ردا على شائعات مقتل زعيمها.. “طالبان” تنشر أول سيرة ذاتية للملا عمر

ردا على شائعات مقتل زعيمها.. “طالبان” تنشر أول سيرة ذاتية للملا عمر

جاء نشر حركة “طالبان” الأفغانية للسيرة الذاتية لزعيمها الروحي الملا محمد عمر، ليثير تساؤلات حول الدوافع وراء قرار الحركة، في هذا الوقت بالذات، ومغزى نشر سيرة الملا عمر الذي آثر العيش بعيدًا عن الإعلام والأضواء؛ فقد كان يرفض التصوير لحرمته، “ووفقًا لمنظوره الشرعي” في الرأي بحرمة التصوير، كما حرم تصويره بالفيديو -صوت وصورة- وظل يعيش في بيته المتواضع حتى اختفى عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان.

فهناك من رأي أن نشر السيرة الذاتية للملا عمر جاء من حركة طالبان، لدحض الشائعات المتداولة حول مقتل زعيم حركة طالبان، وهناك رأي آخر أن الحركة تريد قطع الطريق أمام “تنظيم الدولة الإسلامية” الذي حاول جذب عدد من أعضاء طالبان إليه، وحشد التأييد للحركة، بإصدار أول سيرة ذاتية لزعيمها المختفي، الذي يعتقد أنه يقيم في مخبأ في باكستان، ولم يظهر علنًا منذ سنوات عديدة.

وطبقًا للسيرة التي تم نشرها، فإن الملا عمر لا يزال يدير الأنشطة اليومية لطالبان، وهي الحركة التي أسسها مع مجموعة من المجاهدين الأفغان عام 1994، ويأتي نشر هذه السيرة بعد مرور 19 عامًا على زعامة الملا عمر للحركة، وكان ذلك في اليوم الذي أظهر فيه “عمر” عباءة يعتقد أنها تخص النبي محمد، والتي تعتبر أعز شيء للأفغان، ومُنح عمر حينها لقب أمير المؤمنين.

السيرة الذاتية للملا محمد عمر، جاءت في نحو خمس آلاف كلمة، لم تحمل أي مفاجآت وهي أشبه بسير القديسين، وتتحدث عن مرحلة طفولته وتعلمه في المدرسة الدينية على يد أعمامه الورعين بعد وفاة والده حينما كان عمره خمس سنوات، وانضمامه لصفوف المجاهدين وهو في سن العشرين بعد الغزو الروسي في عام 1980، ليصبح قائدًا في عام 1983، وأصيب الملا عمر أربع مرات وهو يقاتل السوفيت بين عامي 1983 و1991، وفقد عينه اليمنى في القتال، ويتحدث الملا برادر عن براعة الملا عمر في استخدام قاذفات صواريخ الآر بي جي، خاصة ضد الدبابات.

وكان الملا عمر من بين مجموعة من قادة المجاهدين السابقين الذين أغضبتهم أعمال العنف والاضطرابات عقب انهيار حكومة نجيب الله المدعومة من الاتحاد السوفيتي عام 1992.
وهناك تفاصيل مثيرة لوصف المشاكل التي واجهت التجار بسبب حواجز الطرق غير القانونية، وفي أحد الاجتماعات عام 1994، حين اتخذ قرار التصدي لزعماء الحرب، كان الملا عمر هو القائد الطبيعي “للوقوف ضد والتصدي لهذه الفوضى؛ إذ إنه سيحظى بدعمهم جميعًا”.

لم تذكر السيرة الذاتية شيئًا عن تنظيم القاعدة، وبدلًا من الحديث عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، تحدثت هذه الرواية عن الهجوم الأمريكي على أفغانستان؛ لأن العالم “لم يتحمل نظام الشريعة الإسلامية”، وتؤكد هذه الصورة توصيف طالبان كتنظيم إسلامي قومي في أفغانستان لديه رؤية محدودة للعالم، وتحاول سيرة عمر تصوير زعيم طالبان على أنه شخصية “جذابة”، ولديه “روح دعابة خاصة”.

وطبقًا للسيرة الذاتية، “لقد تبنى أسلوبًا بسيطًا وسهلًا في جميع نواحي حياته؛ زي بسيط وطعام بسيط وحديث غير متكلف، والصراحة والتواضع من عاداته الطبيعية”، وكان الملا عمر “في معظم اجتماعاته يتحدث عادة عن الجهاد”، ونشرت طالبان ترجمة إنجليزية للسيرة الذاتية تضمنت قدرًا من العامية الطريفة، لكنها موجهة بشكل أساسي إلى المواطنين الأفغان، الأمر الذي يؤكد أن الهدف الخفي وراء نشر هذه السيرة هو تذكير الأفغان بأن الملا عمر لا يزال يتمتع بالنفوذ، ولا يوجد أي ذكر في السيرة للمصالحة مع الحكومة الأفغانية، لكنها تؤكد أن حكومة الظل التي يتزعمها عمر تسيطر بالفعل على معظم مناطق البلاد.

و الملا عبدالمجيد محمد عمر، هو الزعيم الروحي لجماعة طالبان الأفغانية في فترة حكم طالبان بين 1996 و2001 قبل الغزو الأمريكي عام 2001، ويعدّ ملا عمر أحد أشهر المطلوبين للولايات المتحدة الأمريكية، وكلمة “ملا” في أفغانستان تعني الطالب الذي يدرس العلوم الشرعية، أما “المولوي” فهو الذي أتم دراسته بالفعل، وولد ملا عمر عام 1959 في قرية (نوده) من قرى قندهار، وينحدر من قبيلة “هوتك” أحد أفخاذ قبيلة “غلزايي” البشتونية المعروفة، واشتهرت قبيلة “هوتك” في التاريخ المعاصر لأفغانستان عندما أسس كبيرها القائد الأفغاني المعروف “مرويس بابا الهوتكي” إمبراطورية أفغانية على أنقاض دولة شيعية بعد فتحه مدينة أصفهان الشهيرة.

وينحدر ملا عمر من أسرة فقيرة جدًا ليس لها حتى الآن قطعة أرض ولا بيت سكني، وكان أجداده من المولوية الذين كانوا يشتغلون بالإمامة في المساجد، ويعيشون على مساعدات ضئيلة تقدم لهم من أهل القرية، توفي أبوه عندما كان عمره ثلاث سنوات، ولم ينجب أبوه غيره، وتزوج عمه الأكبر المولوي محمد أنور من أمه، وأنجب منها ثلاثة أولاد وأربع بنات كلهم ما زالوا على قيد الحياة، وتربى هو أيضًا في حضن عمه (زوج أمه) محمد أنور الذي درس له الكتب الابتدائية، وانتقلت الأسرة إلى مديرية “بيروت” ولاية أرزجان، حيث كان يشتغل زوج الأم إمامًا للمسجد وخطيبًا له.

وعندما دخلت القوات السوفيتية إلى أفغانستان كان سن الملا محمد عمر ملا حوالي 19 عامًا، وكان يدرس في منطقة “سنج سار” بمديرية “ميوند” من ولاية “قندهار”، ترك الدراسة والتحق بالمقاومة الجهادية التي اندلعت فور دخول القوات السوفيتية إلى أفغانستان، وشارك في عدة معارك ضد قوات الاتحاد السوفيتي السابق في ولايتي قندهار وأرزجان اللتين شهدتا معارك ضارية، وكان يتنقل من منظمة إلى أخرى، وبقي فترة طويلة قائدًا لمجموعة صغيرة في جبهة القائد ملا نيك محمد التابعة للحزب الإسلامي بزعامة المولوي محمد يونس خالص، واستقر به المقام آخر الأمر في حزب “حركة الانقلاب الإسلامي” التابع للمولوي محمد نبي محمدي، والحزبان كان عمادهما علماء الدين.

ويصفه من يعرفه بطول قامته “1.98 متر” وعنفه في الأمور القيادية، وخلال القتال الدائر بين المقاتلين الأفغان والقوات السوفيتية الغازية، فقد ملا عمر أحد عينيه في إحدى المعارك، ولم يتمتع ملا عمر بالظهور الإعلامي في فترة زعامته لأفغانستان، وكان يمنع المصورين من تصويره بالفيديو لأنه يعتقد أنه”حرام”. وفي عام 2001، أمر بهدم التماثيل البوذية القابعة في مدينة باميان؛ لأنها تناقض التعاليم الإسلامية، ولم يعر ملا عمر بالًا للمطالب الدولية بعدم هدمها كونها معالم أثرية.

وبعد انسحاب مقاتلي طالبان من العاصمة كابول، ظل مصير “ملا” محمد عمر مشابهًا لمصير أسامة بن لادن -السبب الرئيس لاجتياح القوات الأمريكية لأفغانستان- بفارق ظهور أسامة بن لادن بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام العالمية بأشرطة فيديو ورسائل صوتية؛ إلا أن ملا عمر لايزال متواريًا عن الأنظار بصمت، ولا يعرف مكانه.

التقرير