خلافة “داعش” المعلنة ذاتياً هُزمت، لكن افتراض أن التهديد الذي تشكله المجموعة قد انتهى سيكون خطأ جسيماً.
وقد تحلل التنظيم في شكله الحالي في سورية والعراق عملياً. لكن مشكلة تحويلات الأسلحة التي تتدفق على المنطقة بتهور، والتي ساعدت بشكل غير مباشر في تسليح “داعش”، لم تُعالج كما يجب أو توقف من قِبل الدول المسؤولة عن تزويد المجموعة.
وفي حين شكل ذلك عاملاً كبيراً في نمو “داعش”، فإنه يُظهر كيف يمكن أن تظهر مجموعات أخرى بالطريقة نفسها، إذا ما استمرت هذه التحويلات المتهورة للأسلحة إلى المنطقة والأماكن الأخرى.
مع ذلك، يحدونا الأمل بأن يأخذ المجتمع الدولي هذه المسألة على محمل الجد. وقد تم في الأيام الأخيرة نشر تحقيق استقصائي استغرق إعداده ثلاث سنوات حول أسلحة “داعش” وأصولها، أجرته المنظمة غير الحكومية “أبحاث تسليح النزاعات” التي تعمل من لندن. وأجري البحث بتمويل من الاتحاد الأوروبي وألمانيا، لمنع تكرار وقوع مثل هذه الحوادث الضارة، كما قيل.
في إطار البحث المذكور، قام فريق التحقيق من منظمة “أبحاث تسليح النزاعات” بفحص أكثر من 10.000 من ذخائر “داعش” وأسلحته. وخلص الفريق إلى أن الولايات المتحدة ودولة عربية غنية اشترتا أسلحة من منشأ روسي وصيني ومن دول “حلف وارسو” في أوروبا الشرقية من الاتحاد الأوروبي، وتم تحويلها بطريقة غير قانونية إلى عدد من مجموعات الثوار السوريين.
وخلص الفريق أيضاً إلى أن المطاف انتهى بهذه الأسلحة لاحقاً إلى أيدي “داعش”. واكتشف التحقيق أن أكثر من نصف أسلحة التنظيم هي من نوعية أسلحة دول “حلف وارسو”. ويمكن أن تكون قد وصلت إليه من خلال تحالف جماعات أخرى من الثوار مع “داعش” أيضاً، سواء بسبب تغيير اصطفافاتها بعد تسليحها، أو عقب تعرضها للهزيمة على يد “داعش” في ميدان المعركة.
أن تُثبت دراسة رسمية هذا الدور للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة في تسليح المجموعة، هو أمر يجب أن يكون موضع قلق مشروع بالنسبة لصانعي القرار. وكان ينبغي لهذه الحقيقة أن توقف أي محاولة يفترض أنها حسنة النية، بذلتها قوات التحالف التي تقودها أميركا لهزيمة “داعش” وإضفاء الاستقرار على المنطقة، لأنها تسبب بخسائر لا لزوم لها في أرواح المدنيين والعسكريين.
كما انضمت منظمة العفو الدولية إلى توجيه هذه الاتهامات أيضاً، معترفة بأن تحويلات الأسلحة غير المسؤولة مكَّنت تنظيم “داعش”. وتظهر العديد من دراسات منظمة العفو الدولية أن الأسلحة التي تم تحويلها إلى الحكومة العراقية والقوات الأخرى على الأرض من أجل تعزيز أمن البلد، استولى عليها تنظيم “داعش” في وقت لاحق. وذكرت صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية أن ثوار “الفرقة 30” المدعومة من الولايات المتحدة عبرت الحدود من تركيا إلى سورية، فقط لتنشق على الفور وتنضم إلى فرع تنظيم القاعدة السوري “جبهة النصرة”، وتعطي أسلحتها للمجموعة.
من المنطقي افتراض أن الأسلحة التي تُصب في منطقة حرب يمكن أن ينتهي بها المطاف بسهولة إلى الأيدي الخطأ، خاصة إذا كان المتلقون المقصودون مرتزقة يهتمون أولاً بالعمل مع الجهة التي تعرض عليهم شروطاً أفضل، أو إذا تم تسليح القوى الأكثر اعتدالاً، لكنها تعرضت الهزيمة من متطرفين أكثر قوة مثل “داعش”. وقد تحقق كلا هذين المثالين في سورية والعراق. وإذن، لماذا تفعل الدول هذا؟
حتى في داخل الرقة “المحررة” حديثاً، يشعر الناس على الأرض بأن تهديداً جديداً يمكن أن ينبثق بسهولة من الدمار الذي خلفته وراءها قوى التحالف. ويحذر آخرون، مثل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، من أن مجموعات مثل “داعش” يمكن أن “تظهر مرة أخرى في مكان آخر”. وهناك مخاوف مبررة، بالنظر إلى التاريخ الحديث للمجموعات التي تنبثق واحدة بعد الأخرى منذ سقط العراق في الفوضى بعد غزوه بقيادة أميركية في العام 2003.
بطبيعة الحال، عمل هرب مقاتلي “داعش” الأجانب من العراق وسورية، إما إلى بلدانهم الأصلية أو إلى أماكن الصراع الأخرى، على زيادة هذه المخاوف. وإلى جانب المخاوف من احتمال أن تستمر الهجمات الإرهابية في أماكن مختلفة، فإن المقاتلين يمكن أن ينضموا إلى فروع “داعش” في أماكن أخرى أو إلى مجموعات أخرى موالية للتنظيم، مثل مجموعة “بوكو حرام النيجيرية المتطرفة -محولين أسلحتهم إليها أيضاً.
بعد كل شيء، وكما وثّقت منظمة “أبحاث تسليح النزاعات” ودراسات أخرى، فإن تحويلات الأسلحة عبر الصراعات من مجموعة ميليشيا إلى أخرى قد حدثت فعلاً. وقد وصلت أسلحة من ليبيا، والسودان، والصومال واليمن وأماكن أخرى -معظمها زودتها الولايات المتحدة، إلى “داعش”. ويمكن أن يحدث ذلك بسهولة مرة أخرى.
على الرغم من تعهدات الرئيس دونالد ترامب بسحب الدعم العسكري للثوار السوريين الذين يقاتلون ضد الأسد، فإن هذه السياسة لم تنتهِ رسمياً بعد، وما تزال الولايات المتحدة تتدخل في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، ليست هناك ما يضمن أن تقوم الولايات المتحدة والآخرون بإيقاف تحويلاتهم العسكرية في أماكن أخرى.
في حيث غذى هذا الواقع العديد من النظريات عن دور الغرب في مساعدة “داعش”، فإن مما لا شك فيه أنه ساعد المجموعة. ويجب أن يكون هذا الواقع دعوة للاستيقاظ بالنسبة للدول المسؤولة عن تسليح “داعش”. وفي حين أن الكثير من الضرر وقع فعلاً، فإنه ما يزال بالوسع منع ظهور المزيد من الفوضى في أماكن أخرى مستقبلاً، عن طريق إيقاف هذه الاستراتيجية سيئة المشورة لتسليح الميليشيات المشكوك فيها في مناطق الصراع، وصب الأسلحة بلا داع في المناطق المتقلبة.
جوناثان فينتون
صحيفة الغد