية فحواها بأنّ حكومته باتت عاجزة عن السير إلى النهاية في التسوية التي قامت على أساسها. وكانت هذه التسوية حظيت بتأييد فاتر من السعودية ودول الخليج العربي التي أرادت من الحريري امتحان النيات الحقيقية لإيران وحزب الله من خلالها.
وبدأت التسوية قبل سنة تماما بالإتيان بميشال عون، مرشّح حزب الله، رئيسا للجمهورية في مقابل المجيء بسعد الحريري رئيسا لمجلس الوزراء على أن تتبع حكومته سياسة “النأي بالنفس” تجاه النزاعات الإقليمية. لكن الضغوط التي مارسها حزب الله، ومن خلفه إيران، على رئيس الجمهورية والمحيطين به والتهديدات التي وجّهت إلى الحريري نفسه، جعلت الأخير يقدم على خطوة الاستقالة من مكان آمن بالنسبة إلى حياته وهو الرياض.
وأعلن الحريري السبت بشكل مفاجئ من السعودية استقالته من منصبه حاملاً على إيران وحزب الله بشكل أساسي.
وأتى خطاب الحريري وسط حالة من التوتر الشديد بين السعودية وإيران وبعد عام على تولّيه منصبه.
وقال الحريري “أعلن استقالتي من رئاسة الحكومة اللبنانية”، واصفا ما يعيشه لبنان حالياً بما كان سائدا ما قبل اغتيال والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وتحدث عن أجواء “في الخفاء لاستهداف حياتي”.
وقتل رفيق الحريري و22 شخصاً أخرون في تفجير ضخم استهدف موكبه في بيروت في العام 2005، واتهمت المحكمة الدولية المكلفة بالنظر في اغتياله خمسة عناصر من حزب الله بالتورط في العملية.
وأكد الحريري أن إيران “ما تحلّ في مكان إلا وتزرع فيه الفتن والدمار والخراب، ويشهد على ذلك تدخلاتها في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في لبنان وسوريا والعراق واليمن”، معتبرا أنها “زرعت بين أبناء البلد الواحد الفتن وتطاولت على سلطة الدولة وأنشأت دولة داخل الدولة وانتهى بها الأمر إلى أن سيطرت على مفاصلها وأصبحت لها الكلمة العليا والقول الفصل في شؤون لبنان واللبنانيين”.
ووصف الحريري حزب الله، المشارك في الحكومة، بـ”الذراع الإيرانية ليس في لبنان فحسب بل في البلدان العربية”، مضيفا “خلال العقود الماضية استطاع حزب الله للأسف فرض أمر واقع في لبنان بقوة سلاحه الذي يزعم أنه سلاح مقاومة وهو الموجه إلى صدور إخواننا السوريين واليمنيين فضلاً عن اللبنانيين”.
ويرى متابعون للشأن اللبناني أن التهديدات المبطّنة التي سمعها الحريري من مستشار خامنئي، والمعلومات الاستخبارية التي قد يكون حصل عليها في الرياض بشأن أمنه الشخصي، تأتي كرسائل إيرانية للسعودية التي تهدّد تحركاتها بإرباك هيمنة إيران على لبنان وسوريا، ومساعيها للانفتاح على شخصيات لبنانية مختلفة كانت استضافتها في الرياض، ما اعتبرته طهران تهديدا لقبضتها على لبنان.
ويثير هذا النهج السعودي ضجرا كبيرا في إيران، خصوصا بعدما لاقى صدى واسعا بين المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قد قال خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا إن معالجة الأزمات في بعض دول المنطقة، ومنها سوريا، تتطلب “توقف إيران عن سياساتها التوسعية”.
العرب اللندنية