أزمة الاستفتاء تصعد بأسهم العبادي السياسية وتنسف تاريخ البارزاني

أزمة الاستفتاء تصعد بأسهم العبادي السياسية وتنسف تاريخ البارزاني

بغداد – أتاحت أزمة إقليم كردستان فرصة كبيرة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ليستكمل صورة الرجل القوي والسياسي المحنّك التي بدأت تُرسم له بفعل قيادته الموفّقة للحرب على تنظيم داعش، فيما تسببت في دفع الزعيم الكردي المخضرم مسعود البارزاني، رغم عراقته في مجال السياسة، إلى هامش النسيان بعد فشله الذريع في تمرير مشروع الاستقلال، الذي كان نجاحه سيجعل منه قائدا تاريخيا لأكراد العراق والمنطقة.

وتحوّل الاستفتاء على استقلال أكراد العراق والذي وقف البارزاني بقوّة وراء تنظيمه إلى مقامرة خاسرة بعد أن أقيم على حسابات غير دقيقة وقراءات خاطئة للموقف الدولي، وتحديدا الأميركي، حيث كان زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني يتوقّع أن تهبّ واشنطن لنجدته في نهاية المطاف مسايرة للأمر الواقع الذي سيفرضه تصويت أكراد العراق بكثافة لصالح الاستقلال، لكن تبيّن أن للولايات المتحدة حسابات مخالفة تماما لحسابات البارزاني.

وتقول مصادر مطلعة في بغداد لـ”العرب” إنّ “الموقف الضعيف للبارزاني شجّع المسؤولين في مكتب حيدر العبادي على التعامل بأقصى درجات التشدد مع مسؤولي حكومة الإقليم الكردي” في أعقاب استفتاء الخامس والعشرين من سبتمبر الماضي وما نتج عنه من تداعيات تسببت بخسارة كردستان لكركوك ونفطها ومغادرة قوات البيشمركة الكردية للكثير من المناطق التي كانت تسيطر عليها منذ العام 2014.

ويقول سياسي شيعي في بغداد لـ”العرب” إن “العبادي أحسن استغلال الدعم الدولي لوحدة العراق فيما فشل البارزاني في قراءة رسائل التحذير التي تدفقت على أربيل من مختلف العواصم حتى قبل موعد إجراء الاستفتاء بساعات”.

ويضيف أن “أزمة الاستفتاء تحولت إلى فرصة جديدة للعبادي استغلها في تعزيز شعبيته التي صنعتها الانتصارات العسكرية على تنظيم داعش لا سيما طرده من الموصل، وفي المقابل وجد إقليم كردستان نفسه وحيدا بعد إجراء الاستفتاء ليتجرع بمرارة الخسائر الكبرى التي مني بها سياسيا وعسكريا واقتصاديا”.

وتقول مصادر سياسية في بغداد إن “العبادي تحرّك لتنفيذ خطته التي ركزت على خنق الإقليم الكردي سياسيا وعسكريا واقتصاديا من واقع تأييد علني عبّرت عنه الولايات المتحدة والغرب ودول الجوار”. وتضيف أن “التأييد الإقليمي والدولي للعبادي لم يقف عند حد تشجيعه للرد على خطوة الاستفتاء بل امتد ليشمل أي إجراءات تعلنها بغداد لضمان عدم ظهور أي خطوة كردية انفصالية على المديين القريب والمتوسط”.

الحسابات الخاطئة للبارزاني شملت حتى موقف تركيا التي توقع أنها لن تعترض بجدية على استقلال الإقليم لثقتها في قيادته
ويقول مراقبون إن “القيادة السياسية الكردية أصبحت الآن تدرك هذا الواقع، ولذلك وجدت نفسها مرغمة على القبول بما تقرّه بغداد حاليا على أمل الحد من الأضرار بعدما تأكد لها أن العناد سيشجع العبادي على اتخاذ إجراءات أقسى”.

ويترجم الإعلان الكردي عن احترام قرار المحكمة الاتحادية الذي ينص على أن الدستور العراقي لا يسمح لأي مكون عراقي بالانفصال، رضوخ الإقليم لرغبة بغداد، بل يراه مراقبون إقرارا غير مباشر بإلغاء نتائج الاستفتاء وهو ما تطرحه حكومة العبادي شرطا للحوار مع أربيل.

وتقول مصادر مطلعة على كواليس السياسة في أربيل إن “حكومة الإقليم ممثلة برئيسها نيجرفان البارزاني ونائبه قوباد الطالباني تريد بدء مفاوضات التسوية مع بغداد قبل إقرار البرلمان العراقي لمشروع قانون مسودة موازنة 2018”.

وخفضت بغداد عقب الاستفتاء حصة إقليم كردستان في الموازنة السنوية من 17 بالمئة إلى أقل من 13 بالمئة. وحتى الآن ترفض بغداد السماح لكردستان بفتح مطاراته أمام الرحلات الدولية كما أن منافذ الإقليم الحدودية مع تركيا وإيران مهددة بفعل رغبة الحكومة الاتحادية في انتزاع السيطرة عليها.

ولا يمكن نسبة الحسم السريع والناجع لقضية الاستفتاء إلى حزم صنّاع القرار في بغداد وحنكتهم السياسية، إذ كان لإيران وتركيا دور مؤثّر في ذلك بفعل مخاوفهما من سريان حمّى الاستقلال في مناطق الأكراد التابعة لكلّ منهما، فبينما أرسلت الأولى جنرالها الشهير قاسم سليماني ليشرف على خطة إعادة انتشار القوات الاتحادية العراقية والحشد الشعبي في المناطق التي كانت تحت سيطرة البيشمركة الكردية، أعلنت الثانية استجابتها لكل مطالب الحكومة الاتحادية في بغداد، بما فيها غلق المنافذ الحدودية مع المنطقة الكردية.

وبحسب مقرّبين من البارزاني فإنّ الأخير اعتقد أن تركيا التي تعاملت منذ 2003 مع كردستان العراق كشبه دولة مستقّلة وتواصلت معه سياسيا وأمنيا وتجاريا، لن تمانع في أن ينتقل الإقليم الى الاستقلال الفعلي نظرا لثقتها في قيادته التي لطالما تعاونت مع أنقرة في ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني وضربهم حتى داخل أراضي الإقليم.

وعلى عكس ما انتظره البارزاني فإنّ تركيا أظهرت تضامنها مع إيران ضدّه على الرغم من الأسئلة المثارة بشأن أخطار الهيمنة الإيرانية على المنطقة الكردية في العراق.

وبات الحزب الديمقراطي الكردستاني يخشى أن تؤدي الاعتراضات على إجراءات بغداد إلى تشجيع الإيرانيين على تنفيذ خطة تقسيم الإقليم الكردي إلى إدارتين تضم الأولى دهوك وأربيل فيما تشمل الثانية السليمانية وكركوك.

العرب اللندنية