بغداد – اتّضحت، الثلاثاء، معالم أكبر انفراجة في علاقات الحكومة العراقية المركزية بسلطات إقليم كردستان العراق، منذ الأزمة التي فجّرها إجراء استفتاء على استقلال الإقليم في سبتمبر الماضي.
ورحّبت حكومة الإقليم على لسان ناطقها الرسمي سفين دزيي بما سمّته “المؤشرات والخطوات الإيجابية التي أبدتها بغداد والتي تحمل بوادر حسن نيّة منها”، في إشارة إلى التوافق الذي حدث بشأن إدارة المعابر الحدودية، وأفضى إلى إعادة فتح تلك المعابر مع إيران، ما يمنح الإقليم متنفّسا كبيرا ويخفّف الضغوط على حكومته التي واجهت خلال الأسبوعين الماضيين تفجّر احتجاجات عارمة بوجهها على خلفية الأوضاع الاجتماعية فضلا عن الاحتقان السياسي.
ويدور الحديث في العراق عن انفراجات لاحقة في ملفات أخرى حيوية في مقدّمتها قضية مرتّبات موظّفي الإقليم، بينما تسارعت جهود إطلاق الحوار بين بغداد وأربيل بشأن قضايا أعمّ وأعمق على رأسها قضية المناطق المتنازع عليها.
وكانت مصادر عراقية مطّلعة قدّ أكّدت وجود توجّه واضح لدى حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نحو تسريع فض المشاكل العالقة مع إقليم كردستان بهدف تخفيف الضغوط عن حكومته وتنفيس احتقان شارعه مخافة انفجار غضب جماهيري، قد تصعب السيطرة عليه وحصره داخل حدود الإقليم ومنع انتشاره في باقي المناطق العراقية أسوة بما يجري في إيران المجاورة.
وأكّدت المصادر ذاتها أنّ حكومة بغداد تراجعت، بناء على نصيحة مقرّبين منها، عن هدف إسقاط آل البارزاني من حكم إقليم كردستان الذي كانت أطراف شيعية متشدّدة قد دفعت باتجاهه وتبيّن لمن قدّموا النصيحة أنّه هدف غير واقعي لا يخلو، في ظلّ حالة التوتّر القائمة في العراق وحوله، من تداعيات ومخاطر قد ترتدّ على حكومة بغداد ذاتها.
وبدا أنّ طهران ذاتها منخرطة في عملية تخفيف الضغوط على حكومة أربيل حيث بادرت السلطات الإيرانية، الثلاثاء، إلى إعادة معبري حاج عمران وبرويزخان الحدوديين مع إقليم كردستان العراق، بعد غلقهما أمام حركة التجارة والمسافرين، بطلب من الحكومة العراقية.
وأعلنت القنصلية الإيرانية في أربيل عن إعادة فتح المعبرين، معلنة في بيان عن استئناف حركة المسافرين في المعبرين إضافة إلى استئناف حركة التبادل التجاري.
سفين دزيي: خطوات إيجابية متخذة من قبل بغداد تنطوي على بوادر حسن نية
وربط مصدر حكومي عراقي خطوة التوافق على قضية المعابر بقضايا سياسية أشمل. وقال إحسان الشمري، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء حيدر العبادي، إن إقليم كردستان “وافق على تسليم المعابر الحدودية للحكومة الاتحادية في خطوة قد تمهد لبدء حوار بين الجانبين إثر خلافات غير مسبوقة”.
ومن جانبه رحّب دزيي بأي خطوة إيجابية تتخذها بغداد لحل المشاكل العالقة مع الحكومة الاتحادية على أساس الدستور.
وطالب في تصريح نشره الموقع الرسمي لحكومة كردستان بتشكيل لجنة مشتركة للحوار حول المنافذ الحدودية والمطارات والسدود، إضافة إلى طلب قائمتي رواتب موظفي الصحة والتربية في الإقليم.
كما رحّب بخطوة فتح حدود الإقليم مع إيران، وقال إن حكومة أربيل تبدي ارتياحها لهذه الخطوة، وتعبر عن استعدادها لإجراء الحوار حول إدارة المنافذ الحدودية والمطارات، وأنها تنسق وتتعاون مع الحكومة العراقية بموجب الآلية التي حددها الدستور العراقي للوصول إلى حل مشترك يرضي الطرفين.
وبدا أنّ قضية المعابر ستكون محطّة أولى في مسيرة تحسّن شامل في العلاقات بين بغداد وأربيل وأنّها بوابة لفتح الحوار بين الطرفين، والذي لم تنقطع حكومة كردستان عن المطالبة به، فيما كانت بغداد تتشدّد في وضع الشروط اللاّزمة لإطلاقه.
وكتب الشمري على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “بناء على قبول الإقليم بالدستور كحاكم، والرغبة بإنهاء الأزمة، وصلت عدة رسائل حول تلك المستجدات، الأمر الذي دفع نحو اتخاذ عدة قرارات”.
وأوضح أن “من بين هذه القرارات استلام بغداد الحدود الدولية مع تركيا وإيران، وتشكيل اللجنة العليا لتنظيم عمل المنافذ البرية والجمارك والمطارات”.
وتابع الشمري أن “اللجنة وضعت أوراق عمل وفق الدستور العراقي والصلاحيات الاتحادية للحكومة، وهي بانتظار وفد فني من حكومة الإقليم”.
كما أفاد بـ”تشكيل لجنة ثانية لتدقيق أسماء موظفي القطاع التعليمي والصحي في حكومة الإقليم، فضلا عن توزيع رواتب موظفي الموارد المائية، وكذلك دعوة المنتسبين الاتحاديين (موظفي الحكومة المركزية) في الإقليم للحضور إلى بغداد والاجتماع بهم كل حسب وزارته”.
ومن الجدير بالملاحظة غياب الشرط الذي لطالما تمسّكت به بغداد ومثلّ إحراجا لأربيل وهو إعلان الأخيرة بشكل صريح وواضح عن إلغاء نتائج استفتاء الاستقلال.
ولم يأت الشمري على ذكر هذا الشرط. ويمكن لهذه الخطوات أن تشكل بداية لحوار بين بغداد وأربيل حول ملفات عالقة منذ سنوات ومن أكثرها تعقيدا ملف المناطق المتنازع عليها وإدارة الثروة النفطية للإقليم.
وجرّ الردّ الصارم من قبل الحكومة الاتحادية العراقية مدعومة بكلّ من تركيا وإيران على إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان على حكومة الإقليم خسائر فادحة حيث فقدت أربيل قرابة 95 بالمئة من المناطق المتنازع عليها مع بغداد، وقسما كبيرا من عائدات النفط، المصدر الأهم لدفع رواتب الموظفين.
وباتت مختلف تلك الخسائر بمثابة تهديدات وجودية لسلطة إقليم كردستان، وهو ما لم تعد بغداد بوارد السماح به مخافة فتح مستنقع جديد في شمال البلاد التي لم تتعاف بعد من آثار الحرب الدامية والمرهقة ضدّ تنظيم داعش.
العرب اللندنية